أوباما وفانتازيا مواجهة داعش حتى إشعار آخر

العامل السياسي يطغى على تصريحات الرئيس أوباما الذي "اضطر" لتعديل سياسة ادارته بشأن داعش في أعقاب مقتل الصحافي جيمس فولي وجز عنقه على أيدي الدولة الإسلامية وذهب آخرون إلى "عدم اكتراثه بخطورة تنظيم الدولة الاسلامية على الداخل الأميركي".

العامل السياسي يطغى على تصريحات أوباما الذي اضطر لتعديل سياسة ادارته بشأن داعش
 إقرار الرئيس أوباما بخطورة "الدولة الاسلامية" وما تشكله من تهديد لمصالح الولايات المتحدة ينطوي على البعد السياسي يرافقه عامل الخطر الفعلي، على الرغم من تصريحاته السابقة المغايرة لذلك. واتى اقراره ثمرة لجملة تصريحات تحذيرية لمسؤولين حاليين وسابقين في الحكومة الاميركية، كان اخرهم المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، مايكل مويل، اذ قال يتوفر "لدى قيادة وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزيري الخارجية والدفاع، كل الأدلة بأن داعش يمثل خطراً على الولايات المتحدة على وجه الخصوص، لأن المجموعة قد جذبت اهتمام الكثير من الغربيين للانضمام إلى صفوفها". كما جاء اقرار أوباما ترجمة حية لتوقعات المراقبين بانه سيتخذ قراره النهائي لتوسيع ساحة الحرب ضد قوات داعش نهاية الاسبوع الجاري، بعد طول تردد وتحذير الساسة والاجهزة الأمنية من "عدم توفر معلومات استخبارية دقيقة عن الاهداف المحتملة، والخشية من تفعيل سورية لدفاعاتها الجوية، فضلا عن احتمال توفر اسلحة مضادة للطائرات بين ايدي داعش". وعليه، العامل السياسي يطغى على تصريحات الرئيس أوباما الذي "اضطر" لتعديل سياسة ادارته بشأن داعش في اعقاب مقتل الصحافي جيمس فولي وجز عنقه على ايدي الدولة الاسلامية. أوباما ادان عملية القتل من مقر اجازته السنوية، ومضى يستأنف ممارسة لعبة "الغولف" المفضلة لديه. وحصد اثر ذلك سلسلة انتقادات شديدة تتهمه بعدم المبالاة وتقليص مهام منصب الرئاسة، وذهب آخرون الى "عدم اكتراثه بخطورة تنظيم الدولة الاسلامية على الداخل الاميركي،" وخاصة في ظل تصاعد تصريحات مسؤولين عسكريين وسياسيين، آخرهم كان حاكم ولاية تكساس، ريك بيري، الذي اطلق صيحة تحذير بأن "اعضاء داعش رسوا على الاراضي الاميركية عبر الحدود المشتركة مع المكسيك".  

قلق على الداخل الأميركي

أعربت وزارة الأمن الداخلي عن قلقها من الجاذبية التي تشكلها المجموعات المسلحة في سورية بالنسبة للمسلمين الاميركيين
في خطابه الاخير، رد أوباما على خصومه الداخليين بأن بلاده "لا تمتلك استراتيجية" واضحة المعالم بشأن داعش، داعيا الى بلورة تحالف دولي واقليمي "لتوفير الدعم الجوي المطلوب" في ملاحقة داعش – كلمة السر لشد الرحال الى الاراضي السورية. ما يعزز هذه الفرضية "الصراع الجاري داخل اوساط الادارة المختلفة بغية التوصل الى تعليل قانوني يخول الولايات المتحدة وحلفاءها شن غارات جوية داخل اراضي دولة لم تفصح حكومتها عن موافقتها للقيام بذلك". جدير بالذكر ان الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس تخوله شن عمليات عسكرية على امتداد 90 يوما دون الحاجة للتوجه الى الكونغرس طمعا في اصطفافه خلف تلك السياسة. بل اوضح أوباما في هذا الشأن انه "من السابق لاوانه طرح خطة عسكرية امام الكونغرس اذ انها غير موجودة".
يتضح من تصريح الرئيس أوباما الاخير انه ينوي السير بحذر شديد من مغبة التهور او الانزلاق الى مغامرة عسكرية تتدحرج وتنمو، والتركيز على ما يمثله داعش من خطورة على الوضع الدولي، والتخفيف بالمقابل من خطورته على الداخل الاميركي، الأمر الذي يعكس حالة التخبط كما جاء في تصريحات قادة الاجهزة الأمنية الداخلية وتقييمها لطبيعة المخاطر.      للدلالة على حالة التخبط المشار اليها نورد ما جاء على لسان مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي، يوم الجمعة 22آب الجاري، بأن كليهما لا تتوفر لديه معلومات محددة او موثقة من تهديدات ارهابية لداعش ضد الاراضي الاميركية. بالتزامن مع تلك التصريحات صدر ارشاد عن الاجهزة الأمنية موجه لقوى الأمن واجهزة الشرطة الداخلية يعرب فيه عن "قلق المسؤولين الأميركيين من امكانية لجوء مؤيدي داعش إلى شن هجمات في مناطق اخرى من العالم دون سابق انذار". الاجهزة الامنية المختلفة رفعت درجة تأهبها ولاحقت منذ زمن الجاليات والتجمعات الاسلامية داخل الاراضي الاميركية، واعربت وزارة الأمن الداخلي عن قلقها من "الجاذبية التي تشكلها المجموعات المسلحة في سورية بالنسبة للمسلمين الاميركيين،" والذي جاءت ترجمته فعليا على ضوء مقتل مسلم اميركي الجنسية من اتباع داعش في سورية، دوغلاس ماكين، وتوارد انباء عن مقتل اميركي آخر هناك. يذكر ان بضع مئات من الاميركيين يشاركون المسلحين في سورية ويخشى عودتهم لبلادهم لمزاولة نشاطاتهم ضد الولايات المتحدة. 

