خطاب أوباما: قراءة ما بين السطور

مكتب الميادين في واشنطن يقدّم بالتعاون مع مركز الدراسات الأميركية العربية في واشنطن قراءة في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وفيه تفاصيل حول كيفية تعاطي إدارته مع "الإقليم"، أي منطقة الشرق الأوسط من أفغانستان إلى سورية.

خطاب أوباما جاء تفصيلياً حول منطقة الشرق الأوسط

في الماضي البعيد، إعتاد الرئيس الاميركي على توجيه مذكرة خطّية لأعضاء الكونغرس في مستهل فترة تسلّمه مهامة الرئاسية يشرح فيها الحالة العامة والبرامج التي ينوي تحقيقها. ومن ثم، اضحت المذكرة لازمة أقرّها الكونغرس تطوّرت فيما بعد إلى خطاب يحشد له حضور ممّيز وكلّ من هو بقرب دائرة صنع القرار. ومع دخولنا عصر التلفزيون، أصبح الخطاب يستدعي إهتماما اعلاميا ابلغ أهمية من الخطاب عينه. وبسط هذا التطور ميزاته على خطاب الرئيس اوباما في مطلع ولايته الرئاسية الثانية.

خصصّ الجزء الأكبر من خطاب أوباما إلى القضايا ذات الإهتمام الداخلي، مستهلاً مسألة إنسحاب القوات الاميركية من أفغانستان بالقول "بعد إنقضاء عقد من الزمن على حرب طاحنة، فان جنودنا البواسل رجالاً ونساءً يتأهبون للعودة إلى الوطن .. نقف معاً الليلة موحدين لتوجيه التحية للجنود والمدنيين الذين يضحون بارواحهم يومياً من أجل حمايتنا. بفضلهم نستطيع البوح بثقة أن الولايات المتحدة ستكمل مهمتها في افغانستان وتحقيق هدفنا بهزيمة نواة القاعدة." وشكّل هذا الفصل القسم المتعلق بالسياسة الخارجية للرئيس.

ومرّ اوباما مرور الكرام على مستقبل بقاء القوات الاميركية في أفغانستان الى ما بعد الإنسحاب الشامل عام 2014، لكنه أبقى طبيعة المهام المنوطة بها مبهمة. بيد أنه اتى على ذكر مهمتين بانتظار القوات "القيام بتدريب وتسليح القوات الأفغانية لوضع يخوّلها عدم الإنزلاق إلى حالة من الفوضى (والثانية) جهود مكافحة الإرهاب مما يفسح لنا المجال لمطاردة من يتبقى من القاعدة وأعوانها."

ولمزيد من التعليل، أقرّ اوباما إستمرارية مسألة القاعدة في آسيا وافريقيا قائلا "حقاً، لقد برزت مجموعات مختلفة متطرفة تقيم علاقات مع القاعدة، إمتدادا من شبه الجزيرة العربية وصولاً لافريقيا. الخطر الذي تمثله تلك المجموعات لا يزال طور الإنشاء." وفي ذات السياق، أوضح اوباما انه لا ينوي إرسال قوات عسكرية لمسارح الحرب الجديدة بالقول "ينبغي علينا توفير المساعدة لبلدان مثل اليمن وليبيا والصومال بحيث تضطلع بحماية أمنها ومساعدة الحلفاء الذين يتصدّون للإرهابيين في معاقلهم، كما شهدنا في مالي."

وفضّل أوباما الإبقاء على غموض آلية مساعدة الولايات المتحدة، مما يعني ضمنياً الإستمرار أو تصعيد حرب الطائرات دون طيار، الدرونز، كما جاء في كلمته "(يتوفر لدينا) طيف من الإمكانيات، (إذ) سنستمر في اتخاذ إجراء مباشر ضد أولئك الارهابيين الذين يشكّلون التهديد الأخطر للأميركيين."

وإستوجبت المناسبة المرور على ذكر بعض الدول الاخرى في الشرق الاوسط. ففي الحالة الإيرانية، لمّح الى الاستمرار في الجهود الديبلوماسية. ومع ذلك، أبقى على مسافة من توجيه تهديد مبطن بقوله "سنعمل ما نراه ضروري للحيلولة دون امتلاكها سلاح نووي."

