الداخلية التونسية تكشف تفاصيل مخططات إرهابية وكيفية وصول الأسلحة إلى الإرهابيين
صحيفة "الشرق الأوسط" تنقل عن المتحدث بإسم وزارة الداخلية التونسي محمد علي العروي إحباط مجموعة من المخططات الإرهابية كانت تستهدف إحدى الشخصيات السياسية.
وقال العروي إن تلك المجموعات الإرهابية كانت تستهدف بالأساس العملية الانتخابية، وترمي إلى خلط الأوراق وإدخال البلاد في مرحلة سياسية عصيبة قد تكون لها تأثيراتها المباشرة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تنطلق نهاية هذا الشهر والشهر المقبل.
وكشف في مؤتمر صحافي، عقده أمس في العاصمة التونسية، عن أن وحدات الاستعلامات والاستخبارات والفرقة الوطنية للأبحاث في الجرائم الإرهابية، هي التي تابعت عبر تحرياتها المكثفة طريقة تمويل الخلايا الإرهابية لوجيستيا، وخصوصا الخلايا المرابطة في جبال الكاف والشعانبي (شمال وسط غربي تونس). وأضاف أن أسلوب التعامل والتمويل بين المجموعات الإرهابية المتحصنة في الغابات يجري عبر حافظ بن حسين شقيق زعيم تنظيم أنصار الشريعة المحظور الذي هو على علاقة مباشرة مع «أبو عياض». وقال إنه كان على علاقة وطيدة بالمتهم أحمد العكرمي المكلف إعانة أرامل وعائلات الإرهابيين المعتقلين في السجون التونسية وتمويل المخططات الإرهابية.
وأشار العروي إلى أن حسن بريك، المتحدث السابق باسم تنظيم أنصار الشريعة المحظور، هو الذي يشرف على تحركات كل من حياة الخزري ومالك البرقوقي وميلاد البرقوقي، وهو الذي يقدم الإعانات المختلفة لأنصار التنظيم عبر التحويلات المالية البنكية والبريدية.
وبشأن الخلية الإرهابية التي كانت تعد لتفخيخ سيارة من نوع (فيات) بإيعاز من المتهم خالد الشايب الملقب بـ«لقمان أبو صخر» قائد كتيبة عقبة بن نافع المتحصنة بجبال الشعانبي، فقد أكد العروي أنها تتركب من كل من فاطمة الزواغي، وحسام الدين الشاذلي الطرابلسي الملقب بـ«أبو الفداء»، وسيف الدين الشاذلي الطرابلسي الملقب بـ«أبو العبادلة».
وكان أحمد نجيب الشابي، القيادي في «الحزب الجمهوري»، أشار عبر برنامج تلفزي بث مساء الأحد الماضي إلى نجاته من عملية اغتيال وصفها بـ«المروعة» باستعمال سيارة مفخخة. وقال إن قوات الأمن أوصته بمزيد منالاحتياط والحذر وتدعيم الإجراءات الأمنية المتوافرة له منذ أكثر من سنة.
وكشفت الأبحاث عن أن فاطمة الزواغي هي المشرفة على التنسيق مع بقية الخلايا الإرهابية النائمة أو الناشطة المحتضنة لأفكار العناصر الإرهابية. وأشار إلى أن الزواغي كانت على علاقة مباشرة مع «لقمان أبو صخر»، وأفادت في اعترافاتها بأنه هو الذي خطط معظم العمليات الإرهابية وهو الذي أشرف على تمويلها. وتتمركز هذه الخلية في منطقة الكرم الواقعة في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية.
وبين العروي أن المتهم عفيف العموري هو الذي يشرف على الجناح الإعلامي لتنظيم أنصار الشريعة الإرهابي بالاعتماد على تحركات فاطمة الزواغي الطالبة في كلية الطب بالعاصمة التونسية. وقال إن الجناح الإعلامي كان يهدف إلى استقطاب الشبان والتغرير بهم للالتحاق بالخلايا الإرهابية وتوفير الدعم المالي ونشر الأخبار الزائفة وتوثيق العمليات الإرهابية وتلميع صورة الإرهابيين.
في السياق ذاته، تمكنت الوحدات الأمنية التابعة لإقليم الأمن بالكاف (160 كلم شمال غربي تونس) من توقيف مروان بن إبراهيم البوغانمي القيادي في تنظيم أنصار الشريعة المحظور والمصنف بالإرهابي الخطير، وذلك أثناء التحضير لنقل شحنات من الأسلحة إلى العناصر الإرهابية المتحصنة بجبال الكاف والشعانبي في القصرين. ووفق ما ذكره محمد علي العروي المتحدث باسم وزارة الداخلية خلال المؤتمر الصحافي، فإن المتهم تستر وراء التجارة المتنقلة وتمكن من إدخال بعض التحويرات على سيارته لتهريب السلاح والتموين اللوجيستي للخلايا الإرهابية في جبال الكاف والشعانبي.
من جهته، أكد أعلية العلاني، الباحث التونسي المتخصص بالجماعات الإسلامية، أن «عدد التونسيين الذين يقاتلون في سوريا والعراق يناهز الـ3 آلاف مقاتل، ويمثلون العدد الأهم من بين المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، 80% منهم في صفوف (داعش)».