داعش: لغز وهاجس

تعرض الرئيس أوباما الى سلسلة انتقادات جراء استخفافه بتهديد داعش لاميركا سابقا بتوصيفه للتنظيم مقارنة بالقاعدة بأنه مجموعة لاعبين هواة، وتنبيه البعض ان العدد الاكبر من مؤيدي التيارات الدينية المتطرفة لا زالوا يقيمون في الاراضي الاميركية. وقالت وزارة الخارجية انه ليس بوسعها تحديد دقيق لعدد الاميركيين الذين انخرطوا في القتال مع داعش، لكنها استطاعت التعرف على 12 منهم. ما تبقى من الارقام يقع ضمن باب التخمين والذهاب لتقدير اعداد المنتسبين بالمئات، نظرا "لقدرة الاستخبارات الاميركية المحدودة داخل سورية".
      جدير بالذكر انه بالاضافة الى اعداد المنتسبين من الاميركيين لصفوف داعش هناك فريق آخر ينضوي تحت لواء "جبهة النصرة؛" واشارت شبكة (سي بي اس) للتلفزة الاميركية ان عددا غير معروف من الاميركيين انضم ايضا للقتال في صفوف "الجيش السوري الحر؛" لم تشأ وزارة الخارجية الاقرار باعدادهم الحقيقية، بينما تتنامى مشاعر القلق لدى الاجهزة الأمنية الاخرى لتتبع تحركات مناصري الدولة الاسلامية، الذين "يشكلون مصدر التهديد الاكبر؛" وقدرت اعدادهم بنحو 7،000 عنصر اجنبي يقاتلون في سورية بالاضافة الى نحو 400 عنصر حامل لجواز السفر الاميركي يؤيدون التنظيمات المسلحة في سورية.      واوضح مسؤول اميركي لصحيفة "واشنطن تايمز" ان الولايات المتحدة "تدرك وجود بضع مئات من حملة جواز السفر الاميركي منخرطون في صفوف الدولة الاسلامية في سورية او العراق؛ ومن العسير التثبت من بقائهم في سورية ام انتقالهم الى العراق".  