في حالات عدة، تطلب الأمر قراءة ما بين السطور للوقوف على سياسة اوباما الخارجية في المرحلة المقبلة. وفيما يخص مصر، اشار إلى أن الولايات المتحدة لا تشعر بالسعادة التامة لمسار تطبيق الديموقراطية ووتيرة الإصلاحات الدستورية، قائلا "ليس بوسعنا الافتراض (لقدرتنا على) املاء طبيعة مسار التغيير (المطلوب) في دول مثل مصر، بل لدينا القدرة – والعزم – للمطالبة باصرار على ضرورة احترام الحريات الاساسية لكافة افراد الشعب." واستدرك بالقول "ليس بوسعنا افتراض قيامنا باملاء ما نراه مناسبا على مسار التغيير،" مشيرا أيضا إلى عدم نيتّه اتخاذ أي مبادرات في مجال السياسة الخارجية ترمي حثّ أو معاقبة مصر. هناك شعور لدى الرئيس اوباما بأنه يحقق إستقرار المنطقة عبر تعزيز سلطة الرئيس مرسي.

جدير بالذكر أن اوباما لم يمر على تسمية مصر بأنها حليف حميم في المنطقة – الأمر الذي كان سيحظى بتصفيق وترحيب في خطاباته الرئاسية الماضية. وهذا يدل على أنه بالرغم من شحنة الطائرات المقاتلة الاخيرة من طراز F-16 المقدّمة لها، فان الولايات المتحدة عدلت عن رؤية مصر كلاعب اساسي في الاقليم.

ومّر اوباما مروراً عارضا على المسألة السورية محافظا على غموض توجهّات السياسة الأميركية نحوها. وقال "سنواصل ضغوطنا على النظام السوري الذي قتل أبناء شعبه وندعم زعماء المعارضة الذين يكنّون الإعتبار لحقوق كلّ فرد سوري،" في إشارة مبطنة الى مشاعر القلق نحو السياسات المتبعة من بعض قوى المعارضة، والتلميح إلى نيّة العمل مع نظام الأسد بعد ثباته.

وإختتم اوباما شقّ السياسة الخارجية الاميركية بترديد الدعم الإلزامي لإسرائيل، قائلا "سنقف بصمود مع إسرائيل في السعيّ للتوصل إلى أمن وسلام دائم." وبخلاف خطاباته السابقة، فقد آثر عدم تحديد إطار لمسار سلمي أوسع أو ذكر أي جهد يبذل لحلّ المسألة الفلسطينية. لا شك أن اوباما يدرك جيداً عدم تناغم سياساته مع سياسات الحكومة الإسرائيلية الأمر الذي لا يعززّ التوّقعات بان المبادرات السلمية تلوح في الأفق.

كان شقّ السياسة الخارجية في مجمل الخطاب مفعماً بالشعارات والوعود وخاليا من تفاصيل متوقعة. كان جليّا ايضاً ادراك الإدارة الأميركية تنامي وإنتشار تنظيم القاعدة، بيد أن الأمر يبدو لا يستحق عناء التفكير لمواجهة ذلك. الجواب الثابت للحظة هو توّقع مزيد من غارات طائرات الدرونز، وعقد الأمل على اقدام دول اخرى نشر قوات مقاتلة للاشتباك مع الارهابيين.

اما ذكر بعض قضايا الشرق الاوسط لماما فكان لاستدرار موجة من الترحيب والتصفيق.

في الشق الايراني، اوضح اوباما بما لا يدع مجالا للشك أنّ انخراط ايران ديبلوماسيا هو الخيار المفضل، مع التذكير بالإشارة إلى إتخاذ بعض الإجراءات الأخرى إن إقتضى الأمر مثل الحرب في الفضاء الإلكتروني. ولا يبدو أنه مقبل على الإنخراط في مصر في ظل حالتها الداخلية الملتهبة.

في الشأن السوري، تبقى الإدارة الأميركية متردّدة حيال التعامل معه، أقرنها وزير الخارجية الجديد جون كيري بالتلميح إلى مشروع معادلة حلّ محتمل تتحددّ معالمه مع الجانب الروسي، لكن الجانبين لا يزالا بعيدين كل البعد عن التوصل لحلّ وسط.

اخترنا لك