الشعب المصري يسخر من واقعه: العلاج بالنكتة

للشعب المصري قدرة عجيبة على تحويل واقعه إلى نكتة. يفعلها بمراس ساحر متمكن. نكتته جاهزة. تخرج منه بعفوية لكنها قوية ولاذعة. تحاكي همومه ورؤيته. التنافس بين السيسي وصباحي كان مادة دسمة لروح الدعابة عنده. فكيف عبرت عنها صفحات الفيسبوك المصرية؟

علقت إحدى الصفحات على دعوة السيسي الشعب المصري لتوفير الطاقة بهذه الصورة: اطفي نور الزرار بتاع الـ caps lock عشان نوفر كهرباء لمصر

يمتاز الشعب المصري بروح النكتة. يمكن القول إن سخريته حاضرة وغب الطلب. تخرج منه بدون كبير عناء. يعبر عنها بعفوية لكنها في الوقت عينه قوية ولاذعة. نكتة، تحاكي همومه السياسية والإقتصادية والإجتماعية. السخرية السوداء غالباً ما تحول موضوعها مادة للنقاش. المصريون بارعون في هذا.

وإذا كانت روح النكتة موجودة عندهم بالفطرة، فإن شبكات التواصل الإجتماعي شكلت في السنوات الأخيرة مرآة لها. صارت تعكس نبض الشارع المصري ورؤيته لواقعه. منذ ثورة 25 يناير، أنشأ المصريون صفحات كثيرة، ومع التحولات السياسية السريعة التي مرت بها البلاد، كانت هذه الصفحات في حراك دائم.

على سبيل المثال بعدما تسلم الإخوان المسلمون الحكم إبان فوز الرئيس المعزول محمد مرسي وما تلاه من أحداث وانقسام في الشارع المصري، قامت صفحات على "الفايسبوك" معارضة لحكمهم، وأهمها صفحة "معارضي حكم الإخوان والسلفية لمصر"، وكانت الرسالة الشهيرة التي بعث بها مرسي للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز باكورة مادتها الساخرة.

وكذلك الأمر مع توسع نشاط السلفيين وطفرة القنوات الدينية التابعة لهم. فكانت هفوات الضيوف وآراؤهم على مشرحة المشاهد المصري، ومنها، الجملة الشهيرة التي صدرت عن الشيخ السلفي محمود شعبان أثناء إحدى لقاءاته التلفزيونية، طالباً وجود رجل لمناقشه بالقول "هاتولي راجل". حيث حمّل بعضهم الجملة إيحاءاً جنسياً وحولوها إلى صور مركبة متهكمة على "الفايسبوك"، كما أنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد، حيث بثوا بعد وقت، صورة لأحد مريدي الشيخ شعبان وهو يلثمه على خده مذيلين الصورة بعبارة "جابولوه راجل". وقد نالت هذه الجملة أيضاً حصتها في برنامج "البرنامج" الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف.

ورد الشيخ شعبان صاحب الفتوة الشهيرة بإهدار دم أعضاء "جبهة الإنقاذ" على باسم يوسف، وكان بصدد إطلاق برنامج على قناة "الحافظ" الإسلامية يحمل عنوان "هاتولي راجل".

واكبت صفحات "بورتو طره من اجلك أنت"، و"ناس بتاكل علف"، و"معارضي حكم الإخوان والسلفية لمصر" كل المستجدات على الساحة المصرية. من عزل مرسي والمعارك العنيفة بين الإخوان ومعارضيهم ثم تشكيل حكومة الببلاوي واستقالتها ثم حكومة إبراهيم محلب وصولاً إلى ترشح كل من المشير عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي لرئاسة الجمهورية في مصر.

رغم موقفها المؤيد لأحد المرشحين إلا أن السمة الأبرز لهذه الصفحات هو أنها لم تتماه مطلقاً مع أحدهما، فهي تدعم صباحي والسيسي حيناً وتسخر مما تراه أخطاء يرتكبها الطرفان. فصفحة "ناس بتاكل علف" لا تزال عند موقفها الرافض لغياب البرنامج الإنتخابي للسيسي، أما صفحة "بورتو طره من أجلك أنت" فتسخر من رؤية السيسي الإقتصادية، ودعوته إلى اتباع سياسة التقشف وحديثه عن ضرورة ترشيد الطاقة باستعمال لمبات التوفير، فيما تتهكم أخرى على ما تعتبره محاولات صباحي المتكررة للوصول إلى سدة الرئاسة طمعاً بالمنصب واللقب، فنجد صباحي مكان الفنان أحمد حلمي وهو يركب مصعد عمال التنظيف مخاطراً بنفسه وينظر إلى الرئاسة في أعلى المبنى ويغني لها "هوصلك حتى لو عارف إني ممكن أموت".

وكذلك الأمر حيث نجد صفحة " بورتو طره من أجلك أنت" مثلاً، وقد ركبت صورة من فيلم "اللمبي" ويبدو فيها السيسي مكان الممثل محمد سعد قبل دخوله إلى إمتحان "نحو الأمية" (محو الأمية)، وينصت إلى نصيحة أمه عبلة كامل (فرنسا) وهي تقول له" تفويضك في جيبك، لمبتك الموفرة في إيدك، اللي يقولك برنامجك الإنتخابي قطّعه".

أما صفحة "معارضي حكم الإخوان والسفلية" فقد نشرت صورة مركبة من مجموعة صور، ويظهر فيها الممثل المصري نور الشريف في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" وهو يحصي الأموال، وقد كتب فوقها " حمدين صباحي وهو بيحسب عدد الأصوات اللي خدها في انتخابات الخارج".

ولم يفت هذه الصفحات السخرية من النتائج شبه "المضمونة" في العملية الإنتخابية، مشيرة إلى أن أغلبية الأصوات ستصب في خانة السيسي.

وفي الجو الإنتخابي نفسه نالت أغنية الفنان الإماراتي حسين الجسمي "بشرة خير" التي يحث فيها المصريين على الإقتراع حصتها من السخرية، حيث نشرت إحدى الصفحات المذكورة صورة مركبة للجسمي قالت فيها عنه إنه كلما " يعوز يغني، يغني لمصر. يحس انو جعان، يغني لمصر. ابنه مش عايز يروح المدرسة، يغني لمصر. قاعد مش لاقي حاجة يعملها، يغني لمصر".

وفي المحصلة فإن الشعب المصري صاحب نكتة. نكتته حاضرة ولن تنفك تلامس همومه. 

اخترنا لك