وبين العلاني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحاق أغلب التونسيين بصفوف (داعش) يعود في جانب منه إلى الإغراءات المالية وللإمكانات المادية واللوجيستية الضخمة التي توجد تحت تصرف (داعش) مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى في سوريا»، مضيفا أن «المقاتلين التونسيين الذين بقوا في (جبهة النصرة) أو في باقي التنظيمات الجهادية السورية الأخرى يعدون قلة قليلة، وذلك حتى قبل أن تسيطر (داعش) على الموصل وعلى أراض أخرى في العراق».
وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية قدرت في عددها يوم أمس أن يكون عدد التونسيين المقاتلين في صفوف «داعش» هو الأكبر بين الجنسيات الأخرى المنضوية في التنظيم، وأشارت إلى أن وجهات سفر هؤلاء معروفة، حيث إنها من مطار تونس إلى إسطنبول أو بالبر عبر مخيمات التدريب الليبية.
وفسر أعلية العلاني ظاهرة التحاق أعداد كبيرة من الشباب التونسي للقتال في سوريا بعدة أسباب محلية داخلية وعالمية، وخاصة بسبب «غياب استراتيجية في التعامل مع ظاهرة التشدد الديني، وبوجود فراغ برزت معه مجموعات جهادية متشددة، استثمرت الأوضاع الاجتماعية والحياتية الصعبة للكثير من الشبان التونسيين والقيام بعملية غسل أدمغة لهم»، وأشار العلاني إلى «ضعف التأطير للظاهرة الدينية في تونس بعد سقوط النظام السابق في 14 يناير (كانون الثاني) 2011 والفشل في الإحاطة بالكثير من الشبان التونسيين الذين تلقفتهم مجموعات متشددة دينيا، قامت فيما بعد ذلك بترحيل عدد منهم نحو سوريا، مستثمرة ظروفهم الاجتماعية والحياتية الصعبة»، مبينا أن «أغلبية هؤلاء ينحدرون من عائلات إمكاناتها المالية بسيطة أو معدمة»، مضيفا أن «عددا من هؤلاء ناقمون على أوضاعهم، وبعضهم من خريجي الجامعات العليا الذين لم يجدوا عملا سنوات طويلة بعد تخرجهم»، مبينا «وجود استثناءات لشبان تونسيين من أوساط مرفهة نسبيا وحتى ثرية، سافروا بدورهم إلى سوريا للقتال لأسباب آيديولوجية حسب اعتقادهم».
وقال العلاني، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «وضعية المساجد، وخاصة تلك التي ظلت فترات طويلة زمن حكم الترويكا خارجة عن سيطرة الدولة، ساهمت بشكل كبير في عملية غسل الأدمغة التي تعرض لها عدد من الشباب التونسي الذين سافروا إلى سوريا»، مضيفا أن «بعض المساجد فرخت الكثير من الخلايا المتشددة التي قامت بترحيل الكثير من هؤلاء الشبان»، وأنه «لا تزال تجري إلى اليوم محاولات لاستمالة شبان تونسيين وترحيلهم إلى سوريا»، مستشهدا بـ«تواصل توقيف السلطات التونسية خلايا وأشخاصا متورطين في عمليات ترحيل شبان تونسيين للقتال في سوريا».
وحول أفضل طريقة في التعامل مع الجهاديين التونسيين في صورة عودتهم إلى تونس، قال علية العلاني لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك جانبا أمنيا وجانبا تأهيليا في التعامل مع هذه المسألة»، مضيفا أنه «مطروح على تونس اليوم القيام بحوار وطني شامل وعميق حول ظاهرة التشدد الديني وتأطير الشباب وحمايتهم من محاولات التغرير بهم وغسل أدمغتهم.. حوار تشارك فيه كل الجهات الدينية والأكاديمية والأمنية وكل قوى المجتمع المدني التونسي للوقوف على أسباب هذه الظاهرة ومحاولة إيجاد أفضل الحلول لها».
وتجدر الإشارة إلى أن مسألة سفر الشبان التونسيين للقتال في سوريا تحولت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى قضية رأي عام بالغة الحساسية وأصبحت تشغل بال الشارع التونسي عموما والعائلات التونسية التي سافر أحد أبنائها إلى القتال في سوريا على وجه الخصوص، خاصة عند ورود أنباء عن مقتل أحد هؤلاء الشبان في المعارك الدائرة هناك. وقد عابت الكثير من الجهات خاصة على الحكومات السابقة «عدم بذل الجهود اللازمة لمنع سفر الشبان التونسيين والتهاون مع الجماعات والأشخاص التي تستخدم المساجد لاستقطاب الشباب التونسي وتسفيرهم إلى سوريا».
أما الحكومة الحالية، فقد أعلنت أكثر من مرة اتخاذ إجراءات للتصدي لسفر الشبان التونسيين إلى سوريا للقتال، وتحقيق نتائج ملموسة في هذا الصدد. وفي هذا الإطار، كان لطفي بن جدو، وزير الداخلية التونسي، كشف في تصريحات صحافية عن أن «وزارة الداخلية منعت ما بين 8700 و8800 تونسي من السفر إلى سوريا».