"نوكتيلوكا": بين فوضى الأرض ورحابة الفضاء.. السعادة والخيبة سيّان
حدث على خشبة دوار الشمس في بيروت. مصممة الرقص يارا بستاني تعطي موعديْن مع جديدها: "نوكتيلوكا"، أمس الخميس واليوم الجمعة في 5 و6 تشرين الثاني / نوفمير الجاري. ضوء فني في عتمة كورونا.
40 دقيقة هي مدة العرض التعبيري الراقص: "نوكتيلوكا"، بطولة وتصميم وإخراج الفنانة يارا بستاني (30 عاماً)، على مدى عرضين (مساء يومي الخميس والجمعة في 5 و6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري)، استضافهما مسرح دوار الشمس (الطيونة – بيروت)، ولوحظ إقبال جماهيري جيد، فامتلأت الصالة التي وضعت علامات تشير إلى جلوس الرواد بطريقة مقعد شاغر بين كل مقعدين يشغلهما الرواد، حفاظاً على شروط التباعد الإجتماعي وتفادياً لعدوى كورونا.
لكن المشهد عند باب المسرح غيره في الصالة، فقد سيطرت الأشواق ومشاعر الصداقة الحارة على اللقاءات في صالون الإنتظار، وغابت الكمامة عن وجوه كثيرة، فانسحب جانب من الحضور إلى زوايا آمنة.
يارا وحدها على الخشبة، وتظهر فقط في نصف وقت العمل الذي هيمنت عليه المؤثرات الخاصة والمشهدية، مع بروز كتلة بيضاء ناصعة توسطت المسرح، رافقتها تعبيرياً إضاءة متقلبة (تصميم ريكاردو كالامانتي)، وموسيقى تصويرية (جيورجيوس غرغلاس).
ترصد حالة إنتاخ الكتلة وظهور حركة آدمية بصدد الإعلان عن حدث الولادة، إنها يارا، تزيح بقوة خاصة معالم هذا الوحش المضيء (دراماتورج رشا بارود)، الذي يعمي بصيرة الشخصية الراغبة في الانعتاق من أسر هذا العبء، وما هي إلاّ دقائق قليلة حتى ظهرت معالم المخلوق الجميل الرافض للإختباء والعامل على التحرر من ضغط الأزمات والمشاكل، نعم إنها هي الفتاة الحالمة بالنور والأمل، وفق مسار مموه تقلبت في غماره وتوجعت بانتظار فرج الفوز برحابة الضوء في الفضاء الشاسع (دعم تقني فرح نابلسي).
لكن الذي يفاجئ هنا أن الخروج من ضغط الفوضى ليس آمناً دائماً، وهو ما عبرت عنه يارا بحركتها البطيئة الأقرب إلى "السلو موشن"، بما يعني أن قلة حيلتها مع زوال الأعباء هي في عدم التعود على الحرية، وتخوض هنا معركة صامتة للتكيف مع المناخ الجديد: ضوء، مساحة رحبة، لا بشر، لا مخلوقات بل هي الدنيا النظيفة من كل الأدران التي تتآكلنا في رتابة الأيام وذيوع اللا سعادة. و"نوكتيلوكا" (دعم من: آفاق- الصندوق العربي للثقافة والفنون)، بهذا المعنى تؤكد أن الأمر سيّان بين الحالتين طالما أن القلب ينزف آلاماً لا تنتهي، فكيف لصاحبه أن يهنأ أو يطمئن طالما الدنيا من حوله لا تمنحه فرصة خلاص إلاّ بعد فوات الأوان وبالتالي لا معنى لها ولا موجب للاحتفاء بها.