العدوان على غزة في حسابات واشنطن السياسية والانتخابية
في ظل تسجيل المقاومة انتصارات جديدة ومفاجآت ميدانية لم ترد في عقول واذهان الدِّ اعدائها، الا ان متطلبات التحولات السياسية المرتقبة في المشهد السياسي الأميركي تستدعي بعض الاهتمام لاستكمال أدوات التحليل الموضوعية في المرحلة المقبلة.
انتخابات تنذر بهزيمة
وعليه، فان لب المعركة الانتخابية ستجري وفق قاعدة السيطرة على احد مجلسي الكونغرس، في الحد الادنى لكل فريق، بيد ان توجهات القاعدة الانتخابية حافظت على ثباتها بتأييد الحزب الجمهوري ووضعه في موقع مريح للاحتفاظ باغلبية المقاعد في مجلس النواب، وربح صافي مرتقب لنحو 6 مقاعد اضافية في مجلس الشيوخ، مما يؤهله التحكم بالسلطة التشريعية بأـكملها.
مفاصل النظام السياسي الأميركي
في ابعاد قرارات التحكم بمفاصل النظام السياسي الاميركي يبرز دور شريحة فاحشة الثراء، 1%، ممثلة للمصالح الاقتصادية والاحتكارات الكبرى، الاوليغارك، وتمارس نفوذها عبر آليات متعددة، احداها يعرف بجماعات الضغط، اللوبي، التي تمارس دورا مرئيا على اعضاء الكونغرس لسن تشريعات وقوانين مرضية لها. ومن بين الآليات ايضا سياسة "الباب الدوار" التي تلغي الفوارق بين ممارسة النشاط السياسي والارتهان لارباب العمل، ليصبح الممثل في الكونغرس من صنع الشريحة الاشد نفوذا في العملية الاقتصادية ويتم توجيهه وفق ما تقتضيه مصالحها الخاصة، لا سيما فيما يخص تبني سياسات اقتصادية ومصرفية محددة والتي عادة تأتي على حساب مصالح 99% مما يتبقى من الشرائح الاجتماعية، ونهب الموارد العامة تحت غطاء الخصخصة والسوق الحرة.الشريحة الضيقة المتحكمة، تستغل ثراءها الفاحش رشوة للسياسيين، وتقف بالمرصاد امام بروز تيارات سياسية جادة خارج صيغة "تبادل الحزبين مقاليد الحكم،" ولا تتورع عن استخدام ما لديها من امكانيات هائلة لتهميش صعود قوى جذرية او ليبرالية تناصبها العداء وسن قوانين جديدة لحرمانها من الحصول على نسبة معتبرة في الانتخابات تمكنها من ارسال ممثليها الى الكونغرس، كما جرى مع "حزب الخضر" وتجمعات سياسية اخرى تمثل المهمشين والاقليات العرقية.فيما يخص اللحظة الراهنة والتوازنات السياسية بين الحزبين، اسهمت سيطرة الحزب الديموقراطي على اغلبية مجلس الشيوخ باستصدار قوانين وتشريعات موازية لاهداف الرئيس اوباما، والتي لولاها لانحصرت خياراته اما في استخدام صلاحية "الفيتو" ضدها او المصادقة عليها بكل ما ينطوي عليها من ثغرات سعى لتفاديها. ويتجلى التراشق بين سلطات الرئيس ومناهضيه في الحزب الجمهوري بحرمانه من المصادقة على تعيينات للتمثيل الديبلوماسي بات يشكو منها علانية.
