يبرود و"جنيف 2 ": زمن التحوّلات الكبرى

الزميل سامي كليب يعتبر أن معركة يبرود ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، ليدخل الكلام السياسي بعدها في سوريا ولبنان والسعودية وايران مرحلة بداية التحوّلات الكبرى، ويطرح أسئلة حول مستقبل عرسال وموقف الحكومة اللبنانية وصولاً إلى القبول الأميركي بالأمر الواقع وبقاء الاس

يقول الكاتب إن طهران تدرك أن جولات "جنيف" الحالية مجرد ديكور لتفاهم لم ينضج تماماً

سامي كليب- صحيفة "الأخبار اللبنانية: عاجلاً أم آجلاً ستنتهي معركة مدينة يبرود السورية. التقديرات العسكرية تقول انها قد لا تتطلّب أكثر من اسبوع اذا ما اتخذ القرار. مع انتهائها، يدخل الكلام السياسي في سوريا ولبنان والسعودية وايران في مرحلة بداية التحوّلات الكبرى. من تلك التحوّلات، مثلاً، اسئلة حول مستقبل عرسال. وحول دور الحكومة اللبنانية العتيدة، وصولاً إلى القبول الأميركي بالأمر الواقع السوري المتعلق ببقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة.

المشهد على مشارف المعركة الحاسمة في يبرود سبقته تطورات لافتة قبل التحوّلات المنتظرة. في هذا المشهد ما يلي:

صمت لافت من قبل الدول التي دعمت المعارضة بالسياسة والسلاح في شأن تقدم الجيش في أكثر من مكان. هل ثمة ضوء أخضر أُضيء في مكان ما لإقناع العالم بأن الجيش يؤدي غرضاً دولياً واقليمياً جليلاً يتعلق بضرب الإرهاب؟ يبدو أن الأمر يسير في هذا الاتجاه.

كلام عسكري أمني أميركي خطير ورد على لسان مدير المخابرات الوطنية الأميركية حول مستقبل الرئيس السوري. قال جيمس كلابر ان الاتفاق الكيميائي مع سورية عزّز وضع الرئيس بشّار الاسد. أعقبه كلام شبه مماثل من وزير الخارجية. قال جون كيري إن الأسد حقق تقدماً ميدانياً، لكنه لم ينتصر ولم يخسر. هل تمهّد هذه التصريحات للقبول بالأمر الواقع؟ أي بأن الأسد سيترشّح إلى الانتخابات بعد اشهر قليلة وسيفوز وستقبل أميركا؟ يبدو أن الأمور هي في هذا الإتجاه.

تصريحات سعودية مفصلية. أولها الأمر الملكي بمعاقبة الإرهابيين وحاملي الفكر التكفيري. ثانيها اعلان السفير السعودي في انقرة تسهيل عودة المسلحين السعوديين من سوريا. ثالثها، وهو أمر سابق على القرارين المذكورين: تعيين وزير جديد للتربية والتعليم هو الامير خالد الفيصل والمباشرة في مشروع تغيير المناهج التربوية، وتعيين الدكتورة هيا بنت عبدالرحمن بن محمد السمهري في منصب المدير العام للتدريب والابتعاث، ناهيك عن مليارات الدولارت التي خصّصها الملك عبدالله لهذه الوزارة. هل هذه امور مطلوبة أميركياً وغربياً بعد تمدّد موجات الارهاب وانتقال القرار الدولي من اولوية اسقاط الأسد الى اولوية محاربة هذا الإرهاب؟ يبدو أن الأمور هي في هذا الاتجاه قبيل زيارة باراك اوباما إلى الرياض. لا يمكن تفسير قبول قوى 14 آذار الجلوس الى جانب حزب الله في حكومة واحدة سوى من هذه الزاوية.

تقارب ايراني ــــ تركي "منقطع النظير" منذ عقود وفق تعبير مرشد الثورة السيد علي خامنئي. صحيح ان زيارة رجب طيب اردوغان إلى طهران بقيت بعيدة عن منطق التفاهم حول مستقبل الرئيس الأسد، لكنها حسمت مسألة اتخاذ تركيا اجراءات مباشرة لوقف الإرهاب. كان اردوغان قال في نقاشه مع وزراء الإتحاد الأوروبي في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي إن الارهاب متمثل بأربعة اطراف، هي «القاعدة» و«النصرة» و«داعش» والحزب الديمقراطي الكردي. هذا يعني، اولاً، انه بات مضطراً لإقفال الطريق أمام مسلّحين صوب سورية، وثانياً إن الاتفاق مع حزب العمال الكردستاني على شفير الإنهيار.

