أوهام القوة الجوية للمسلحين في سوريا... هل تبددت؟

من الحروب الدائرة في سوريا هي حرب المطارات، منها ما سيطرت عليه الجماعات المسلحة ومنها ما استعاده الجيش السوري. استيلاء داعش على طائرات حربية والإقلاع بها ومن ثم تدميرها من قبل الجيش السوري قضى على ذريعة "منطقة الحظر الجوي" في الشمال والشمال الشرقي، ولكن يبقى احتمال حدوث مفاجآت في هذا الإطار قائماً في أي وقت.

الطيران الحربي يلعب دوراً رئيسياً في الحرب الدائرة في سوريا
كان للطيران الحربى و مازال دور أساسي على أرض الحرب المشتعلة منذ أكثر من 3 سنوات في سوريا. قبل هذه الحرب كانت المعلومات المتوافرة عن أسراب القوة الجوية السورية ومطاراتها قليلة جدا لكن و مع مرور سنوات الحرب باتت الصورة عنها شبه كاملة. كان من أبرز أسباب انبلاج ستار السرّية هذا هو سيطرة قوات المعارضة السورية على مطارات عسكرية عدة. ثم بدأت بعد ذلك تردد تحليلات حول امتلاك قوات المعارضة السورية لمقاتلات استطاعت تجهيزها والإقلاع بها وما يشكّله هذا من "قفزة نوعية" لأداء المعارضة السورية. للبحث أكثر في هذه النقطة لا بد من العودة إلى بدايات العام 2013 حين بدأت قوات المعارضة المسلحة في السيطرة على مطارات عسكرية سورية.

مطارات عسكرية سورية تحت سيطرة المسلحين

كان التدشين الرسمى لمرحلة "استهداف المطارات السورية" في شهر أغسطس / آب عام 2012 حين تمكنت فصائل تابعة للجيش الحر وعلى رأسها الجبهة الإسلامية في السيطرة لفترة وجيزة على أجزاء من مطار "أبو الظهور" العسكري في أدلب . هذه السيطرة المؤقتة لم تمكن القوات المهاجمة سوى من السيطرة على بعض الذخائر وإلحاق أضرار بثلاث طائرات من نوع "ميج 23" قبل ان تنسحب جراء الهجوم المعاكس الذى شنّه الجيش السورى بعد ساعات و تمكن من إعادة السيطرة على المطار . بطبيعة الحال لم تتمكن قوات الجيش الحر من الاستفادة بأي من الطائرات المتواجدة في المطار الذي يحتوي على ثلاثة أسراب "السرب 678 ميج 23" وسربين من نوع أل 39 الباتروس" .

تلا ذلك سيطرة قوات تابعة "للجيش الحر" على مطار "مرج السلطان" للمروحيات العسكرية في ريف دمشق في نوفمبر / تشرين الثانى عام 2012 بعد فترة من حصاره. هذا المطار كان يحتوي على سربين من المروحيات العسكرية من نوع "أم آي 8"  و "أم آي 17" تم نقل أغلبها إلى مطارات أخرى ولم تتمكن القوات المهاجمة من الاستفادة من الطائرات المتبقية في المطار نظراً لتضررها الشديد من القصف الذي نفذته قوات المعارضة على المطار خلال فترة حصاره. وفي مطلع عام 2013 تمكنت قوات مشتركة تابعة "للجيش الحر" على رأسها "أحرار الشام – جبهة النصرة – الطليعة الإسلامية" من السيطرة على مطار "تفتناز" للمروحيات العسكرية في ريف أدلب و الذي كان يحتوي أيضا على سربي مروحيات عسكرية من نوع "أم آي 8" و "أم آي 17" و "وأم آي 25" تضرر بعض المتبقي منها في المطار لحظة اقتحامه نتيجة لغارات سلاح الجو السوري على المطار والبعض الأخر لم تتمكن القوة المهاجمة من الاستفادة منه.

مسلحون يسيطرون على مطار الطبقة العسكري

تحالفات المسلحين في حروب المطارات

مسلحون يسيطرون على مطار الجرّاح
كان التطور الأهم في هذه الخطة في فبراير / شباط عام 2012 حين تمكن تشكيل مكوّن من "الجبهة الإسلامية" و "أحرار الشام" و "جيش الإسلام" من السيطرة على مطار "الجراح" العسكري شرقي حلب ويعتبر المطار الأهم الذي استطاعت قوات "الجيش الحر" السيطرة عليه نظرا لأنه المطار الأول الذي استطاعت قوات المعارضة السيطرة فيه على طائرات بحالة فنية تصلح للطيران وهي ما بين 4 الى 6 طائرات بحالة جيدة من ضمن نحو 15 طائرة تابعة للسرب الذى كان متمركزا في هذا المطار من طائرات التدريب من نوع "ال 39 الباتروس". ظل هذا المطار تحت إدارة وسيطرة "جيش الإسلام" وجرت محاولات لتنفيذ طلعات جوية سنتناولها لاحقا وظلت هذه المحاولات مستمرة إلى ان سيطرت قوات تابعة لداعش على المطار أوائل عام 2014.

