من له مصلحة بإشعال لبنان؟

تجمع الأطراف السياسية في لبنان على وجود أياد خارجية وراء الأحداث الأخيرة وغيرها لكنها تختلف حول هويتها، البلد مرشح لمزيد من السخونة قد تعيد موجة الاغتيالات السياسية وتكرار سيناريو عرسال في مناطق أخرى، فمن له مصلحة في إطاحة الاستقرار؟

قرار نقل الصراع الدائر في المنطقة إلى الساحة اللبنانية ما زالت مفاعيله مستمرة (أ ف ب)
 تنقل معلومات صحافية أن معظم المسلحين الغرباء من النصرة وداعش انسحبوا من عرسال إلى الجرد. تؤكد هيئة علماء المسلمين التي قادت الوساطة بينهم وبين الجيش اللبناني أنهم انسحبوا وأنها فقدت الاتصال بهم. لكن ما هو مؤكد أن خطوط هؤلاء لا تزال مفتوحة مع جهات أخرى.

العارفون بخبايا الأمور يدركون أن وساطة هيئة العلماء المسلمين كانت مجرد واجهة. انسحاب المسلحين في حال كان نهائياً لم يأت نتيجة جهود الهيئة بقدر ما كان ترجمة لضغوط وتعليمات من قبل أجهزة أجنبية مؤثرة.

تكاد تجمع الآراء السياسية في لبنان على أن احتلال عرسال لم يكن هو الآخر بقرار من المسلحين. هؤلاء ينفذون تعليمات مرتبطة بقرارات إقليمية. رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري تحدث عن مصلحة النظام السوري بنقل الأحداث إلى لبنان. تشير المعطيات إلى أن من احتل عرسال سواء من جبهة النصرة أو داعش هم من يقاتلهم الجيش السوري في أراضيه. طائرات هذا الجيش كانت تغير على مواقعهم في الجرود التي تربط بين لبنان وسوريا بالتزامن مع المواجهات الأخيرة.

يعود المسلحون إلى أطراف عرسال أو جرودها. يفشل المخطط المرسوم حاليا ولكن لا يعني ذلك أنه انتهى. قرار نقل الصراع الدائر في المنطقة إلى الساحة اللبنانية ما زالت مفاعيله مستمرة.

اعترافات الموقوف جمعة

اعترافات الموقوف عماد جمعة كشفت المخطط الذي كان يجري التحضير له ( أ ف ب)
لبنان دخل مرحلة صعبة وخطرة قد تمتد لشهور إلى حين إيجاد تسوية شاملة وكاملة على المستوى الاقليمي. يؤكد على ذلك الكاتب والمحلل السياسي جوني منيّر. ويشير إلى أن هذه الجولة في عرسال ستنتهي بخروج المسلحين منها مع إمكانية عودتهم إليها مستقبلاً، لكن ذلك لا يلغي المخاطر في أماكن أخرى، خصوصاً في عكار حيث يوجد عدد كبير من النازحين السوريين، لا يُستعبد أن يكون بينهم خلايا نائمة، وبحكم أن المنطقة متاخمة للحدود السورية.

ويشير إلى أن اعترافات الموقوف عماد جمعة كشفت المخطط الذي كان يجري التحضير له، ومن بين تفاصيله مهاجمة مراكز الجيش والسيطرة عليها وأخذ رهائن لمبادلتهم بسجناء رومية، والتمدد باتجاه المناطق التي تضم أكثر من غيرها مخيمات للنازحين السوريين، وبعد تثبيت المنطقة التي كانوا ينوون السيطرة عليها في عرسال يتوجهون غربا باتجاه عكار وطرابلس.

كان هدف هذه المرحلة إيجاد منطقة فاصلة بين لبنان وسوريا وإيجاد منفذ على البحر المتوسط.

ويوضح أن إيقاف جمعة واعترافه بوجود متعاونين في مناطق أخرى أدى إلى إفشال هذا المخطط، كذلك رفض جزء من أهالي عرسال الانسياق وراء المؤامرة التي كان من عرابيها بعض فعاليات البلدة، كما أن المسلحين لم يستطيعوا أن يجدوا من يحضنهم في الداخل اللبناني باستثناء الغطاء من قبل بعض نواب تيار المستقبل في الشمال. 

