الشعارات الانتخابية التونسية طرافة وغرابة وإسقاط لحاجات الناخب الفعلية
تتنوع الشعارات الانتخابية في تونس وتتسع مروحتها لتشمل أصنافاً قد لا تخطر في البال إلى درجة أن البعض قد يجد فيها طرافة، ويعزو البعض ذلك إلى ضعف التجربة السياسية في بلاد لا تزال فيها الديمقراطية طرية العود.
لو قُيّض لسائق سيارة الأجرة الذي أقلنا من المدينة العتيقة في تونس إلى منطقة "مونبليزير" أن يرفع شعاره الخاص في الإنتخابات التشريعية، لكان إختار "صفر ثقة".
هذا ما كرّره أمامنا مختارا اللغة الفرنسية للتعبير عن نقمته. هذه اللغة التي لا تزال تطبع حديث التونسيين الذين كانوا يحتفلون في ذاك اليوم _ 15 تشرين الأول، أوكتوبر_ بعيد جلاء أخر جندي فرنسي عن أرضهم عام 1963.
خلّف المستعمر لغته التي لا يزال يلجأ إليها التونسيون كلما خانتهم اللغة العربية في التعبير عن أفكارهم أمام محدثيهم من غير التونسيين.
وخلف الرئيس السابق زين العابدين بن علي النظام البوليسي الذي لا يزال يتحكم بالمفاصل الأساسية في البلاد، وفق الشعارات التي رفعت في صباح اليوم عينه في تجمع في جادة الحبيب بورقيبة يعترض على اساليب التعذيب في السجون التونسية.
جملة مفارقات طبعت هذا النهار تختزل المشهد التونسي في مواجهة استحقاق الإنتخابات النيابية الذي دخل مرحلة العد العكسي.
فورة شعارات تغطي مساحة الوطن التونسي. إنها العزة بعد الفاقة إذا صح القول. وهي نتاج بديهي لحرية التعبير التي عمت البلاد بعد أعوام طويلة من القمع والترهيب.
ولكن رغم ذلك لا يمنح سائق التاكسي ثقته لأي طرف بل يعتبر أن شعاره "صفر ثقة" أكثر جاذبية من كل الشعارات الأخرى ولا بد من ان يحشد تحت رايته الكثير من المواطنين، لأنه صادق. لا بل هو، بحسب رأيه، أصدق من كل الشعارات الاخرى ومن يقف خلفها.
هذا ما كرّره أمامنا مختارا اللغة الفرنسية للتعبير عن نقمته. هذه اللغة التي لا تزال تطبع حديث التونسيين الذين كانوا يحتفلون في ذاك اليوم _ 15 تشرين الأول، أوكتوبر_ بعيد جلاء أخر جندي فرنسي عن أرضهم عام 1963.
خلّف المستعمر لغته التي لا يزال يلجأ إليها التونسيون كلما خانتهم اللغة العربية في التعبير عن أفكارهم أمام محدثيهم من غير التونسيين.
وخلف الرئيس السابق زين العابدين بن علي النظام البوليسي الذي لا يزال يتحكم بالمفاصل الأساسية في البلاد، وفق الشعارات التي رفعت في صباح اليوم عينه في تجمع في جادة الحبيب بورقيبة يعترض على اساليب التعذيب في السجون التونسية.
جملة مفارقات طبعت هذا النهار تختزل المشهد التونسي في مواجهة استحقاق الإنتخابات النيابية الذي دخل مرحلة العد العكسي.
فورة شعارات تغطي مساحة الوطن التونسي. إنها العزة بعد الفاقة إذا صح القول. وهي نتاج بديهي لحرية التعبير التي عمت البلاد بعد أعوام طويلة من القمع والترهيب.
ولكن رغم ذلك لا يمنح سائق التاكسي ثقته لأي طرف بل يعتبر أن شعاره "صفر ثقة" أكثر جاذبية من كل الشعارات الأخرى ولا بد من ان يحشد تحت رايته الكثير من المواطنين، لأنه صادق. لا بل هو، بحسب رأيه، أصدق من كل الشعارات الاخرى ومن يقف خلفها.
"الشعارات نفذت من الأسواق التونسية"
في منطقة "مونبليزير"، مركز لـ"حركة النهضة"، لا يمكن لقاصده ان يتوه عنه، بسبب اللافتة الكبيرة التي رفعت على طول المبنى وحملت شعار الحركة وهو "حرية. عدالة . تنمية".
نسأل أحد الذين نلتقيهم في محيط المبنى عن رأيه في الشعارات الإنتخابية عموما. هو أيضا غير معجب بها، لا بل لا يعني أي منها شيئا له. "لقد جربناهم طوال الأعوام الثلاثة الماضية، لم يفعلوا شيئاً للبلاد، فلماذا سأصدق الشعارات التي يرفعونها. انها مجرد شعارات".