وفي أبريل / نيسان عام 2013 تمكن أحد فصائل "الجيش الحر" ويسمى "كتائب الفاروق" من السيطرة على مطار "الضبعة" العسكرى في ريف حمص لمدة شهرين  تقريبا قبل ان يستعيده الجيش السوري مرة أخرى. كان هذا المطار يضم سرب مقاتلات من نوع "ميج 21" النسخة "بى أس" و التي تعتبر النسخة الأحدث المتوافرة من الميج 21 في القوات الجوية السورية. كان من بينها حوالى 6 طائرات صالحة للعمل تدمرت بفعل معارك استعادة المطار من قبل الجيش السورى ولم تتح المدة القصيرة التى سيطرت فيها كتائب الفاروق على المطار الفرصة للاستفادة من هذه الطائرات. تلا ذلك اقتحام مجموعة من فصائل "الجيش الحر" مدعومة بعناصر من "جيش المجاهدين والأنصار" و"داعش" لمطار "منغ" الخاص بالمروحيات العسكرية في حلب. كان يجثم في المطار لحظة الاقتحام نحو 13 مروحية تابعة لسرب التدريب الجوي الرابع وأغلبها لم يحلق منذ فترة طويلة.

مطار منغ آخر الاقتحامات

كان اقتحام مطار "منغ" هو آخر الاقتحامات التى نفذتها فصائل "الجيش الحر" ضد المطارات السورية ولم ينجح أي من هذه الفصائل من تنفيذ أي اقتحامات جديدة بالرغم من هجماته المتتالية على مطارات "دير الزور" و"كويرس" و"النيرب" ليصبح مجموع ما تسيطر عليه من مطارات الآن هو ثلاثة مطارات "منغ ومرج السلطان وتفتناز" بالإضافة إلى مطارين يسيطر عليهما داعش هما "الطبقة والجراح". و على المستوى الاستراتيجى تعتبر المطارات الموجودة في قبضة "الجيش الحر" غير ذات قيمة ميدانية اللهم منع الجيش السورى من استخدامها في عملياته العسكرية في حين أن المطارين اللذين يسيطر عليهما تنظيم داعش يتمتعان بأهمية أكبر نظرا لاحتوائهما على طائرات صالحة للطيران.

فمطار "الجراح" قبل استيلاء تنظيم "الدولة الإسلامية" عليه جرت فيه محاولة من قبل احدى التنظيمات التى كانت قد سيطرت عليه وهو تنظيم "جيش الإسلام" لتجهيز طائرات للإقلاع من داخل المطار وبث في حينها شريطا مصورا ظهرت فيه طائرتان من نوع "ال 39 الباتروس" تتحركان على ممر الإقلاع الرئيسى في المطار بعد تغيير التمويه الخاص بهما. لم يظهر في هذا الشريط حينها أي إقلاع لهذه الطائرات وظهرت الطائرتان من دون أي تسليح بل وحتى من دون الرشاش من عيار 30 ملم الذي تكون مزودة به عادة، وهو ما فسره البعض حينها على أنه مجرد "شريط دعائي" لا يحمل أية قيمة عسكرية أو أى تطور نوعي. وبطبيعة الحال بعد سيطرة تنظيم داعش على هذا المطار سيطر أيضا على هذه الطائرات و ظهرت صورة لمقاتلى التنظيم بجانب احدى هذه الطائرات داخل المطار.

أما في ما يتعلق بمطار "الطبقة" العسكري في مدينة الرقة فهو موطن السرب الثاني عشر لمقاتلات "ميج 21" من النسخ "أم أف – يو أم " و كان فيه لحظة الاقتحام ما بين 10 إلى 15 طائرة كلها خارج الخدمة باستثناء أربع، ثلاث منها كانت تحت الصيانة وإعادة التأهيل وطائرة واحدة كانت في حالة جيدة للطيران وقد ظهرت في فيديو تم تصويره قبل سقوط المطار بأيام.

أل 39 - ألباتروس

طائرات مطار الجرّاح الثلاث

الطائرات التي استولى عليها داعش ودمرها الجيش السوري
ما سبق كان عرضا لما هو موجود بالفعل في حوزة الفصائل المسلحة في سوريا من مطارات وطائرات. تنظيم داعش كان قد أعلن أيضاً أن ثلاث طائرات تابعة له استطاعت الإقلاع من مطار "الجراح" والتحليق لمدة دقائق ثم الهبوط مرة أخرى في طلعة "تجريبية". هذا الحدث اعتبره البعض مجرد خبر دعائي يراد منه تضخيم إمكانيات التنظيم. جاءت تصريحات وزير الإعلام السورى لتؤكد هذا الحدث وتفيد بأن الجيش السورى دمر طائرتين من الطائرات الثلاث. وبغض النظر عما اذا كان الفنيون والطيارون هم من المنشقين عن صفوف القوة الجوية السورية أو أنهم عراقيون سبق لهم التعامل مع مثل هذه الأنواع من الطائرات، إلا أن الوقائع تشير الى أن الطائرات التي قامت بالتحليق هي نفسها الطائرات التي كان "جيش الإسلام" قد أظهرها في شريطه المصور سالف الذكر.

ميدانيا لا يمكن أن تمثل هذه الطائرات أية خطورة على الطيران الحربي السوري أو الطيران الحربى للتحالف الدولي العربي لكنها في الوقت نفسه تشكل عاملا مهما في اتجاهين: الأول هو إمكانية استخدامها في عمليات جوية "انتحارية" على أهداف حيوية سواء في سوريا أو في تركيا، والاتجاه الثاني هو حقيقة أن وجود أدنى نشاط جوي لتنظيم داعش يشكل ذريعة جاهزة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة لبدء الحديث مجددا عن منطقة "حظر طيران" تعتبر فعلياً موجودة في الشمال والشمال الشرقي السوري بحكم عمليات طائرات التحالف فيها. هذه الذريعة تم إجهاضها مؤقتا بفعل التحرك السوري السريع لتدمير الطائرتين، لكن يبقى احتمال حدوث مفاجآت في هذا الصدد قائماً في أي وقت.

اخترنا لك