لماذا لم يصدر التقرير الفرنسي حول وفاة عرفات؟
الكاتب والصحافي الفرنسي آلان غريش يتحدث للميادين نت عن حذر تقني وسياسي وراء عدم صدور تقرير الخبراء الفرنسيين حول أسباب وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 أي بعد ثماني سنوات على وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قدم خبراء من سويسرا وروسيا وفرنسا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة واستخرجوا عينات من رفاته على خلفية تقارير تتحدث عن وفاته مسموماً. عاد الخبراء بالرفات إلى مختبراتهم المتطورة علمياً وتكنولوجياً لفحصها وتسليم نتائج التحاليل للسلطة الفلسطينية ولجنة التحقيق المعنية بهذه القضية.
كان من المفترض أن يسلّم الخبراء الأوروبيون تقاريرهم بعد ثلاثة أشهر من أخذ العينات، إلا أن الأشهر الثلاثة امتدت لسنة ليخرج بعدها التقريران الروسي والسويسري مؤكدين "العثور على كميات كبيرة من مادة البولونيوم 210 في رفات الرئيس الراحل"، دون أن يؤكدا ما إذا كانت المادة المذكورة سبب الوفاة.
وسط هذا المشهد، ثمة حلقة مفقودة عنوانها الموقف الفرنسي. ولعلّ الغموض الذي يصل إلى حد الريبة في موقف باريس ليس وليد اللحظة بل أيضاً ليس وليد سنة مضت مع بدء فحص رفات عرفات. هو يعود إلى اللحظة التي قررت فيها فرنسا في عهد رئيسها جاك شيراك استقبال الزعيم الفلسطيني في مستشفى بيرسي العسكري والإشراف على علاجه من قبل طاقم من أطبائها. أطباء أصابهم الإرتباك مع وفاة عرفات، لجهلهم بأسباب الوفاة؟ أم لعلمهم بها؟ لا شيء مؤكداً.
ما هو مؤكد هو أن بلداً مثل الأردن تمكن في أيام قليلة من معرفة المادة السامة التي تعرّض لها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قبل أن يحصل الملك حسين على الترياق اللازم لمداواته من تل أبيب في عملية تبادل اطلقت خلالها عمان ثلاثة من العملاء الإسرائيليين، فيما بلد متطور مثل باريس لم تكفه ثمانية أعوام لتحديد ملابسات وفاة عرفات.
حقيقة تزيد في الغموض غموضاً، وفي الأسئلة سؤالاً هو التالي: لماذا "لم تتلق لجنة التحقيق في مقتل الرئيس ياسر عرفات أي ردّ من فرنسا لا سلباً ولا إيجاباً" كما أكد رئيسها توفيق الطيراوي في المؤتمر الصحفي الذي عقده في رام الله الجمعة.
آلان غريش الكاتب والصحافي في "لوموند ديبلوماتيك" التي كانت الصحيفة الأولى التي ألمحت إلى فرضية اغتيال عرفات بعد عام فقط من وفاته من خلال مقالة للصحافي الاسرائيلي أمنون كابليوك، قال في اتصال مع الميادين نت إن غموض الموقف الفرنسي في هذه القضية مرده "حذر باريس إزاء نتائج التحقيق الذي من المفترض أن يجيب ما إذا كانت مادة البولونيوم هي التي قتلت عرفات أم لا" وهو ما لم يجب عليه التقريران الروسي والسويسري.
إلا أن ما يحكم الموقف الفرنسي أيضاً حذر من نوع آخر. إنه "حذر سياسي منذ عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وحتى اليوم في اتخاذ أي مواقف ضد إسرائيل" بحسب غريش الذي لم يستبعد "صدور تصريح عن الخارجية الفرنسية أو مسؤولين فيها في ظل الأسئلة الكثيرة التي تطرح حول الموقف الفرنسي غير المفهوم" من هذه القضية.
وبانتظار جلاء الصورة فإن الدعوى التي رفعتها أرملة الرئيس الراحل سهى عرفات ضد مجهول أمام القضاء الفرنسي مستمرة. فهل تخضع هي الأخرى للمعايير نفسها التي حكمت تأخير وربما عدم صدور تقرير الخبراء حول أسباب وفاة أبو عمار؟