طرابلس: "الجولة الـ 17" تضع الدولة اللبنانية أمام تحدّ غير مسبوق

اشتباكات مدينة طرابلس تتواصل وتشي بالمزيد من التفاقم واضعة الدولة اللبنانية ومؤسساتها أمام تحد كبير، ومع ولوج جولة العنف الرقم 17 وارتفاع عدد القتلى إلى تسعة اعتبرت صحيفة "السفير" أنّ طرابلس تحوّلت إلى "صندوق بريد" و"ورقة تفاوض" بين الأطراف الإقليمية.

الجيش اللبناني يقرر فرض طوق أمنيّ على المحاور في مدينة طرابلس

غسان ريفي- صحيفة "السفير" اللبنانية: وضعت جولة العنف الرقم 17 في طرابلس الدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية أمام تحد كبير، خصوصا بعد أن انتهت كل المساعي السياسية إلى وضع أمن المدينة في عهدة الجيش اللبناني الواقع بين نار التحريض عليه والمحاولات المستمرة لتعطيل دوره.

وينتظر أبناء طرابلس، المحاصرون بالحديد والنار منذ مطلع الأسبوع، ترجمة فعلية للإجراءات العسكرية التي تقررت في اجتماع بعبدا (الذي ترأسه رئيس الجمهورية اللبنانية)، فإما أن تنجح الدولة في حماية المدينة وإعادة الأمن والاستقرار إليها، وإما أن تثبت عجزها الكامل وتخليها عن عاصمتها الثانية تمهيدا لإلحاقها بالمحاور الإقليمية، وعندها فإن الأمور قد تكون مرشحة لأسوأ الإحتمالات.

ويبدو واضحاً - بحسب "السفير" من خلال المعطيات التي ظهرت خلال الأيام الخمسة الماضية، أن القيادات السياسية والدينية والأمنية، ومعها عدد من مسؤولي المجموعات المسلحة، فقدوا القدرة على التحكّم بالمحاور الساخنة وبمجموعاتها، ما يؤكد أن ثمة إدارة خارجية للجولة الرقم 17 تخاض عبر وكلاء محليين، وأن الهدف منها هو تحويل طرابلس من صندوق بريد أو ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، إلى ورقة للتفاوض بين الأطراف الاقليمية المتنازعة عشية التسوية المنتظرة للمنطقة ككل.

وبناء على ذلك، فإن الجيش اللبناني بدأ بمعالجة الأمور ميدانياً مع المسلحين أنفسهم، من خلال الردّ العنيف على مصادر نيرانهم، والاشتباك معهم بضراوة على بعض المحاور، الأمر الذي قد يحوّل وجهة المعارك بين التبانة والقبة وجبل محسن، إلى مواجهات بين مجموعات مسلحة من الطرفين ووحدات الجيش.

وأضافت الصحيفة، إنّ ما يضاعف حال الفوضى الأمنية في طرابلس هو التنافس والتباين في المواقف بين مختلف المجموعات المسلحة حول شعار المعركة، والذي يتمثل ببيانات وبيانات مضادة توّزع باسم تلك المجموعات على مواقع التواصل الإجتماعي، والتي يعتبر بعضها أنّ المعركة هي ردّ على تفجيرات طرابلس الأخيرة التي اتهمت شعبة المعلومات شبكة من جبل محسن بتنفيذها، فيما ترى مجموعات أخرى أن المعركة لن تتوقف حتى يتمّ حلّ «الحزب العربي الديموقراطي» وتوقيف كل مسؤوليه وعلى رأسهم رفعت عيد، فيما يرى آخرون أن المعركة هي تحذير للنظام السوري من مغبة الإقدام على فتح معركة جبال القلمون في ريف دمشق.

وتعكس هذه التباينات أن لا هدف ولا شعار محددين لهذه المعركة سوى محاولة بعض الأطراف الخارجية تحقيق مكاسب إقليمية بدم فقراء طرابلس، خصوصا أن تباينات المجموعات المسلحة جاءت متضاربة مع كل المواقف السياسية التي صدرت عن قيادات طرابلس لجهة النأي بالمدينة عن الأحداث الجارية في سورية، وأن جريمة التفجيرين لا تشمل إلاّ صاحبها ولا يجوز أن تؤخذ طائفة أو منطقة بجريرتها، كما أن الحديث عن الرد على التفجيرات جاء متأخراً، فشعبة المعلومات أوقفت أحد أعضاء هذه الشبكة المدعو يوسف دياب قبل 15 يوماً، فلماذا لم تفتح المعركة منذ ذلك الوقت؟

وكشفت "السفير" إنّ هذه التباينات، التي وصلت الى حدود الاتهامات بين مسؤولي المجموعات، أدّت الى جرّ بعض مسؤولي المحاور الأساسية الى المشاركة في المعركة، وذلك من باب حفظ ماء الوجه، ورد الإتهامات عنهم والحفاظ على العناصر المسلحة المنضوية تحت إمرتهم والتي بدأت تتسرب إلى مجموعات أخرى.

كلّ ذلك يشير إلى أن الأزمة الأمنية في طرابلس مرشّحة للاستمرار، سواء ضمن هذه الجولة أو عبر جولات متلاحقة سريعة يمكن أن تليها، إذا لم يتمكّن الجيش من حسم الأمور وإيجاد المعالجات الناجعة للمواجهات المسلحة التي تفلتت من عقالها، فعاش الطرابلسيون ليلة غير مسبوقة من العنف أعادتهم في الذاكرة إلى معاناة حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، حيث استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة المتوسطة والثقيلة وقذائف الهاون التي خرجت عن الإطار المعتاد للخريطة العسكرية، لتصل إلى عمق المدينة التي لم ينم أهلها ليلتهم.

وقد أدت المواجهات الى مقتل أربعة اشخاص وإصابة نحو 15 شخصاً، ما أدى الى ارتفاع حصيلة الضحايا منذ بدء المعارك إلى تسعة قتلى وأكثر من 50 جريحاً.

وعلمت "السفير" أن الاجتماع الذي عقد برئاسة قائد العمليات العميد زياد الحمصي وبحضور قادة فوج المغاوير واللواء 12 وفوج التدخل الرابع، وضع عدة اقتراحات أدناها فرض طوق أمني على المحاور، وأعلاها سقف الحسم العسكري مع المسلحين.

وتقول هذه المعلومات إن الخيار وقع على الاقتراح الأول، حيث بدأت وحدات الجيش بنصب الحواجز عند مداخل كل المناطق الساخنة والمحاور بهدف تطويقها، وبدأت تعزز من انتشارها شيئا فشيئا ضمنها والقيام ببعض المداهمات، إضافة إلى البدء بتنفيذ القرار الحاسم بالردّ على مصادر النيران من أي جهة أتت وإطلاق النار على أي مسلّح في الشارع.

وتشير مصادر عسكرية الى أن بعض حواجز الجيش في التبانة تعرض لإطلاق نار، ما أدى إلى إصابة أحد العسكريين، وأن عناصر الحاجز ردوا على مصادر النيران وأصابوا أحد المسلحين.

اخترنا لك