ريبة غربية تاريخية من تقارب مصر والمشرق العربي

الميادين نت: كان مفاجئاً قرار رئيس الجمهورية المصري محمد مرسي قطع العلاقات مع سورية بعد أن طرح مشروع تشكيل لجنة رباعية بهدف إيجاد حل سلمي للنزاع في سورية، وفي وقت نقلت مصادر صحفية عنه مواقف معتدلة من سورية في الآونة الأخيرة.

الياس سحاب: مرسي قطع العلاقات مع سورية إرضاء لأميركا وتخوفا من تاريخ ٣٠ حزيران

الياس سحّاب - الكاتب والباحث السياسي اللبناني

يطرح موقف مرسي تساؤلات عن سبب الاقدام على هذه الخطوة التي سبقت انعقاد قمة الثماني في إيرلندا، وكذلك احتمال انعقاد قمة بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى استحقاق التحرك الذي تحضر له المعارضة المصرية نهاية الجاري مطالبة بتقصير ولاية مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقد تمكنت من جمع ما يقارب ١٥ مليون توقيع حتى الآن كتوصية لهذا الموقف.

وتعيد خطوة مرسي العلاقة المصرية السورية إلى الضوء في مسارها التاريخي. لم تكن العلاقة طارئة لكي تقطع بهذه السهولة. فما الذي حدا بمرسي للإقدام عليها؟ أسئلة واسئلة طرحها موقع "الميادين نت" على الكاتب والباحث السياسي الياس سحاب الذي لم يستغرب قرار مرسي قطع العلاقة مع سورية، قائلا: "هي خطوة ليست غريبة على مستوى نظام الحكم الذي نكبت به مصر بنجاح محمد مرسي لمنصب رئاسة الجمهورية المصرية. العلاقة المصرية - السورية هامة لدرجة أنها كانت هدفا أساسيا للمشروع الاستعماري لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وضرب العلاقة بين البلدين حتى قبل أن تكون هناك قناعة لليهود أنفسهم في إقامة دولة لهم في فلسطين. فنحن نعرف أن هذا المشروع ولد في الدوائر الاستعمارية قبل أن يولد في الدوائر اليهودية. اليهود تأخر اقتناعهم بمشروع إقامة دولة لهم حتى أواخر القرن التاسع عشر، بينما يعود التخطيط للمشروع إلى زمن هجمة محمد علي على الامبراطورية العثمانية في أربعينيات القرن التاسع عشر. منذ تلك الأيام كانت الدوائر الاستعمارية تنظر بعين الريبة إلى هذا التقارب بين مصر وسورية، وبقيت هذه النقطة نقطة مركزية وجوهرية في كل مشاريع الدوائر الاستعمارية الكبرى منذ أيام الاستعمار القديم حتى أيام بريطانيا وفرنسا، وصولا إلى أيام الاستعمار الجديد، أي هجمة النظام الأميركي بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. لكن نقطة التقارب بين مصر والمشرق العربي عموماً استمرت، وسورية هي المدخل لهذه العلاقة. ولذلك أرى أن بداية التدهور في العلاقة في العصر الحديث كانت مع النكسة التي لا أرى أنها حصلت عام ١٩٦٧، إنما عام ١٩٦١ في الانفصال بين مصر وسورية. هي عملية ضرب مصادر القوة في هذه الأمة أي وحدتها، وبالذات وحدة إقليم مصر مع المشرق العربي".