يلتفت ناحية المبنى ويدل بإصبعه إلى اللافتة الخاصة بحركة النهضة ويقول" انها حركة نكبة، وليست نهضة. هكذا بتنا نسميها هنا في تونس. يرفعون شعار التنمية، ونحن لم نعرف في عهدهم سوى التقهقر".
الشعارات في واد وحاجات المواطنين وتطلعاتهم في واد آخر. هذا ما يؤكده صاحب محل للمنتجات الجلدية التي تشتهر فيها تونس في المدينة العتيقة.
تنحصر كل الشعارات في الحديث عن الأمن ومكافحة الإرهاب والتعبير عن حب ّتونس والسعي لخدمتها. ففي حين ترفع "حركة النهضة" شعار "محبة تونس موش كلام" يتبنى الحزب الجمهوري شعار" تونس في عينينا" ويؤكد حزب التكتل أن "للتوانسة الكل مش كان للبعض". كلام لا يغني ولا يُسمن يقول الشاب الذي حسم خياره في المشاركة في الإنتخابات المقبلة بورقة بيضاء.
اللافت في تونس أن الشعار لا يرتكز على الكلام والتعابير الرنانة فحسب، بل ثمة اهتمام خاص تُوليه الأحزاب إلى العلامة أو الرسم.
انه بهذا المعنى ترجمة فعلية لتعريف الشعار في القاموس. وقد ورد في "الصحّاح في اللغة" ان "شعار القوم في الحرب، علامتهم ليعرف بعضهم بعض".
ولما كانت الأحزاب التي تتنافس في ما بينها على جذب الناخب التونسي ليدلي بصوته لمصلحتها قد تجاوزت الـ 170 حزبا، فقد نفذت الشعارات من الأسواق التونسية. ليس في هذا الكلام اية مبالغة، وفق ما يؤكد لنا المرشح المستقل ناصر تليلي الذي أشار إلى أنه حين قرر الترشح إلى الإنتخابات التشريعية عن مقعد المغترب التونسي، وجد أن كل الشعارات قد استهلكت. لكن الحظّ أسعفه، إذّ وجد أن السفينة الفينيقية لا تزال فارغة فأبحر على متنها لعلها توصله الى الندوة البرلمانية.
لعل "الشح" في الشعارات هو الذي دفع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، مرشّح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، إلى أن يستخدم شعار حزب "تونس بيتنا" عينه، وهو "ننتصر أو ننتصر"، ما أثار حفيظة الحزب الذي قرر رفع دعوى ضده بتهمة سرقة الشعار. في أي حال، يشعر المراقب للشعارات الانتخابية في تونس انه في حضرة فرق كشفية تستعد للإحتفال الكبير بإنتهاء الموسم الكشفي لفصل الصيف. إذ يجد فيها كل أنواع الحيوانات والطيور مثل الدجاجة لحزب "صوت الفلاحين" والنسر لقائمة "الشعب يريد" والأسد لقائمة "صوت اللجان الثورية".
لأدوات النقل أيضا حصتها، اذ هناك الدرجة لـ "التيار الديمقراطي". والمقصود من اختيار هذا الشعار ليس الدلالة على الهاجس البيئي لدى التيار، بل السعي لإطلاق العجلة الإقتصادية. وهناك أيضا المقص للـ "الحزب التونسي" للاقتصاص من الفساد والمفسدين، والنظارات لـ " حزب المؤتمر من أجل الجمهورية".
تتنوع الشعارات وتتسع مروحتها لتشمل أصنافا قد لا تخطر في البال ومنها الخضار والفواكه مثلا. واذا كان غصن الزيتون شعارا تقليديا للدلالة على السلام قد نصادفه في أية دولة في العالم، فإن الأصناف التي حضرت في الإنتخابات التونسية تكتسب صفة الحصرية، اذ شملت القوائم الإنتخابية على سبيل المثال لا الحصر الفلفل للقائمة المستقلة " الخضراء أمنا" والإجاص لقائمة "الحزب الإسلامي التونسي" والرمان لقائمة "الأرض الطيبة".قد يرى البعض طرافة في الشعارات الإنتخابية التونسية، ويعتبر البعض الآخر أن إختيارها ناتج من ضعف التجربة السياسية في بلاد لا تزال فيها الديمقراطية طرية العود. ولكن الأكيد أن شعار "صفر ثقة" الذي رفعه سائق التاكسي ناتج من تجربة حسيّة معاشة تحتاج الى الكثير من العمل لمحو أثره. فمن سيلتقط الإشارة؟
نسأل أحد الذين نلتقيهم في محيط المبنى عن رأيه في الشعارات الإنتخابية عموما. هو أيضا غير معجب بها، لا بل لا يعني أي منها شيئا له. "لقد جربناهم طوال الأعوام الثلاثة الماضية، لم يفعلوا شيئاً للبلاد، فلماذا سأصدق الشعارات التي يرفعونها. انها مجرد شعارات".