نظرة على انتخابات نوفمبر
نسبة الاحباط بين الشعب الاميركي لسياسات الرئيس اوباما في ازدياد مضطرد، مما يضاعف التحديات امام الحزب الديموقراطي في الاحتفاظ بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ الراهنة. واسهم استطلاع للرأي اجرته شبكة (سي ان ان) للتلفزة في الدلالة على حجم واتساع قاعدة المعارضة الشعبية للرئيس اوباما وسياساته، اذ اعرب غالبية بلغت 53% تأييدهم لسؤال افتراضي بأنهم سيصوتون لميت رومني في الظرف الراهن. يذكر ان الرئيس اوباما فاز بنسبة 52% من مجموع الاصوات الشعبية في جولة الانتخابات الرئاسية الاخيرة.يدرك قادة الحزب الديموقراطي ومسؤوليه عن استراتيجية الحزب الانتخابية عمق المأزق المشار اليه، وامكانية خسارتهم لبعض المقاعد، لكنهم يبذلون جهودهم لتقليص حجم الخسارة الى خمسة مقاعد صافية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي يتيح لهم الاحتفاظ باغلبية ضيقة فيه. وهذا يتطلب حشد الجهود والامكانيات الانتخابية وتوظيفها في خدمة المرشحين المرجح فوزهم، وربما انتهاج خطاب انتخابي يشير الى تعارض المرشح المعني مع الرئيس اوباما، وهي استراتيجية مجربة من قبل الحزبين تؤتي اكلها في معظم الحالات، وتتطلب قدرا عاليا من الحذر لعدم الانجرار الكامل وراء النبض الشعبي المعارض. اذ تشير اللوحة الانتخابية الراهنة الى 10 ولايات معارضة لسياسات الرئيس بصورة صارخة، ويركز قادة الحزب الديموقراطي جهودهم على خمسة منها: ساوث داكوتا، مونتانا، ويست فرجينيا، الاسكا واركنساس.انخرط الرئيس اوباما في جولة لجمع التبرعات للحزب الديموقراطي شملت 11 محطة في مناطق متعددة من الولايات المتحدة، بينما حضر نائب الرئيس جو بايدن 5 حملات تبرع، وشاركت زوجة الرئيس، ميشيل اوباما، في حملتين؛ فضلا عن رسائل الدعم السياسي والظهور العلني للرئيس لدعم مرشحين معينيين لا سيما في ولايات اركنساس وكولورادو ونورث كارولينا.بروز زوجة الرئيس في الحملات الانتخابية يؤشر على سياسة الحزب الديموقراطي في اعادة تجييش القاعدة الانتخابية لا سيما بين قطاع المرأة، واستغلال الفوارق الاجتماعية والاقتصادية لما اصبح يعرف بحملة الخصوم في "الحرب على المرأة،" و "المساواة الاقتصادية،" او توزيع عادل للموارد الاقتصادية. يضاف الى ذلك جهود الرئيس والحزب الديموقراطي في محاباة "المهاجرين غير الشرعيين،" وجلهم من دول اميركا اللاتينية، وحل الوضع الشاذ لعدة ملايين منهم واتاحة الفرصة لهم للمشاركة في الانتخابات المقبلة.انضمام بضعة ملايين من الاصوات الانتخابية المرجح ذهابها لصالح الحزب الديموقراطي اثار حفيظة خصومه في الحزب الجمهوري مهددين برفع دعوى قضائية ضد الرئيس وتوجيه تهمة التقصير في اداء مهامه المنصوص عليها دستوريا. المضي بالدعوى سلاح ذو حدين، اذ من شأنه استنهاض القواعد الشعبية المناهضة لسياسات الحزب الجمهوري ومشاركتها بقوة اكبر في الجولة المقبلة.ساكن البيت الابيض، في سرّه، يرحب بارتكاب خصومه تلك الحماقة التي ستضخ دعما اضافيا في تعزيز مواقع الحزب الديموقراطي. علنا، علق احد مستشاري الرئيس للشؤن الانتخابية، دان فايفر، قائلا لصحيفة لوس انجليس "اي خطوة (قضائية) بهذا الشأن ستثير صداما كبيرا مع الحزب الجمهوري وممثليه في الكونغرس .. وستضاعف من ردود الفعل الغاضبة ضد الجمهوريين." عقلاء الحزب الجمهوري، وهم قلة، يميلون لتوخي الحذر من الاقدام على المضي قدما بالتهديد، مدركين للتوازنات السياسية والانقسامات الراهنة في مجلسي الكونغرس، وتشتيت جهودهم الانتخابية بافتعال معركة جديدة خاسرة سلفا.
