في جامعة بغداد.. شباب طموح و"خائف"
"الميادين نت" يزور جامعة بغداد، ويستطلع آراء الطلاب فيها حول بلدهم والاستحقاق الإنتخابي القادم، ورؤيتهم لمستقبل العراق والوضع الحالي فيه..

وجهتنا اليوم جامعة بغداد، أقدم جامعات العراق وأكبرها. حول الحرم الجامعي الذي يمتد على مساحات شاسعة وسط العاصمة العراقية، المشهد نفسه يتكرر، إجراءات أمنية مشددة. قبل أيام شهدت جامعة الكاظم شرقي العاصمة هجوماً إرهابياً إنتهى بمقتل وجرح العشرات من بينهم المهاجمون. تدرك أن لا مكان آمناً في بغداد بالمعنى المطلق، حتى هذا الصرح الأكاديمي العريق.
ينزلني السائق عند البوابة الرئيسية، قوس إسمنتي عال غير متصل في الأعلى من تصميم المعماري الألماني والتر غروبيوس، كتب عليه "جامعة بغداد"، وإلى جانبه يرفرف علم العراق. يطلب حارس الأمن تصريح الدخول والتصوير داخل الجامعة، قبل أن يقلني ومجموعة من الطلاب أحد الباصات إلى كلية العلوم.
هناك ألتقي حسنين، شاب عراقي في سنته الجامعية الأولى، يتصدى من تلقاء نفسه لمرافقتي خلال جولة التعرف على الجامعة والتعارف بين طلابها.
اختار حسنين اختصاص علوم الحياة لأن حظوظه ستكون أكبر في الحصول على وظيفة في بلد تشير الأرقام إلى أن نسبة البطالة فيه بلغت 24% علماً أنها شهدت تراجعاً في السنوات الأخيرة.
"إذا لم أجد وظيفة في الدولة على الأقل سأجد وظيفة في أحد المختبرات التحليلية" يقول بثقة. بالثقة نفسها يتحدث عن مستقبل العراق و"الوضع الأمني الذي سيتحسن" وعدم تفكيره بالهجرة وترك العراق يوماً. ربما من هنا يمكن فهم اندفاعة حسنين للعمل ضمن المفوضية العليا للانتخابات. هو ليس الوحيد على ما يبدو، العدد القليل للطلاب داخل الجامعة يجعلك تدرك انشغال جزء كبير من الشباب بالتحضير للاستحقاق الانتخابي بعد أيام قليلة.
سيف على عكس حسنين، ليس مأخوذاً بالعملية الديمقراطية في بلاده، لن ينتخب لأن "الوجوه هي نفسها". ما يحتاجه سيف ليس وظيفة، خريج كلية الصيدلة الذي باشر اختصاصاً جديداً في كلية العلوم، بدأ بمزاولة العمل مباشرة بعد تخرجه من خلال تعيين مركزي. ما يحتاجه سيف "إنسان عادل ونزيه"، وجو من الأمان يشجعه على اتخاذ قرار الزواج وتكوين عائلة داخل العراق وليس خارجه. خوف سيف ليس نابعاً من فراغ، عام 2005 قتل خاله في ما يعرف بـ"الأحداث الطائفية".
زميل سيف في الدراسة والمهنة له رأي آخر في قرار المشاركة في الانتخابات، يعبر عن قناعته بحصول تغيير، ويرى "أن شعور الشباب بوجود خلل ما يجب أن يدفعهم لكي ينتخبوا ويغيروا". ماجد ليس مقتنعاً بـ"عدم وجود شخص يستحق بين المرشحين" كما يصرّ سيف.
زيدون هو الآخر سيشارك في الانتخابات، أنشأ هو وأصدقاؤه صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تعدادها 80 ألف مشارك عراقي، وقاموا بترشيح شخص واحد من بينهم للانتخابات. يراهن الشاب العشريني على أن هذا المرشح سيحقق له حلمه بالوظيفة التي يريدها. زيدون هو المعيل الوحيد لعائلته، والده كان أستاذاً جامعياً، قتل عام 2005، وكان لا يزال ولده البكر في صف الخامس ابتدائي.


غالبية الكليات تتوزع بين الحدائق الخضراء في حرم جامعة بغداد، أما الكليات الأخرى خارجه فيجري العمل على تجهيز المباني المخصصة لها لنقلها كلها إلى هذا المكان. داخل كل كلية أكثر من كافيتريا. في إحداها جلس ثلاثة شبان، أحمد وصديق وعرفان. قصة هؤلاء الشباب تختصر جانباً من حكاية اللجوء العراقي. كانوا أطفالاً حين غادروا العراق واستقروا في حلب. درسوا في مدارسها وكادوا ينهون دراستهم الجامعية حين اندلعت الأزمة في سوريا. اتخذ قرار العودة، قرار كلفهم خسارة كل سنوات الدراسة الأكاديمية. حين أبلغوا بأنهم سيبدأون من الصفر، أصيبوا بالإحباط، خلال العام الماضي لم يشاركوا في المحاضرات، أملوا أن تنتهي الأحداث في سوريا ويعودوا، وحين لم يحدث ذلك كان لا بدّ من التأقلم مع الأمر الواقع.
يشكك أحمد في أن إدارة الجامعة أجرت مطابقة بين المواد، يقول "قالوا لنا إن نسبة المطابقة كانت أقل من خمسين بالمئة". يتدخل عرفان الذي تبدو لهجته خليطاً من العراقية والحلبية، "استفدنا كثيراً من دراستنا في سوريا علماً أننا هناك كنا ندرس باللغة العربية وهنا بالإنكليزية". نستطرد قليلاً بالحديث عن سوريا، فيخبرنا عرفان أنه علم بموت صديقه قبل أيام جراء سقوط قذيفة في دمشق.
نشوؤهم خارج وطنهم، لم يجعلهم غائبين عن المشهد العراقي، قبل سنوات شاركوا في الانتخابات. لكنهم هذه المرة لن يعيدوا الكرة باستثناء أحمد.
يدرك صدّيق أن الأشخاص أنفسهم سيصلون إلى البرلمان لكن الفرق يكمن في حصولهم على نسبة أقل. "أولادهم محميون ونحن نموت يومياً.." يقولها فتشعر بأنك أمام شاب خائف على حياته ومستقبله معاً.
طالب آخر أكثر صراحة لا يتردد بالقول "إحنا منخاف.. العمل لا نريده.. أمان ماكو (لا يوجد).. أخرج لخمسين متراً لا أعرف ما إذا كنت سأعود".