ما سبب الترابط بين مصر والمشرق العربي؟

"إنها المسألة التاريخية لاحتمالات وحدة العالم العربي، ويمكن أن نرصد النزوع نحو الوحدة بين الإقليمين من أيام الفراعنة حيث كانت الغزوات والتحركات العسكرية والاستراتيجية تسير في هذا الاتجاه. لقد تبلور الاتجاه نحو الوحدة أكثر ما تبلور زمن الفتح العربي، ثم في زمن صلاح الدين الأيوبي كمثال ناتئ تاريخيا، حيث مرت مرحلة استقرار الدولة الصليبية بسيطرة الافرنج على المنطقة العربية، واستطاع صلاح الدين أن يحرر القدس، ثم لاحقا تبلور الصراع زمن المماليك على يد الظاهر بيبرس. نجد العملية التاريخية عينها في حقب مختلفة، والتاريخ لا يكذب، ويكرر نفسه بأشكال مختلفة لكن الاتجاهات الاستراتيجية تكون واحدة عادة. هناك دائما اتجاه وحدوي بين مصر والمشرق العربي. لذلك عندما جاء محمد مرسي إلى الحكم في مصر، كانت عين المراقب مركزة على أشياء عديدة لكن من أهم هذه الأشياء: ماذا ستكون حال العلاقة بين مصر وسورية أيام نظام حكم "الأخوان المسلمين"؟ بدأ مرسي يعطي بعض الإشارات الإيجابية، فموقفه سابق لأسابيع أو أشهر من الأزمة السورية، وكان أكثر تعقلا واعتدالا، واقترح مشروع اللجنة الرباعية المشكلة من إيران والسعودية ومصر وتركيا، وفي المشروع وجهة نظر استراتيجية، وفيها تعقّل في معالجة الأزمة السورية، وبرأيي حصل انقلاب، واقترب كثيرا من الذين اعتبروا الخطوة تهورا، فهي خطوة خارجة عن السياق العادي. هناك ربط بينها وبين أزمة محمد مرسي الداخلية أمام ما سيحدث في الثلاثين من حزيران. هو مصاب بالرعب مما سيحدث في ذلك اليوم، حيث يرتقب أن يجري ما يشبه حركة تمرد عملت بداية على جمع تواقيع بلغت ما يزيد على ١٥ مليونا، وتتحضر لذروة التحرك الجماهيري، وسيكون التحرك بالملايين، لتقصير ولاية محمد مرسي الرئاسية، والانتقال إلى انتخابات رئاسية مبكرة. هذا الخوف هو المسيطر حاليا، وهو يسيّر خطوات "الأخوان المسلمين"، فهم ليس لديهم مشكلة إلا كيف يمكن أن يحافظوا على السلطة. وهم الآن أمام خيار: هل يستمرون أم لا يستمرون. هم مرعوبون ويخافون من أن تنقلب الأمور ضدهم، ويتوقعون أن حركة من هذا النوع هي التي بدأت ووصلت إلى حد إزاحة حسني مبارك، مع العلم أن مرسي ليس راسخا كما كان حسني مبارك".

محمد مرسي - الرئيس المصري

هل يأتي موقف مرسي في سياق التصعيد المطلوب اليوم من أجل المفاوضات في قمة الدول الثماني؟

"لا شك أن لذلك تأثير جوهري في موقف مرسي، وكله مرتبط بكيفية محافظة "الأخوان المسلمين" على السلطة. محمد مرسي له سنة في الحكم حتى الآن، فلم يظهر في لحظة ما في هذه السنة بأن هناك ما يهدد علاقات مصر الرسمية بإسرائيل. ومر على مرسي أكثر من موقف كان يمكن فيه أن يتخذ قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية، أو استدعاء السفير، أو بأي شكل من أشكال الاعتراض الدبلوماسي على إسرائيل. هذا دليل على أنه ينظر بعيدا إلى إرضاء الولايات المتحدة الأميركية، وهذا هو المحرك الأساسي في السياسة الخارجية المصرية، حتى نلاحظ أن هناك مسألة أخطر على مصر هي مسألة مياه النيل. وهذا يثبت أن خوف مرسي من فقدان رضى الولايات المتحدة هو الذي يحدد تحركاته حتى في هذه المسألة الأكثر حيوية لمصر. فما بالك بالأزمة السورية التي يلعب بها بما يرضي الولايات المتحدة، وحيث يشعر أين ترضى الولايات المتحدة أكثر، هو يكون".