انعكاسات فوز الحزب الجمهوري على المنطقة
زعيم الاغلبية الديموقراطية الحالي، هاري ريد، قد لا يحتفظ بمنصبه او موقعه ويغادر الساحة السياسية، مفسحا المجال لتبوأ شومر منصب المركز الاول في التراتيبية القيادية؛ بل سيصبح اليهودي الارفع منصبا في الحكومة الاميركية. شومر، بدوره، ارسل مذكرة للرئيس اوباما، بدعم عدد آخر من زملائه في مجلس الشيوخ، يناشده التحلي بصلابة الموقف ضد الفلسطينيين. وجاء فيها "لا يمكننا تحمل التهديدات الناجمة عن الصواريخ وشبكة الانفاق التابعة لحركة حماس ذات هدف اوحد وهو قتل واختطاف الاسرائيليين، وينبغي اطلاق قدرات اسرائيل اتخاذ ما تراه ضروري لازالة تلك التهديدات .. اي صيغة لوقف اطلاق النار يتم التوصل اليها تستدعي انشاء وضع يشعر فيه المواطنين الاسرائيليين بانهم غير معرضين لمواجهة الهجمات الارهابية الفظيعة."في بعد الاصطفافات السياسية، ابدى زعماء الحزب الجمهوري معارضتهم الصارخة لسياسات الرئيس اوباما نحو مصر وقيادتها الجديدة، على وجه الخصوص، وابدوا تأييدهم لاستمرار تدفق الدعم والاعانة للحكومة المصرية الجديدة. في حال فوز الحزب الجمهوري باغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، سيصعد السيناتور جون ماكين تلقائيا لمنصب رئيس لجنة شؤون القوات المسلحة، وسيستغل صلاحياته الموسعة للدفع باتجاه توفير مزيد من الوسائل القتالية لقوى المعارضة السورية المسلحة. بالاضافة الى ممارسة قيادة الجمهوريين السيطرة والتحكم بالمصادقة على تعيين ممثلين ديبلوماسيين للولايات المتحدة، كما تقتضي صلاحياتها الدستورية، والدخول في مواجهة جديدة مع مرشحي الرئيس اوباما في هذا الشأن – الأمر الذي تحدث به الرئيس بمرارة في الاول من آب الجاري.اما في درجة الميل لدعم "اسرائيل" فمن غير المرجح ان ينافي الجمهوريون سياساتهم السابقة، بل الثابت ان الكونغرس في ظل القيادة الجديدة سيحافظ على سياسات الولايات المتحدة الداعمة "لاسرائيل" بلا حدود، واستمرار دعم الحكومة المصرية الراهنة وفق ما تقتضيه اتفاقيات كامب ديفيد بغية المحافظة على سريان مفعولها قائما.
آفاق المواجهة المقبلة بين أوباما والكونغرس
جبان البيت الأبيض مشارك في مذابح قطاع غزة
موقف حلفاء الولايات المتحدة الاقليميين يفضح اصطفافهم لجانب قوى العدوان ويدل على حقيقة الموقف الاميركي، لمن لا يزال يكابر ويجافي الحقيقة. لعل ادق توصيف لضلوع اولئك وتواطؤهم في العدوان جاء في تعليق الصحافي البريطاني في يومية "الغارديان،" ديفيد هيرست، مؤخرا واصفا ردود فعل المسؤولين السعوديين بانها بمثابة "دموع التماسيح."وتجدر الاشارة الى ما نوه له عدد ضئيل من اصحاب الضمير باثارة البعد الاقتصادي في العدوان على غزة، نستعرضها من باب الاستزادة والتذكير. سواحل قطاع غزة تحوي بداخلها مخزونا هائلا من احتياطات النفط والغاز لطبيعي، سبق لشركة بريطانية، بي جي جي، الحصول على موافقة من السلطة الفلسطينية، عام 1999، وان فازت بعقود التنقيب عن الغاز لمدة تصل 25 عاما. واسفرت اعمال التنقيب الاولى للشركة عن التوصل الى تقديرات لحجم المخزون بمعدل 1،600 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي؛ ولم تحسن السلطة الفلسطينية استغلال الأمر لتعزيز الاكتفاء الذاتي في الجانب الاقتصادي، وابقت المخزون رهينة تجاذبات القوى الكبرى والاقليمية ومن بينها "اسرائيل."بروز حركة حماس بعد الانتخابات النيابية دفعها لرفض شروط الاتفاقية الموقعة مع الشركة البريطانية، مما اثار حفيظة اطراف كثيرة تضررت من ذاك الاجراء: فلسطينية واقليمية ودولية. وفي هذا الصدد يستطيع المرء تفهم اجراء "اسرائيل" بحرمان الصيادين في قطاع غزة من الابحار خارج دائرة ضيقة حددتها باقل من 3 كلم؛ واطلاق العنان لاستغلال الثروة الطبيعية المكتشفة لصالحها. يضاف لذلك البعد ما ورد في الاسبوع الرابع من العدوان الصهيو-اميركي على غزة من سماح الادارة الاميركية "لاسرائيل" التزود بذخائر من المخزون الاستراتيجي الاميركي المقام على اراضي فلسطين المحتلة، المعروف "المخزون الاحتياطي للذخير الحربية – اسرائيل،" منذ عقد التسعينيات من القرن المنصرم ويتبع قيادة القوات الاميركية في اوروبا. يتضمن المخزون "قذائف صاروخية وعربات مدرعة وذخائر مدفعية،" وغيرها من الاسلحة والذخائر غير المعلنة. الاجراء يدل على ضراوة المعارك والغارات الجوية والبرية والبحرية على قطاع غزة، من ناحية، وحقيقة الدرو الاميركي في ادامة أمد العدوان وتكبيد مزيد من الخسائر البشرية، في الجهة المقابلة.