ذكرى النكبة من داخل المعتقلات: حكاية أسير محرر
الأسير الفلسطيني المحرر رجائي الكركي يروي لموقع "الميادين. نت"، كيف كان يحيي الأسرى الفلسطينيون في سجون الإحتلال ذكرى النكبة.

إعتُقل مرتين، وكحال الكثير من الفلسطينيين الذين لا يشفع لهم صغر سنهم، اعتقله الاحتلال أول مرة وكان لا يزال في السادسة عشر من عمره.
رجائي الكركي إبن مدينة الخليل بالضفة الغربية، اعتقل آنذاك بتهمة الانتماء لـحركة المقاومة الإسلامية حماس في العام 1994 "جماعة إرهابية" (بحسب قاموس الاحتلال الإسرائيلي)، قبل الافراج عنه في العام 1996.
لم ينقض وقت طويل حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000، فكان رجائي في عداد المنتفضين. شارك بتنفيذ عملية ضد قوات الاحتلال في منطقة الخليل، وكانت هذه العملية بحسب رجائي "أولى العمليات التي تنفذها كتائب عز الدين القسام خلال انتفاضة الاقصى في منطقة الخليل".
العملية التي أسفرت عن مقتل جنديين اسرائيليين وجرح آخرين، كانت سبباً في اعتقال رجائي مرة أخرى ولمدة 11 عاماً لم تنته إلا بعملية تبادل، واشتراط الاحتلال ابعاد رجائي من الضفة إلى غزة، بعدما كانت المحكمة الاسرائيلية قد حكمت عليه بالسجن لـــ 99 عاماً.
في الذكرى الـــ 65 للنكبة الفلسطينية كان لنا لقاء مع رجائي، أخذنا خلاله إلى سنوات اعتقاله ليسترجع بعضاً من ظروف الاعتقال وكيف كان مع زملائه الأسرى يحيون ذكرى النكبة من داخل السجون؟
يروي الأسير الفلسطيني المحرر رجائي الكركي لــــ"الميادين. نت"، بعضاً مما تختزنه ذاكرته حول هذا الموضوع فيقول "إن حياتي وحياة الأسرى في سجون الاحتلال كانت ولا تزال جزء من معاناة الشعب الفلسطيني، لكننا كنا نواجه هذا الوضع بأن نعزز من تضامننا"، ويتابع "كنا عند ذكرى النكبة من كل سنة نلقي كلمات ونوزع بيانات تذكير داخلية، نجدد فيها العهد للوطن والشعب".
ورغم محاولات السجان الاسرائيلي التضييق على المعتقلين، كعادته، ومحاولة إفشاله احياء هذه الذكرى عبر منعه التجمعات داخل الغرف، الا أن الاسرى كانوا يستغلون فترة الزيارات الصباحية ومدتها ساعة، حتى يبلغ بعضهم الآخر ببرنامج احياء ذكرى النكبة، والمكان والزمان حيث يتعين على الأسرى أن يتواجدوا بأكبر عدد ممكن.
"كان الأخوة المشرفون على إحياء الذكرى يخبروننا بضرورة التجمع في غرفة معينة بعد وقت محدد، وحين كنا نجد أن التجمع بعدد كبير داخل غرفة واحدة أمر صعب جداً، كنا نتوزع على عدد من الغرف" يقول رجائي متذكراً ثم يردف، " وحين يتعذر التجمع داخل الغرف كنا نستغل خروجنا إلى باحة السجن، حيث يخرج منا خطيب عند صلاة الجمعة يتحدث عن النكبة".
كان إحياء ذكرى النكبة يتم من خلال الندوات، و"كان جزء كبير من الاسرى يلقي الشعر ويقرأ الكتب التي تتحدث عن فلسطين ماضياً وحاضراً"، يقول رجائي.
ليس المعتقل فحسب هو الذي كان يُشعر رجائي الكركي ورفاقه بأن الذي هم فيه حاصل نكبة ألمّت بفلسطين منذ العام 1948. كانت النكبة تلوح أمامهم كعجوز قميئة تجيد الصراخ. كان السجان يوزع أعلام إسرائيل داخل المعتقل، فيما رجائي ورفاقه داخل زنازينهم يسمعون أصوات الإحتفالات بذكرى "قيام دولة إسرائيل" في العام 1948. كأن النكبة تستند إلى جدار المعتقل وتصيح من خارجه "أنا هنا".
يكمل رجائي لــــــ"الميادين.نت" قائلاً إنه "مهما كانت الظروف يبقى الأسرى ضعفاء من الناحية المادية، فامكانياتهم وقدراتهم محدودة. وكان إحياء الاحتلال لذكرى قيام دولته المزعومة يضايقنا نفسياً بشكل كبير. كنا نعيش ذكرى نكبة أليمة، وخارج نوافذ السجن كنا نسمع أصوات الاحتفالات".
لا يمر وقت دون أن يدخل السجان الإسرائيلي والأسير الفلسطيني في نقاش حول من هو صاحب الأرض، من هو صاحب الحق. نقاش ليس من الصعب تخيل كيف سينتهي، ومن سيدخل في صمت مطبق قبل تلعثمه، السجان أم الأسير.
كثيراً ما دخل رجائي في نقاش كهذا مع سجانه الذي كان ينسحب مرتبكاً وهو يقول بصلافة مصطنعة "أسكت، أسكت، أنا بنسحب من هادا النقاش".
خرج رجائي من المعتقل. أصبح يحيي ذكرى النكبة خارج المعتقل. يقول إن لهذه الذكرى خارج السجن طعم آخر، لكنها رغم كل شيء تبقى نكبة، وتظل جرحاً نازفاً، متمنياً "ان يلتئم هذا الجرح عمّا قريب"، خاصة وأن "هناك عوامل تبشر بعودة الحق الى اصحابه، من تحسّن حال المقاومة في غزة حيث ازدادت قوة عما كانت عليه في السنوات السابقة اضافة الى "الربيع العربي" الذي غير أموراً كثيرة".