دينامية الوحدة والانفصال بين مصر وسورية

الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر

في العصر الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، كان للعلاقة المصرية السورية طابع معين. كان هناك نزوع نحو الوحدة لكن كان الانفصال يقع من جديد؟ هناك دينامية الوحدة والانفصال. ما أسباب ذلك؟

"لم تكتف أميركا بإقامة دولة إسرائيل حاجزا. أولا أرادت أن تقيم حواجز أخرى مثل الأحلاف كحلف بغداد بهدف إدخال المشرق العربي بحلف خاضع وتابع لسياستها الاستعمارية الغربية بالكامل. والوحدة كانت ردا على هذه التوجهات الاستعمارية، ومن هنا جاءت ضربة الانفصال أيضا. كان الانفصال جزءا من هذا الحراك الاستعماري. وعندما قامت الوحدة بين مصر وسورية، قيل إنها فرضت على عبد الناصر فرضا، وأنا برأيي أن التوقيت فرض على عبد الناصر، وليس الاتجاه، فهو وحدوي. ولكن التوقيت ربما لم يكن يرضي حسابات جمال عبد الناصر في ذلك الوقت. كان هناك خطر ما يهدد سورية من المشاريع الاستعمارية التي عملت على ضرب الإسفين بين مصر من جهة، والمد القومي الذي تصاعد من مصر في ايام عبد الناصر في الخمسينيات، وحركة القومية العربية في المشرق العربي، التي هي حركة أصيلة حتى قبل ٢٣ يوليو (ثورة عبد الناصر)".

ما الفرق بين إعلانات الوحدة بين القطرين؟

"لم يحدث أن جرت وحدة فعلية إلا مرة واحدة سنة ١٩٦١، وكانت المشاريع الباقية كرتونية، ونوعاً من الألعاب السياسية. هناك وحدة واحدة فعلية أيام عبد الناصر انطلقت سنة ١٩٥٨، واستمرت ثلاث سنوات ونصف السنة في ظروف شديدة الصعوبة. عملية تراجع الوضع في المنطقة العربية في هذا الصراع مع المشاريع الاستعمارية الغربية بدأت من الانفصال، وتواصلت في حرب حزيران ١٩٦٧، واكتملت في رحيل عبد الناصر، وتولي أنور السادات معركة الرد على هزيمة ٦٧، فجاءت معركة العبور باتجاه سياسي معاكس ١٠٠٪ لمشاريع عبد الناصر القومية العربية الوحدوية. تنصل السادات من الوضع العربي، وتنصل من قضية فلسطين. استرجع السادات سيناء منقوصة السيادة الوطنية، ودون أن يأخذ أي شيء لصالح القضية الفلسطينية. تنصل كامل من القضية الفلسطينية، اكتمل بحرب اسرائيل على لبنان في العام ١٩٨٢. نلاحظ في التاريخ أن الاجتياح جرى بعد أيام قليلة من انسحاب اسرائيل من سيناء. إنها عملية تكامل واضحة بالمشاريع المعادية. ارتاحت اسرائيل على الجبهة المصرية، فتفرغت للجبهات الأخرى. واضحة عملية الحراك الاستراتيجي في المنطقة. لذلك تأتي خطوة محمد مرسي حاليا كعملية تبعية رخيصة للإرادة الاستعمارية الغربية حتى أنه يمكن القول انهم (ألأميركان) لم يطلبوا منه قطع العلاقة مع سورية، وربما لم يكونوا يريدون منه أن يصل إلى هذا الحد. لكن هناك مبالغة في الموقف لإرضاء الامبراطورية العظمى. فهو توغل في طلب الرضى إلى حدود أبعد مما هو مطلوب منه".

 

الياس سحّاب في بضعة سطور

هو كاتب صحفي جمع بين الكتابة السياسية، والكتابة والنشاط الفنيين في الموسيقى.

مـــواليـــد 1937، يحمل دبلوم معهد الآداب الشرقية (جامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين - بيروت) - 1958. ودراسات في العلوم السياسية (كلية الحقوق - جامعة القديس يوسف) - 1960.

هو حاليا كاتب مقالات سياسية أسبوعية في جريدتي "السفير" (بيروت)، و"الخليج" (الإمارات)، ومقالين موسيقيين شهريا لجريدة الخليج.

بدأ حياته المهنية في مجلة "الحوادث" كسكرتير تحرير ابتداء من سنة ١٩٦١، وكتب في مختلف الصحف اللبنانية والعربية ككاتب ومحلل سياسي، ولا يزال يمارس الصحافة حتى اليوم دون انقطاع.

عمله الفني ليس أقل أهمية واتساعا من عمله الصحفي، كتابة ومساهمة في المؤتمرات والجمعيات الموسيقة العربية. وله أبحاث حول الموسيقى الشرقية، وكبار الفنانين الموسيقيين العرب.

الياس سحاب

اخترنا لك