بائعو الحظ يفتقدونه؟

تحت حماوة الشمس الحارقة, يناديك ,يستثنيك,يختار لك الورقة احيانا مؤكدا الربح وأنّ حدسه لا يخطئ . يفلش أوراقه أمامك، آملا ان تربح الجائزة الكبرى. يرافق صوته شقاء يومي. ملكه الوحيد أوراق يهدف بيعها جميعا ليؤمن لقمة عيشه التي لا تتجاوز العشرين الف ليرة يوميا .

اليانصيب عمره من عمر لبنان
لم يصدّق محمد الأمين أنّه ربح ورقة اليانصيب هذه المرة بعد محاولات متكررة .حالفه الحظ، بعد أن اعتاد  تبشير الناس يوم إعلان نتائج السحب. أعاد قراءة النتائج ليتأكّد أنّ الرقم الرابح يطابق ورقته . لا يزال رقم  ورقته الرابحة   67044  محفوراً في رأسه .يتذكر سنة 1967  بابتسامة عريضة عندما سارع ليخبر زوجته وأولاده أنّه ربح أربعون ألف دولار . هي سعادة لم تمحها السنوات و أحداثها .

قرّر بيع اليانصيب بعدما كان رزقه في معمل نحاس، و لكن حماوة النار أذت جسده.

منذ اربعين سنة، يبدأ نهاره في السادسة صباحا حتى المساء, يبيع ما بين ستين و سبعين ورقة . يربح على الورقة الواحدة  250ل.ل.  .زبائنه دائمون, يتفاءلون به عندما يأتي إلى شارع الحمرا والروشة والرويس. فقد باع الجائزة الكبرى ست مرات , حاصلا على إكراميات.

من وجهة نظره , الربح هو حظّ ّ كيف لكان. بينعرف من وجه الزبون اذا كان سيربح أو لا" يقول الأمين, و رغم ذلك يؤكد لكل زبون لم يحالفه أنه سيأتي يوما ويربح .

في الماضي, ضاقت الظروف عليه فاضطر أن يعود إلى قريته شقرا مصطحبا زوجته و أولاده السبعة لمدة ثلاث سنوات، بقي دون عمل معتمدا على مساعدات أهل زوجته.

و على الرغم من قساوة الأيام, لا يتمنى ممارسة مهنة اخرى. ينظر إليه البعض بحزن, مطمئنين كيف يستطيع تحمل الشمس الحارقة التي يحاول تجنّبها بعد أن أجرى عملية المي الزرقة .

في العقد الثامن من عمره, و لا يزال يسحب  اليانصيب واللوتو كل سحب على أمل أن يربح مجددا. فقد وزّع الاربعون الف دولار التي ربحها سابقا على اولاده ليشتروا بيوتا .

و في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد , يشير الأمين إلى إزدياد السحب، إذ يعلّق الناس أحلامهم بالورقة الرابحة .

بالنسبة الى صادق برجاوي, يختلف الأمر بعض الشيء, يجلس قرب مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت طيلة أيام الأسبوع منذ الصباح حتى المساء، و لكنه يستغل نهار السحب ليرحل باكرا . شلله النصفي يمنعه من التجول في المناطق كافة " ما بعرف إشتغل الاّ هون . عم آخذ رزقتي الحمدلله"  , لذلك لديه زبائن دائمين يشترون منه لعلهم يربحون كرجل  أعطاه خمسئة الف ليرة عندما ربح خمسة أرقام في اللوتو.

"إنشالله اربح ,لاضمن أن يكمّل اولادي الخمسة علمهم , وأقعد بالبيت" يقولها برجاوي بحسرة مع كل ورقة لوتو ويانصيب يقطعهما في كل سحب، فلولا المساعدات المادية لما إستطاع إدخالهم إلى المدرسة خصوصا أن التعليم مكلف في لبنان .

بعد واحد وعشرين سنة من بيع اليانصيب، يتمنى ان يعمل أي شيء غير ذلك , فمدخوله اليومي لا يتجاوز الخمسة وعشرين الف ليرة .

يحمل الحظّ بين اوراقه أينما ذهب, يتجول في مختلف المناطق يوميا. لا يتعطل سوقه صيفا أو شتاء. منذ ساعات الصباح الباكرة ,يعتمر قبعته مستعدا للعمل لعل دولاب الحظ يحل خيرا على الشارين.

تحت حماوة الشمس الحارقة, يناديك, يستثنيك, يختار لك الورقة احيانا مؤكدا الربح وأنّ حدسه لا يخطئ . يفلش أوراقه أمامك، آملا ان تربح الجائزة الكبرى. يرافق صوته شقاء يومي. ملكه الوحيد أوراق يهدف بيعها جميعا ليؤمن لقمة عيشه التي لا تتجاوز العشرين الف ليرة يوميا .

يلفت انتباهك بكلمة إعتاد تكرارها "بكرا السحب" إلا انّ تأثيرها قوي , تلمع في العقول كشرارة تزداد عند ذكر أصفار يصعب احتسابها. يختار أماكن معيّنة على أمل أن يحصل على زبائن دائمين يشترون منه ويتفاءلون بوجهه. الغالبية ينتقون بائع اليانصيب الذين يشترون منه. هو تكهّن أم تفاؤل بوجوه معيّنة. وكأنّه سبيل الوصول إلى الورقة الرابحة. قد يختارون رجلاً واحداً يعتادون الشراء منه.

تتعلق احلامك ببائع يانصيب مهما كان شكله أو عمره، يعدك بالربح كمئات غيرك، و لكن الجائزة الكبرى هي واحدة، يصعب نيلها ككبر آمالك.

بائع اليانصيب يجلب الحظ الى وجوه يجهلها ... يعدها بالهناء و الرفاهية فيما هو يبحث عنهما