"أم الكل" تؤنب أبناءها ولا تُسمّيهم
عاد الفنان "جو قديح" إلى منبره، إلى الـ "ستاند أب كوميدي" مع مسرحية بعنوان "أم الكل" (عن نص له أخرجه بنفسه) بعد فترة راحة، متكئاً على ريبرتوارجماهيري سابق شمل (حياة الجغل صعبة، فيلم سينما، أشرفية، غرام أو إنتقام، أنا، بتقتل، ميشال وسمير، الشر الأوسط، بلا طول سيرة، أبو الغضب)، لكنه لأول مرة يجسد دور إمرأة، وقد أدّاه بمزاج فني خاص وصل بفعالية إلى الحضور فصفّقوا وخاطبه كثيرون "ماما".
"جو" في مسرحيته (على خشبة مسرح الجميزة) يقدم شخصية سيدة عجوزتقرأ واقع الحال في لبنان ما بعد الثورة، فتمر على الكثير من أفعال الشخصيات المؤثرة في يوميات الحراك سواء من الثوار على الأرض، أو من جانب السلطة السياسية والعسكرية والإقتصادية، فلم يوفّر أحداً أو يتحاشى الترميز الواضح على أسماء المسؤولين الكبار ليسمع تصفيقاً مدوياً وعلامات مباركة أكدت على وجود أكثرية تدعم المنتفضين في وجه الفساد والسرقة وضياع ثروات البلد، وبأسلوبه الهادئ والمباشرقال الكثير، ولاقاه الحضور عند مقاصده فكان ضحك، وبرافو، وكلمة "ثورة"، بينما بدا النص مفخخاً بعبارات عديدة تدل على هويته المعارضة وإلتزامه خط الناس، مبرراً مخاوفهم وهواجسهم على نحو راق من دون التطاول على أحد أو إهانته.
"أم الكل" تعاملت بأسلوب الأمهات حين يخاطبن أبناءهن، مع قسوة دون تجريح في توصيف أوضاعنا الراهنة. والواقع أن أسلوب "قديح" ونصّه خدما الصورة المطلوبة لتوصيل الرسائل، وإلاّ فإن أحداً لن يسامحه إذا ما قررالإساءة أو التطاول، رغم أن الشاشات الصغيرة: أرضية وفضائية حافلة على مدار الساعة بإتهامات وكلام كبير وشتائم من دون أي محاسبة أو محاكمة. ولم يخلُ العرض من بعض المداعبات الكلامية طالت عدداً من الحضور في الصف الأول، والجميل أن الشخصية النسائية التي يؤديها لا تشبه الأسلوب المعروف غالباً لتجسيد الممثلين شخصية المرأة، هنا كان "جو قديح" يقدّم روح الشخصية وصورتها والكثير من العلامات الفارقة التي تميزها.
وما يزيد من قيمة العمل أنه يجيء في وقته، حيث البلاد على مفترق دقيق، وتحتاج إلى مونولوغ فني فاعل وعميق ومتوازن يُسهم في لملمة الأوضاع من خلال خطاب معتدل ومحترم، يبلغ الهدف وهو وضع الإصبع على الجرح، ليكون الثاني بعد الفنان "جورج خباز" الذي تناول واقعنا الراهن على الخشبة، واللافت أن أسماء فنية عديدة معنية بهذا النوع من المسرح لم تقل رأيها بعد.