ماذا في المعلومات؟

أولاً: يقول مسؤول اقليمي شريك في الملف السوري "ان معركة يبرود ستقلب كل معادلة الحرب في سوريا وتدفع المحور الآخر الى القبول بمنطق ان السلطة السورية صارت على مشارف ربح الحرب". منطق المسؤول يقود إلى بلدة عرسال، بحيث أن معركة يبرود ستقطع كل طرقات الإمداد وتؤدي إلى تطويق المدينة مقدمة لسقوطها العسكري. هذا يفرض على تيار 14 آذار والسعودية الأخذ بوقائع جديدة على الأرض والقبول بأمر واقع. ربما في هذا المنطق بعض المغالاة في التخفيف من قدرة الطرف الآخر على فتح جبهات مضادة في درعا المحاذية للحدود الأردنية أو حتى داخل لبنان. المغالاة ممكنة، لكن مسؤولاً لبنانياً رفيعاً من قوى 8 آذار يؤكد ان ثمة خطة قد أُعدّت لمواجهة اي تطورات او تفجيرات وان "لا حدود جغرافية أو أمنية أو سياسية لهذه الخطة". هل في ذلك سبب لتأخير الحكومة؟ يبدو ان الأمور سارت فعلاً في هذا الاتجاه، خصوصاً بعدما اكتشف حزب الله "تلاعباً" من قبل بعض الوسطاء الجدد. ما كان مقبولاً قبل عام لم يعد مقبولاً اليوم. هكذا يقول فريق 8 آذار وحلفاؤه في الداخل والخارج. ترافق ذلك مع استنجاد "الجيش الحر" بالجيش السوري أكثر من مرة، مؤخراً، لدعمه بالمدفعية ضد "داعش" و"النصرة". رفض الجيش لاعتباره الجميع في سلة واحدة. سعى "الجيش الحر" إلى التواصل مع حزب الله على الأرض السورية. ربما قدّم له الحزب العون. هكذا تجري حالياً التسويات تحت الطاولة لإستسلام الجماعات المسلحة. الحزب والجيش السوري ينسّقان ويتبادلان الأدوار في بعض المحاور.

ثانياً: يروي دبلوماسي اقليمي مهتم بالشأن السوري أنه في أحد الإجتماعات الأمنية الأخيرة التي استضافها الأردن، قبل نحو شهرين، قال مسؤول أميركي للحاضرين، وهم من السعودية والأردن ودول غربية وربما مسؤول اسرائيلي: "عليكم الاعتياد على فكرة ان الاسد باق وأنه قد يربح المعركة، وعليكم التفكير في فترة ما بعد الإنتخابات الرئاسية». وقع الكلام الأميركي على الحضور كماء باردة في الصقيع الأردني.

ثالثاً: أكد مسؤول روسي بارز لطهران ودمشق مؤخراً أن "الأسد شخصياً"، وليس النظام، بات خطاً أحمر ولا شيء سيمنع ترشحه وفوزه في الإنتخابات المقبلة. فوجئ الإيرانيون بأن الروس الذين كانوا في بداية الأزمة السورية يبحثون احتمالات عدة، صاروا الآن يوازون التشدد الإيراني نفسه في شأن بقاء الأسد.

رابعاً: حاول الأميركيون إقناع ايران ببعض الحلحلة في الملف السوري. ذهب وزير الخارجية جون كيري إلى مقر نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في فندقه في قمة ميونيخ. قال له: جئت أبحث معك ملف سورية. ردّ ظريف: «انا لست مخوّلاً بالأمر ، ثم اننا نريد قبل ذلك حسم الملف النووي». تريد طهران حصر النقاش بهذا الملف لكي لا تستخدم الملفات الأخرى للضغط عليها. من هذا المنطلق سعت، هي نفسها، لعرقلة حضورها في مؤتمر "جنيف 2". ليس صحيحاً كل الكلام عن أنها كانت تريد الحضور وأن الدعوة سُحبت. هي نفسها سعت لذلك لكي لا يقال أن "جنيف 2" فشل بسببها، ولأنها تدرك أن الجولات الحالية مجرد ديكور لتفاهم لم ينضج تماماً بعد. لم ينتبه، ربما، بان كي مون إلى أن ايران قالت انها تحضر من دون إي شرط مسبق لكي تُسحب الدعوة منها. من يراجع تصريحات طهران بعد "جنيف 1" يفهم انها، مذاك، وافقت على بنوده، فلماذا ترفضها الآن؟ فقط لكي تجد ذريعة لعدم الحضور.

خامساً: بعد خروج قطر من الملف السوري وتسليمه إلى السعودية، هناك شخصيتان محوريتان خرجتا منه أيضاً، هما الأمير بندر بن سلطان والسفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد. معلومات موسكو وطهران تؤكد ان دور الرجلين انتهى.

سادساً: ملف النفط في لبنان صار في أوجه. لا يوجد سوى احتمالين، فإما تفاهم مع ايران وحزب الله وسوريا وروسيا لكي تدخل الدول مطمئنة إلى هذه الثروة الهائلة، أو محاولة القضاء على الحزب وحلفائه. يبدو ان الاحتمال الاول بات المرجّح.

هل ستسير الأمور، فعلاً، وفق هذه الوقائع ووفق رغبات محور روسيا ــــ ايران ــــ سوريا ــــ حزب الله؟

من المهم التذكير بأن الكونغرس الاميركي شرّع، قبل فترةـ اعادة تسليح المعارضة «المعتدلة». التذكير مهم، ايضاً، بأن لبنان بات مرتعاً لخلايا انتحارية تكفيرية نائمة. لم تظهر، على الأقل حتى الآن، اشارة إلى أن المحور الآخر تراجع فعلياً عن فكرة محاولة أخيرة لإسقاط النظام، أو على الأقل اعادة كسر التوازن العسكري، أو إحراج حزب الله بالتفخيخ والاغتيال. الحرب ستستمر اذاً. لكن اذا ما استمر معها التقدم في ملف التقارب الإيراني ــــ الغربي، واستمر معها تقدم الجيش السوري واقتتال المسلحين وتفكّك المعارضة، فان الأمور تبدو أكثر ميلاً لمصلحة الأسد وايران وحلفائهما من سوريا إلى العراق ولبنان وصولاً إلى اليمن. في هذا المشهد بالذات يبدو جيمس كلابر على حق.

وإذا ما اضيف إلى ذلك أن لا أخلاق في السياسات الدولية وإنما مصالح. يمكن للمرء أن يتوقع كل التحوّلات.

اخترنا لك