أزمة الحكومة اللبنانية.. بين النهاية السعيدة والمربع الأول
مؤشرات إيجابية عديدة طرأت على ملف تشكيل الحكومة اللبنانية المتوقف منذ أشهر، تمثل أبرزها بموافقة قوى 14 آذار ومن خلفها الرياض وواشنطن بالتشارك مع قوى 8آذار في حكومة واحدة. مؤشرات تبقى مرهونة بحل عقد حقيقية قد تعيد الأمور إلى نقطة البداية.
عشية انعقاد مؤتمر جنيف 2 في الثاني والعشرين من الجاري، تشهد الساحة السياسية اللبنانية حراكاً متسارعاً محوره تأليف حكومة جديدة على أساس (8+8+8).
في قراءة لمساعي التأليف والمراحل التي مرت بها، لا بد من ملاحظة التبدل في الموقف العربي والدولي من رافض لمشاركة حزب الله في أي حكومة جديدة إلى موافق عليها. ولكن، هل يحتّم ذلك تشكيل الحكومة اللبنانية قبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2 أم لا تزال هناك تعقيدات قد تعيد الجميع إلى المربع الأول؟
رفضت قوى 14 آذار ومن ورائهم الرياض وبدعم فرنسي قوي وبمباركة أميركية مشاركة حزب الله في التشكيلة الوزارية العتيدة في لبنان. تيار المستقبل المحسوب على المملكة العربية السعودية علل رفضه بانخراط حزب الله في الحرب الدائرة في سورية. استمر الرفض ووصلت الأمور إلى حد الترويج لإمكانية تاليف حكومة وصفتها أوساط مقربة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان و14 آذار لاسيما تيار المستقبل بالحيادية، أي أن حزب الله لن يكون مشاركاً فيها. الحزب وحلفاؤه شددوا على رفض تشكيل ما أسموه "حكومة الأمر الواقع" فيما حذّر رئيس جبهة النضال الوطني النيابية وليد جنبلاط من "مخاطرها وانعكاساتها المجهولة"، ليس أقلها العصيان السياسي ورفض تسليم الوزارات إلى وزراء الحكومة الجديدة. مصادر موثوقة أكدت أيضاً وجود رفض حكومة الأمر الواقع من قبل البطريركية المارونية.
كيف تبدل الموقف؟
في الأسبوع الاول للعام الجديد، وبعد اغتيال الوزير (عن تيار المستقبل) محمد شطح وتنفيذ التفجير الانتحاري الارهابي في ضاحية بيروت الجنوبية، تعقدت الامور، لكن بدا أن قوى 14 آذار مدعومة من السعودية متمسكة بتأليف حكومة بلا حزب الله وتردد ان الرئيس ميشال سليمان ماض قدما في إعلانها وتوقيع مرسومها. هنا تدخلت واشنطن. التوتر السياسي بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية كان قد وصل إلى مرحلة متقدمة على خلفية الاتفاق النووي بين الغرب والجمهورية الإسلامية في إيران.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري وصل أخيراً إلى الرياض. خلال زيارته أبلغ المعنيين رفض واشنطن القاطع تعريض لبنان لهزات أمنية تهدد الاستقرار وتوترات سياسية تدخل البلد في المجهول. تزامناً، باركت الولايات المتحدة ومعها دول الغرب حرباً معلنة على الإرهاب والقضاء عليه حيثما وجد، كما هو حاصل في العراق ومصر وسورية ولبنان. وتزامناً أيضاً، شهدت المحادثات الإيرانية الأميركية تقدماً جدياً حول الملف النووي في جنيف. بدا وكأن توترا في لبنان مع تأليف حكومة أمر واقع سيؤثر جدياً على تقدم الحوار النووي وتطبيق الاتفاق المرحلي مع الغرب في العشرين من الشهر الجاري.
تراجعت واشنطن عن دعمها تأليف حكومة تقوم على اقصاء حزب الله اقصاء تاما. تردد أن السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل أبلغ الى الرئيس سليمان بهذا الموقف.
لافتة كانت الأخبار التي نقلت أن الأمير السعودي “بندر بن سلطان” يقوم بـ "رحلة علاجية وشيكة إلى الولايات المتحدة الأمريكية"، وأن هذه الزيارة قد تشكل مدخلا جديداً لإعادة بلورة العلاقة المأزومة بين السعودية وواشنطن، على قواعد عمل وتفاهمات جديدة.
قبل ذلك أتى مفاجئاً القبول السعودي بحكومة 8+8+8 وعدم اشتراط إبعاد حزب الله، تبعه قبول قوي من تيار المستقبل ولا سيما من زعيمه سعد الحريري. رئيس الحكومة الأسبق كان قد كلف مدير مكتبه نادر الحريري متابعة الأمر في بيروت وهو في الواقع القيادي الأساسي الذي يدير ملف تأليف الحكومة داخل قوى 14 آذار نيابة عن سعد الحريري الحريص على تأليف الحكومة بمشاركة "ما" لحزب الله رغم رفض رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع.
تعقيدات التأليف تبقى موجودة
صحيح أن حكومة لن تقصي حزب الله أصبحت متداولة بشدة، ولكن هل تكون حكومة "حزبية" أم حكومة "سياسية"؟ يحرص حزب الله وحلفاؤه على الحكومة السياسية الحزبية، بما يتيح لوزرائه الحزبيين المشاركة. الفريق المقابل يفضّل حكومة سياسية يشارك فيها حزب الله عبر وزراء غير حزبيين على غرار الوزير السابق طراد حمادة.
لا يمكن لقوى 8 آذار والتيار الوطني الحر القبول باستئثار الطرف المقابل بالوزارات السيادية الأساسية ولا سيما الدفاع، والداخلية، والخارجية، حتى وإن منح الرئيس نبيه بري وزارة المال التي تعتبرها قوى 8 آذار غير ذي أهمية في هذه المرحلة. ولا تزال هذه القوى غير مستعدة لتسليم الخارجية الى الرئيس سليمان الذي يرديها للسفير ناجي أبي عاصي الا ضمن اتفاق على المداورة.
ولكن..هل هي مداورة تشمل كل الوزارت أم هي جزئية تشمل بعض الحقائب؟ وأيضاً، هل هي مداورة سياسية تتناوب القوى والتيارات السياسية عليها أم طائفية تبقي الوزارات بيد الأطراف السياسية ذاتها لكن مع تغيير طائفة الوزير؟
رئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن انه سيقبل بمداورة شاملة.. قد يكون هذا حلاً جذرياً عادلاً لتقسيم الوزارات، وقد لا يقبله البعض من الطرف المقابل، وحتى من حلفائه.
وفي حال تشكّل مجلس الوزراء، واستحال تأجيل الاتفاق على البيان الوزاري إلى ضرورة للحصول على ثقة مجلس النواب، كيف سيتفق الوزراء على إدراج بند ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي ترفضها قوى 14 آذار؟
إستحقاق جنيف 2
تحرص أوساط قريبة من رئاسة الجمهورية وقوى 14 آذار ودول خارجية على إعلان الحكومة قبل انعقاد مؤتمر جنيف 2 في 22 الجاري كي يمثل لبنان ويلقي كلمته وزير خارجية جديد لا يكون من قوى 8 آذار. هذا ما تعتبره هذه القوى تعقيداً سلبياً. فالتسرع في إعلان حكومة لكن من دون اتفاق او قبول من حزب الله، والتيار الوطني الحر، والرئيس نبيه بري ، سيعيد موضوع التأليف إلى المربع الأول وبالتالي إلى أزمة كبيرة وجدية وحقيقية.