أميركا الجديدة: تواضع أم جنون؟

يعتبر الزميل إبراهيم الأمين في صحيفة "الأخبار" اللبنانية إنّ أمام الولايات المتحدة اليوم خيارين. إمّا التصرف وفق منطق المغرور الذي لا يقبل رأياً آخر، فتحاول فيها حكم العالم من خلال جنونها. أو أن تتواضع قليلاً، وتقرّ إن مبدأ حصرية القيادة لم يعد صالحاً.

روسيا نتنقل جواباً إيرانياً مؤداه: إن أي رصاصة تعني انطلاق حرب شاملة

ابراهيم الأمين- صحيفة الأخبار اللبنانية: كلّ الكلام وكل التحليل لن يغيّر كثيراً في المشهد. الولايات المتحدة، الامبراطورية الحاكمة للعالم منذ عقود عدة، تتعرّض لأول اختبار حسّاس من بوابة الأزمة السورية. والجميع، من دون إستثناء، يعرف أنّ الأزمة القائمة اليوم، لم تعد ذات صلة حصراً بالوضع في سورية. وأن لا أميركا، ولا كلّ الغرب الاستعماري، ولا كل العرب من صنف النعاج، يهتمون لشيء إسمه حقوق الشعب السوري.
الاختبار الصعب الذي تمرّ به الولايات المتحدة لا يخصّ شخص رئيسها باراك اوباما. الأزمة هي أن مؤسسة القرار في الولايات المتحدة تعيش هذا الإختبار، من الإدارة السياسية إلى الجيش وأجهزة الاستخبارات إلى الديبلوماسية العامة والخاصة، وصولاً إلى المؤسسة الاقتصادية والمالية. كل هؤلاء يقفون اليوم أمام السؤال الأصعب: كيف نحافظ على مبدأ أن يد أميركا هي العليا؟
قد يصوّت الكونغرس لمصلحة ضربة اميركية لسورية، وقد لا يصوّت. لكن في كلتا الحالتين بدت الولايات المتحدة تعيش أسوأ لحظاتها. ذلك ان عدّة الشغل باتت واضحة. والسؤال أمام الكونغرس لن يكون مرتبطاً بأوراق يحملها جون كيري او تشاك هاغل إلى أعضائه. إنه مرتبط بتحمّل مسؤولية ما سينجم عن القرار. السؤال هو: هل يريد الكونغرس، الذي يمثل في هذه اللحظة صوت أميركا، ان يقول ان الدخول في المغامرة والحرب، يعني تحمّل نتائج المزيد من الحروب والمزيد من الخسائر، لأميركا مباشرة ولكل حلفائها؟ واذا ما قررّ الرفض عليه ان يضع استراتيجية جديدة لموقع أميركا القيادي في العالم.
تعرف ادارة اوباما، ويعرف الكونغرس، أن الأمور وصلت إلى النقطة الأخيرة في مسيرة الكلام والتهويل. لقد حاول وسطاء مساعدة أميركا ايصال عروض إلى روسيا وايران لإتاحة المجال أمام ضربة من دون ردّ ضد اهداف يخليها الجيش السوري، وتكون في مناطق بعيدة عن السكان، وحتى عن تجمعات العسكريين. لكن روسيا نقلت جواباً ايرانياً يعبّر عن رأيها ورأي سوريا وحزب الله: اي ضربة، اي صاروخ، اي رصاصة تعني انطلاقة اوسع حرب تشمل المنطقة كلها، وتستهدف الخطوط الحمراء الفعلية لاميركا، من اسرائيل الى النفط وسارقيه... إزاء ذلك ما الذي يمكن القيام به؟
الوقت المستقطع القائم حالياً بين الإعلان عن التوجه نحو ضربة وصدور التغطية النهائية من الكونغرس الاميركي تحوّلت إلى «خدمة الهية» للفريق الآخر. منذ اسبوع لم تهدأ محرّكات المحور المقابل. الآلاف من العاملين في الوحدات الاستراتيجية في ايران وسورية وحزب الله ينجزون بسرعة البرق كلّ متطلبات المعركة المفتوحة، لا حدود فيها للميدان، ومسرحها يمتد حيث تصل الصواريخ... والرجال ايضاً.
في محور المقاومة مناخ حرب فقط. ليس هناك رغبة جدية بحصول المواجهة. لكن القراءة السياسية لنفس الضربة ولأبعادها ونتائجها تحسم القرار: الجميع أمام خيارين: إمّا الذهاب نحو تسوية سياسية وفق موازين القوى القائمة، او الذهاب نحو حرب شاملة لا يعرف أحد كيف ستكون نتائجها.
في اوروبا يقدم رئيس فرنسا الديموقراطية والنووية ودولة العلم والحريات نموذجاً "حقيراً " من التبعية. لا يخجل رئيس فرنسا من القول انه ينتظر قرار الكونغرس الأميركي حتى يحدّد الخطوة التالية. يعلن بوقاحة تستفز خصوم فرنسا، فكيف بأهلها!، إن مصالح فرنسا باتت رهينة عند أعضاء الكونغرس الأميركي. ينتظر هولاند قرب شاشة التلفاز ليقرأ الخبر العاجل المنتظر من واشنطن حول قرار الكونغرس.
في لبنان كانت فرنسا، مثلاً، تحتج على زمن الوصاية السورية لجهة ان المسؤولين في بيروت يضطرون إلى انتظار هاتف من دمشق... اليوم فرنسا لا تنتظر الهاتف، مسموح لها فقط ان تتسمر امام شاشات التلفزة لتلقّي التعليمات.
أما أميركا فهي اليوم أمام خيارين. إمّا التصرف وفق منطق المغرور الذي لا يقبل رأياً آخر، ولا شريكاً، وتتجه صوب تجربة جديدة، تحاول فيها حكم العالم من خلال جنونها. أو أن تتواضع قليلاً وأن تقبل نتيجة سياستها خلال العقدين الماضيين. وإن مبدأ حصرية القيادة لم يعد صالحاً. وإن هناك شراكة حقيقية والزامية مع دول وادارات وشعوب اخرى في العالم.
إنها اميركا الجديدة التي عليها ان تختار بين التواضع والجنون...
اما نحن، فقدرنا المقاومة!.

اخترنا لك