صورة أشد سوداوية

مسؤولون اميركيون عدة انضموا لحملة التهويل من مخاطر شن داعش هجمات في الداخل الاميركي
أوساط وزارة الدفاع رسمت صورة اشد سوداوية للمخاطر التي تشكلها "المجموعات الارهابية وما تمثله من مستويات لم نعهدها من قبل". يذكر ان شابا اميركيا بلغ من العمر 22 عاما، من سكان ولاية فلوريدا، نفذ عملية انتحارية في سورية في شهر أيار من هذا العام؛ ووجهت تهمة التآمر الشهر الماضي لامرأة اميركية من ولاية كولورادو بعد عرضها مساعدتها "لمنظمة ارهابية اجنبية في اعقاب اعتراف ادلت به لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنها كانت تنوي التوجه لسورية لمقابلة رجل ادعى انه محارب في صفوف داعش". كما ترصد السلطات الأمنية وسائط التواصل الاجتماعي، بمختلف تنوعاتها، وتتبع ما ينشر عليها من ادبيات تفيد بتواجد عناصر داعش في مدن اميركية مثل شيكاغو ولاس فيغاس. وتيقظت الاجهزة تلك الى المظاهرات الحاشدة التي شهدتها مؤخرا مدينة فيرغسون بولاية ميزوري، والتي رفع فيها احدهم شعار "داعش هنا".
      اوضح وزير العدل الاميركي، اريك هولدر، المخاطر امام مؤتمر دولي في النرويج الشهر الماضي ان الأمر ينطوي على "ازمة عالمية بحاجة الى حلول دولية. اذ حولت الازمة السورية المنطقة الى مهد للتطرف العنفي". وأنب المجتمع الدولي على مهادنته لاولئك "وليس بوسعه الركون جانبا وترك الظاهرة تستشري وتصبح وجهة لتدريب مواطنينا يعودون في اعقاب ذلك لشن هجماتهم ضدنا".      مسؤولون اميركيون عدة انضموا لحملة التهويل من مخاطر شن داعش هجمات في الداخل الاميركي، اذ حذر عضو لجنة القوات المسلحة الجمهوري في مجلس الشيوخ، جيم اينوفي، الادارة الاميركية والاجهزة الأمنية المتعددة من "سعي داعش الحثيث لتطوير قدرته ويظفر بتفجير مدينة اميركية باكملها". واضاف ان الولايات المتحدة "اضحت في وضع اشد خطورة اليوم عليه عما عهدناه في السابق؛" محملا المسؤولية لتوجهات الادارة في تقليص ميزانيات وزارة الدفاع.  

مبالغات لاعتبارات محلية

التهويل من تواجد داعش داخل الاراضي الاميركية ربما فيه بعض المبالغ
الناطق باسم البنتاغون، الادميرال جون كيربي، اوضح ايضا خطورة تنظيم داعش، بالتوازي مع تصريحات وزير الدفاع تشاك هيغل. وقال كيربي لشبكة (سي ان ان) للتلفزة "هناك خشية حقيقية من استيعاب اولئك (داعش) دروس ما تدربوا عليه .. والعودة للبلاد وشن هجمات ارهابية".
      في سياقٍ موازٍ، اوضح عدد من جنود القوات الخاصة الاميركية والذين شاركوا في العدوان الاميركي على العراق ان الهوية الاسلامية المتشددة لداعش لن تقف حائلا او عائقا امامه لعقد تحالفات مع قوى لا تشاطره عقيدته المتطرفة طمعا في تعزيز فعاليته القتالية. وزعم احد عناصر وحدة "القبعات الخضر" في القوات الخاصة ان داعش يسخر الاموال التي استولى عليها من البنوك والمصارف لاستقطاب كفاءات تقنية من خارج صفوفه خاصة اطقم الصيانة والخاصة باعادة تأهيل المعدات العسكرية التي استولى عليها من القوات العراقية والسورية. واضاف ان "داعش" اصبح محطة يقصدها ضباط سابقون في الجيش الوطني العراقي، منهم من كان عضو في حزب البعث الحاكم، مما وفر لداعش مهارة عسكرية معتبرة.      التهويل من تواجد داعش داخل الاراضي الاميركية ربما فيه بعض المبالغة لاسباب واعتبارات محلية بحتة. بيد ان الاجهزة الأمنية "الساهرة" على حماية أمن البلاد تذهب لتحديد بعض الاهداف المرشحة لهجوم داعش الذي "سيسعى لاستهداف اكبر تجمع عام لتحقيق اقصى قدر من الدعاية على غرار امثاله في الهند وكينيا". وقد تشكل "الملاعب الرياضية والاسواق التجارية والمطارات والمدارس والفنادق والمستشفيات ودور العبادة" اهدافا موآتية. التهويل من داعش وحشد الجمهور لتأييد جولة اخرى من حرب عدوانية ذهب لابعاد متطرفة في توقعاتها ايضا، ومضى بعض المسؤولين، ومن ضمنهم السيناتور جيم اينوفي، الى التحذير من امتلاك داعش تقنية قنبلة اشعاعية ينوي تفجيرها في اميركا "مستغلا توفر بعض المواد المشعة لديه والتي سرقت مؤخرا من مختبر ابحاث عراقي للطاقة النووية". 