هل رفع الغطاء الإقيلمي والدولي عن الاستقرار؟

الجيش اللبناني يشيّع أحد شهدائه الأبرار (أ ف ب)
يؤكد منيّر أن المسلحين الذين انقضوا على عرسال لديهم غرف عمليات تحركهم من أماكن أخرى وهي مرتبطة بأجهزة استخبارات، مع الإشارة إلى انهم يتبعون إلى دول عدة وليس هناك طرف واحد وراءهم، وبالنتيجة بات لبنان مرتبط عملانياً بصراع إقليمي متداخل يشمل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.

يتحدث منيّر عن أن حركة عرسال الأخيرة تأتي في إطار الضغط على إيران التي تعرضّت إلى انتكاسة في الموصل ويحاول خصومها أن يضغطوا عليها أكثر في لبنان، من خلال أحداث أمنية في مناطق قريبة من نفوذ حزب الله وخزانه البشري. مواجهات عرسال تأتي أيضاً بحسب منيّر في إطار الرد على معركة غزة. لكن كيف؟يشرح منيّر أن أطرافا عدة لها علاقة بغزة منها "السعودية التي خسرت هناك، وإيران التي ربحت على خلفية دعمها للطرف المنتصر أي المقاومة"، وفي إطار لعبة الدول يحاول من يخسر في منطقة ما أن يرد في منطقة أخرى.

هل يعني ذلك أن الغطاء الغربي والعربي بتحييد لبنان والحفاظ على استقراره أصبح منتهي الصلاحية؟

يعتبر منيّر أن الغرب لا يريد أن تخرج الأمور في لبنان عن السيطرة. يشير بشكل أساسي إلى أن ذلك ليس من مصلحة أميركا التي تخشى في ظل أي سيناريو غير محسوب أن تصبح مصالحها مهددة، وهي تتمثل بالدرجة الأولى بإسرائيل. لذلك يرى أن ردة الفعل الأميركية كانت سريعة من خلال بيان داعم للجيش. ويلفت في هذا الإطار إلى أن أميركا والدول الغربية مشغولة الآن بمناطق إقليمية أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها من لبنان، الذي يأتي بالمرتبة السابعة على لائحة الأولويات الأميركية في المنطقة باعتراف السفير الأميركي.

أما بالنسبة إلى السعودية فهي تلعب في مضمار كبير وتتصارع مع إيران علنا ومع قطر بالخفاء. ويوضح منيّر "ليست القصة انها تريد ان تهز استقرار لبنان، هي تستهدف عرسال حيث للمنطقة خصوصية عند حزب الله". وفي هذا الإطار يفسّر منيّر هبة المليار دولار التي قدمتها الرياض للبنان من خلال سعد الحريري، إذ أن المملكة لا تستطيع خرق الضوابط الأميركية "فلكي تطمئن السعودية واشنطن قدمت الهبة للأجهزة الأمنية اللبنانية شرط صرفها عند الأميركيين، والهدف توجيه رسالة أن الهدف ليس فرط الوضع الأمني إنما الضغط على حزب الله".

ويرى منيّر أن لدى الدول الإقليمية التي تدور في فلك الولايات المتحدة هامشا للتحرك. السعوديون لديهم هامش في لبنان خارج النفوذ الأميركي، وهم خسروا معركة سوريا ومعركة العراق ويلومون الأميركيين، ويسعون لتعديل موازين القوى بلبنان، ومن هذا المنطق يمكن أن يتحدثوا مع الأميركيين. 

سخونة تمهّد لسد الفراغ الرئاسي

يكشف منيّر أن الأوساط السياسية في لبنان باتت تتوقع أن البلد مقبل على سخونة يمكن أن تصل إلى مرحلة الاغتيال السياسي، والدول الإقليمية الفاعلة تعرف أن هناك سقفا للاستقرار ممنوع أن يتم تجاوزه. هذا الخط مرسوم من الأميركيين لحلفائهم. لذلك كلما اقتربنا من الخط المرسوم واشتعلت الأضواء الحمراء وصار احتمال انهيار البلد وشيكا، كلما اقتربنا من التعجيل على توافق إقليمي على رئاسة الجمهورية، ويخلص إلى أن هذه الحماوة يمكن أن تؤدي إلى التعجيل بسد الفراغ الرئاسي.

اخترنا لك