يلتفت ناحية المبنى ويدل بإصبعه إلى اللافتة الخاصة بحركة النهضة ويقول" انها حركة نكبة، وليست نهضة. هكذا بتنا نسميها هنا في تونس. يرفعون شعار التنمية، ونحن لم نعرف في عهدهم سوى التقهقر".
الشعارات في واد وحاجات المواطنين وتطلعاتهم في واد آخر. هذا ما يؤكده صاحب محل للمنتجات الجلدية التي تشتهر فيها تونس في المدينة العتيقة.
تنحصر كل الشعارات في الحديث عن الأمن ومكافحة الإرهاب والتعبير عن حب ّتونس والسعي لخدمتها. ففي حين ترفع "حركة النهضة" شعار "محبة تونس موش كلام" يتبنى الحزب الجمهوري شعار" تونس في عينينا" ويؤكد حزب التكتل أن "للتوانسة الكل مش كان للبعض". كلام لا يغني ولا يُسمن يقول الشاب الذي حسم خياره في المشاركة في الإنتخابات المقبلة بورقة بيضاء.
اللافت في تونس أن الشعار لا يرتكز على الكلام والتعابير الرنانة فحسب، بل ثمة اهتمام خاص تُوليه الأحزاب إلى العلامة أو الرسم.
انه بهذا المعنى ترجمة فعلية لتعريف الشعار في القاموس. وقد ورد في "الصحّاح في اللغة" ان "شعار القوم في الحرب، علامتهم ليعرف بعضهم بعض".
ولما كانت الأحزاب التي تتنافس في ما بينها على جذب الناخب التونسي ليدلي بصوته لمصلحتها قد تجاوزت الـ 170 حزبا، فقد نفذت الشعارات من الأسواق التونسية. ليس في هذا الكلام اية مبالغة، وفق ما يؤكد لنا المرشح المستقل ناصر تليلي الذي أشار إلى أنه حين قرر الترشح إلى الإنتخابات التشريعية عن مقعد المغترب التونسي، وجد أن كل الشعارات قد استهلكت. لكن الحظّ أسعفه، إذّ وجد أن السفينة الفينيقية لا تزال فارغة فأبحر على متنها لعلها توصله الى الندوة البرلمانية.
لعل "الشح" في الشعارات هو الذي دفع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، مرشّح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، إلى أن يستخدم شعار حزب "تونس بيتنا" عينه، وهو "ننتصر أو ننتصر"، ما أثار حفيظة الحزب الذي قرر رفع دعوى ضده بتهمة سرقة الشعار. في أي حال، يشعر المراقب للشعارات الانتخابية في تونس انه في حضرة فرق كشفية تستعد للإحتفال الكبير بإنتهاء الموسم الكشفي لفصل الصيف. إذ يجد فيها كل أنواع الحيوانات والطيور مثل الدجاجة لحزب "صوت الفلاحين" والنسر لقائمة "الشعب يريد" والأسد لقائمة "صوت اللجان الثورية".
لأدوات النقل أيضا حصتها، اذ هناك الدرجة لـ "التيار الديمقراطي". والمقصود من اختيار هذا الشعار ليس الدلالة على الهاجس البيئي لدى التيار، بل السعي لإطلاق العجلة الإقتصادية. وهناك أيضا المقص للـ "الحزب التونسي" للاقتصاص من الفساد والمفسدين، والنظارات لـ " حزب المؤتمر من أجل الجمهورية".
تتنوع الشعارات وتتسع مروحتها لتشمل أصنافا قد لا تخطر في البال ومنها الخضار والفواكه مثلا. واذا كان غصن الزيتون شعارا تقليديا للدلالة على السلام قد نصادفه في أية دولة في العالم، فإن الأصناف التي حضرت في الإنتخابات التونسية تكتسب صفة الحصرية، اذ شملت القوائم الإنتخابية على سبيل المثال لا الحصر الفلفل للقائمة المستقلة " الخضراء أمنا" والإجاص لقائمة "الحزب الإسلامي التونسي" والرمان لقائمة "الأرض الطيبة".قد يرى البعض طرافة في الشعارات الإنتخابية التونسية، ويعتبر البعض الآخر أن إختيارها ناتج من ضعف التجربة السياسية في بلاد لا تزال فيها الديمقراطية طرية العود. ولكن الأكيد أن شعار "صفر ثقة" الذي رفعه سائق التاكسي ناتج من تجربة حسيّة معاشة تحتاج الى الكثير من العمل لمحو أثره. فمن سيلتقط الإشارة؟