هل قلتم اعتراف بريطاني بفلسطين؟
الإعلام العربي يبالغ في اعتراف مجلس العموم البريطاني بالدولة الفلسطينية، وبريطانيا تريد من هذه الخطوة تلميع صورتها بعد العدوان الأخير على غزة، واستبعاد شبح العمليات الإرهابية باسترضاء مليون مسلم على أراضيها في ما هي منخرطة في تحالف دولي ضد "داعش".
الرسالة الإسرائيلية لم تضف أي جديد. اللازمة نفسها في كل مرة. تتعمد الحديث بلغة المظلومية. تضع الفلسطينيين في موقع المعتدي.
على أي حال. بيت القصيد ليس هنا. بل في ما قاله السفير البريطاني لدى إسرائيل ماثيو غولد بأن "قرار مجلس العموم بهذه الأغلبية يوضح تغيراً في توجهات الرأي العام في بلاده ضد إسرائيل بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة، التي قتل فيها أكثر من 2100 فلسطيني أغلبهم من المدنيين، و70 إسرائيلياً أغلبهم من الجنود".
يعكس هذا التصريح في ما تعتزم لندن القيام به. تبييض وجهها بعد موقفها المخزي من العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. هذا التوجه البريطاني يشير إليه رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" الكاتب عبد الباري عطوان في حديث مع الميادين نت.
يقول إن عملية تصويت مجلس العموم البريطاني بأغلبية 274 صوتاً لصالح الاعتراف بدولة فلسطين يمكن وضعها في إطار محدد، هو أن الحكومة البريطانية في شخص رئيسها ديفيد كاميرون اتخذت موقفاً سلبياً جداً أثناء الحرب على غزة، وهذا الموقف خلق حالة من الإحباط في أوساط الرأي العام البريطاني أو لدى قطاع عريض منه.
جرت المبالغة في أهمية التصويت. لم يهتم به إلا الإعلام العربي. الإعلام البريطاني لم يتوقف عنده، ومقاعد مجلس العموم كانت شبه خالية أثناء المناقشة. ويمكن القول إن الإهتمام الإعلامي العربي بالموضوع يخلو من كثير من الموضوعية. إذ من المستبعد أن لا تكون وسائل الإعلام العربية على يقين بأن الغرب لا يعطي إلا بشروط. وأن ما حصل لن يكون له أي قيمة عملية. وهناك مؤشر واضح على هذا الأمر ومنذ البداية، أي من البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء البريطاني والذي شدد فيه أن "التصويت لا يلزم الحكومة ولن تأخذ به".
يقول الكاتب عبد الباري عطوان إن "الحكومة البريطانية لن تأخذ بهذا التصويت إلا إذا اجبرت على ذلك. بريطانيا ليست جمعية خيرية. أذا لم نلزمهم نحن فإنهم لن يعطونا شيئاً بالمجان". من هنا، يمكن تفسير البند الأول في أجندة بريطانيا. تجميل وجه الحكومة البريطانية في الدول العربية، وفي أوساط الفلسطينيين تحديداً، حيث أن لا شيء يأتي بطريقة عبثية في بريطانيا والدول الأوروبية.
ويبدو أن إيحاءً ما صدر للنواب المساندين لفلسطين في مجلس العموم، ليتقدموا بهذه الخطوة والآن على وجه التحديد. لماذا؟ "لأن بريطانيا أرسلت طائرات لقتال "داعش"، وهم في نهاية الأمر سواء اتفقنا معهم أم اختلفنا، مسلمون. ولذلك فإنهم عمدوا من خلال الاعتراف بفلسطين في هذه اللحظة، إلى تحييد حوالى مليون مسلم في بريطانيا عن القيام بأعمال إرهابية"، وهذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبة للندن، وفق عطوان.
الغرب وفلسطين: إعتراف مؤجل ريثما تنتهي حروبه
يذّكر عطوان العرب أنه عند تدخّل أميركا في الكويت لإخراج قوات صدام حسين قال جورج بوش الأب إنه سيقيم دولة فلسطينية بعد ذلك. أما جورج بوش الإبن فقد قال الكلام نفسه في العام 2003 قبل احتلال العراق، ثم انقضت ولايته الأولى ثم الثانية ولم يفعل شيئاً.
"الغرب يستخدم الورقة الفلسطينية كلما أراد خوض حرب في الشرق الأوسط"، يوضح رئيس تحرير "الرأي اليوم". عندما كان الغرب ملزماً بتقديم حلول معقولة، "قدم وعد بلفور الذي أعطى في العام 1917 حقاً للفلسطينيين بوطن قومي جنباً الى جنب مع اليهود. لكن لم يطبق هذا القرار لأننا لم نعرف كيف ندافع عن هذا الحق حينها. نحن لسنا بحاجة لقرارات جديدة. قرارات التقسيم عام 1947 أكدت أيضاً حق الفلسطينيين وقيام الدولة. هذا كله تكرار. هذا طحن ماء".
ويمكن الخلوص مما تقدم إلى أنه لا يمكن البناء على هذا التصويت الذي تم تعديله "بما يتناسب مع سياسة الحكومة البريطانية، حيث أن الإعتراف يأتي بعد حل الدولتين وليس الآن، ولهذا حصل على 274 صوتاً".
يقول عطوان إن على العرب ألا يغرقوا في الاحلام. فبريطانيا لم تفرض عقوبات على إسرائيل ولم تذهب بها إلى محكمة الجنايات الدولية، على خلفية جرائم الحرب التي إرتكبتها. كما أن أخذ اليسار البريطاني على عاتقه التوجه بهكذا مشروع لا يعني أن اليسار بات يتحكم بالسياسة الخارجية لبلاده.
"حزب العمال البريطاني خارج الحكم وما فعله قد يكون يعبر عن منطلقاته، لكن يجب عدم المبالغة في هذا القرار"، في إشارة إلى أن اليسار البريطاني يعمل وفقاً لمصالح بلده. ولذلك فإنه من غير المتوقع أن يحصل أي خلاف بين بريطانيا وأميركا أو أن تتخذ لندن موقفاً لصالح الفلسطينيين في مجلس الأمن، "وفي وقت قريب نذكر كيف أن بريطانيا امتنعت عن التصويت على الطلب المقدم من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للهيئة الأممية من أجل الاعتراف بدولة فلسطين"، يقول عطوان.
وعليه، لا يمكن وضع اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية في نفس سياق اعتراف مجلس العموم البريطاني، ففي السويد الحكومة هي التي اتخذت القرار، كما أن السويد "لا تتعاطى مع ملفات المنطقة بنفس منطق بريطانيا، هي بلد غير استعماري وبعيد عن الدخول في صراعات المنطقة. هي دولة حيادية اتخذت قراراً أخلاقياً".
تبقى خطوة مجلس العموم البريطاني في سياقها. لا شيء بالمجان. لندن تريد تببيض صفحتها من دون أن تخسر شيئاً. وتريد تحييد مليون مسلم على أراضيها وهي في قلب المعركة الدولية ضد تنظيم "داعش"، وما عداها لهو بلهو، حيث أن "الأشياء الصغيرة تسعد العقول الصغيرة"، يختم عطوان.