بين واشنطن وموسكو... حرب جاسوسية لم تنته

تساؤلات كثيرة حول توقيت الكشف عن الجاسوس الأميركي الذي كان يعمل بغطاء دبلوماسي في روسيا في وقت تحاول فيه موسكو وواشنطن إيجاد قواسم مشتركة لتسوية القضايا الخلافية بينهما.

الحرب الجاسوسية بين القطبين الشرقي والغربي نشطت كثيراً في الحرب الباردة

قضية الجاسوس الأميركي رايان فوغل الذي فضحه جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أعادت إلى الذاكرة الحروب الجاسوسية التي كانت مألوفة بين القطبين الشرقي والغربي في زمن الحرب الباردة ولو أن موسكو وواشنطن لم تكفا عن التجسس إحداهما على الأخرى. ولعله من الحريّ هنا أن نذكر بآخر حادثة من هذا النوع وقعت قبل عدة أشهر عندما أعلنت السلطات الأميركية عن كشف شبكة تعمل في مجال تهريب أسرار التكنولوجيا المتطورة إلى روسيا.

ومع ذلك فإن توقيت الكشف عن الجاسوس الأميركي الذي كان يعمل بغطاء دبلوماسي في روسيا يثير تساؤلات لا سيما أن البلدين يحاولان في الآونة الأخيرة إيجاد قواسم مشتركة لتسوية قضايا خلافية لعل أكثرها تعقيداً الأزمة السورية. فما هي حيثيات الحادثة وهل ستلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين لا سيما في ترجمة الإتفاق الروسي الأميركي حول سورية الذي تمّ التوصل إليه مؤخراً، على أرض الواقع؟

الحديث عن الشراكة بين موسكو وواشنطن ما انفك يتكرر منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. وبعد مجيء بوريس يلتسن إلى سدّة الحكم في البلاد آمنت موسكو بأن علاقاتها مع واشنطن سترقى إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية. بيد أن الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض فسروا تلك الشراكة بانصياع الروس إلى ما يطلبه الغرب منهم. وبالرغم من الدفء بين البلدين استمر النشاط التجسسي المتبادل.   

وبعد تسلم فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في روسيا إبان ولاية بوش الإبن الأولى سجّلت أكبر واقعة في الحرب الجاسوسية بين البلدين، حيث تبادلت موسكو وواشنطن طرد عشرات الدبلوماسيين بتهم مزاولتهم لأنشطة تجسسية. وظلت العلاقات الروسية الأميركية فاترة حتى إعلان إعادة تشغيلها بعد انتخاب باراك أوباما. 

ويرى ميخائيل لوبيموف، رجل مخابرات سوفييتي سابق، "أن العلاقات الروسية الأميركية تبقى دون المستوى المطلوب" مستبعداً "التصعيد من قبل إدارتي بوتين وأوباما على خلفية حادثة التجسس الأخيرة".

إلا أن ثمة من يعتقد في الولايات المتحدة نفسها أن الإدارات الأميركية المتعاقبة بغض النظر عمن يحكم البيت الأبيض تحتفظ دائماً بأوراق يمكن استخدامها للتصعيد مع الكرملين.  

ويقول برايان بيكر، ناشط أميركي من أجل السلام، "إن الولايات المتحدة تسعى على الدوام إلى إضعاف روسيا بشتى الوسائل سواء من خلال النشاط التجسسي أو دعم منظمات المجتمع المدني في روسيا أو تجنيد مواطنين روس للعمل ضد بلادهم".

أما الرواية التي تقول إن موسكو تعمدت اختيار التوقيت للقبض على رايان فوغل فلا تلقى ما يدعمها بالحجج. وفي هذا الإطار يستبعد فلاديمير سوتنيكوف كبير الباحثين في مركز دراسات الأمن الدولي، "أن يكون تزامن فضح الجاسوس الأميركي مع النقاش حول سورية مقصوداً" لافتاً إلى "ان بعض الخبراء الغربيين يرون في ذلك محاولة روسية للضغط على واشنطن لكني أرى أن المخابرات الروسية انتهزت الفرصة للإنقضاض على الدبلوماسي الأميركي".

القصص الجاسوسية الموروثة عن حقبات سابقة تتحدث في أحيان كثيرة عن مآرب سياسية وراء كل عملية تجسس سواء فضحت أم لا، لكن لكل مرحلة ظروفاً خاصة بها.

ويمكن القول إن الروس قرروا عدم تضخيم فضيحة الجاسوس الأميركي الذي كان يعمل تحت غطاء دبلوماسي في سفارة بلاده في موسكو هذه المرة، للحؤول على ما يبدو دون تعقيد أجندة العلاقات الثنائية، المعقدة أساساً.  

اخترنا لك