مستقبل قاتم للعراق وسورية تعود للصدارة

      بعدما تحقق للولايات المتحدة اقران العراق بداعش ومشتقاتها من التنظيمات المسلحة، تمضي قدما في استمالة "زعماء العشائر السنية والاكراد" لتحقيق اهدافها في تقسيم وتشظي العراق، التي تبنتها بشكل رسمي على لسان نائب الرئيس جو بايدن. واوضحت اسبوعية "نيوزويك،" 28 آب/ أوغسطس، على لسان الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، باتريك سكينر، انه ربما يترتب الأمر على "قطع واشنطن تعهدا للاكراد بدعم استقلالهم عن الحكومة المركزية في بغداد .. ويتعين على ادارة الرئيس أوباما الاقرار بأن جغرافية العراق التي رسمتها بريطانيا في القرن الماضي لم تعد موجودة الآن، اذ اضحى ثمة مجموعة خطوط رسمت على الخريطة". واضاف سكينر اننا امام "لوحة تضم انهيار دولتين".
      في الشق القانوني البحت، تتيح المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة استخدام الدول القوة العسكرية كحق مشروع للدفاع عن النفس، كما باستطاعتها طلب المساعدة المسلحة من دول اجنبية لذات الغرض، كما في حال العراق. في هذا الصدد حذرت الحكومة السورية، على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم، بانها ستعتبر اي تدخل عسكري اميركي في اراضيها "عمل عدائي" ان لم يتم بالتنسيق والاستشارة مع بلاده.واوضح استاذ القانون الدولي في جامعة نيويورك، رايان غودمان، مأزق الولايات المتحدة لشن غارات جوية "دون الحصول على موافقة سورية قد ينطوي على تعقيدات" جمة.  وعليه، يفيد الضالعون بالقانون الدولي ان الولايات المتحدة تواجه معركة شاقة مع حلفائها لاقناع بعضهم بالارضية القانونية للقيام بطلعات جوية فوق الاراضي السورية.بالاضافة للعامل القانوني، الذي لا تعيره اميركا كثيرا من الاهتمام كما يشهد احتلالها للعراق، فان تأكيد الرئيس أوباما على عدم نيته التوجه للكونغرس للحصول على تفويض باستخدام القوة "بعد" ربما جاء لاعتبارات داخلية وانتخابية بحت، وتنفس بعض المشرعين من الحزبين الصعداء لحساسية ودقة تأثير مثل هذا الأمر على التوازنات الانتخابية المقبلة.على المستوى الدولي، اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الغرب بازدواجية المعايير وقصر النظر لرفضه التعاون مع سورية في مكافحة الارهاب.      تجليات السياسة الاميركية المقبلة في الاقليم مع الافتراض انها ستهدف الى القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية تستدعي بروز طرف او اطراف اخرى "من قوى السنة" لملء الفراغ الناجم عن غياب داعش، وما اصرارها على انشاء تحالف اقليمي من السعودية ودول مجلس التعاون الا دليل على مراميها في المدى المنظور "لانشاء كيان سياسي من السنة باستطاعته ادعاء تمثيل طائفته وتمكينه عسكريا للتصدي للدولة الاسلامية والقاعدة والنظام السوري والشيعة" ايضا.      وهذا ما يفسر اصرار السياسة الاميركية على افساح دور اكبر لاقليم الاكراد في العراق، عززته باعلانها عن توريد الاسلحة له مباشرة، فضلا عن نشرها لنحو 150-300 عنصر من قواتها الخاصة في كردستان، التي بفضلها استطاعت قوات البيشمرغة الكردية تسندها الغارات الجوية الاميركية في التصدي لقوات داعش.لا يبدو أوباما مستعجلا لمواجهة داعش ابعد من المسرح العراقي في المدى المنظور، وكان ملفتا في تصريحه الاخير ان يعود الى نغمة تعزيز ما اسماه بالقوى المعارضة المسلحة المعتدلة في سورية لكي لا يكون الخيار بين النظام وداعش. أوباما نفسه اعترف منذ اشهر قليلة بان الحديث عن وجود معارضة معتدلة هو نوع من الفانتازيا – ضرب من الخيال. كما انه يدعو الآن الى تشكيل تحالف دولي واقليمي لمواجهة داعش يكون عماده الاقليمي الدول التي شجعها ل3 سنوات  خلت على تسليح ودعم الجماعات المسلحة في سورية لاسقاط النظام، ويتهمها الآن بانها عملت على تحقيق مصالحها الخاصة بدعم هذه الجماعات وعليها ان تكون جدية في مواجهة التطرف.لا تبدو هذه الدول المعنية مستعدة للتراجع عن مغامراتها او اوهامها في مقاربتها للوضع الراهن في سورية رغم شعورها بخطر داعش  الداهم على ابواب عروشها وطالما ان مساعي تشكيل تحالف لمواجهة خطر داعش يستثني ايران وسوريا من دائرته سيبقى أقرب الى الوصف الذي اطلقه أوباما نفسه ضربا من ضروب الفانتازيا .   

اخترنا لك