صوتها ملء السمع وصورتها تتصدر الشاشات
الفنانة الكبيرة "شادية" تكاد تحضر في كل تفاصيل يوميات المصريين منذ الإعلان مساء الثلاثاء عن وفاتها التي لم تكن مفاجئة لأحد، بعد فترة العلاج الملتبسة، وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وزوجته لـ "معبودة الجماهير" في سريرها بغرفة العناية الفائقة بالمستشفى العسكري الذي كانت نقلت إليه بموجب أوامر من الرئاسة تكريماً لقيمتها الفنية، وما قدمته من خدمات جليلة بصوتها وأفلامها لمصر.
"شادية" يشع صوتها من كل سيارة أجرة عابرة، والشعب المؤمن الذي يأنس غالباً لتلاوات مباركة من آي الذكر الحكيم فعل ذلك بشكل مضاعف عن روح الحاجة المؤمنة والشفافة "شادية". "فارس أحلامي" كانت تبث من إحدى إذاعات شبكة المحطات المصرية، والسائق الذي ينقلنا بإحدى سيارات مهرجان القاهرة السينمائي إلى دار الأوبرا (حيث المركز الصحفي، مع صالتين للعرض السينمائي: المسرح الصغير، والهناجر) يردد الكلمات بسعادة غامرة، وينظر إلينا بعين ملؤها الحنان ويبادر "الله يرحمها". بينما ساد بيننا نحن الزملاء (من تونس والمغرب وسوريا) حوار نوستالجيا أوصلنا إلى رأي واحد سريعاً بأن الراحلة من الكبيرات اللواتي تركن تأثيراً عميقاً في الأذن العربية، كما كانت على الدوام ومن خلال أدوارها السينمائية (حتى آخرها مع أشرف فهمي: لا تسألني من أنا_ بطولتها مع يسرا) الحريصة على الصورة الهادفة لحضورها، تماماً كما أمضت سنوات الإعتزال العشرين قريبة من الأغاني الدينية بعيدة عما عداها من أمور الدنيا.
كنا في بداية الثمانينات حضرنا عرضها المسرحي الكاسح جماهيرياً "ريا وسكينة" وقد أدخلنا المخرج الراحل حسين كمال إلى غرفتها في الكواليس لتحيتها، وذهلنا عندما أفضنا بالكثير عن مميزات دورها وشفافية حضورها والكاريسما التي تتمتع بها، ولم ترد سوى بكلمتين خجولتين "أنا كدة". نعم هي كدة لا تسعى وراء شيء، أو تتعمد الكلام عن شيء، هي تقوم بواجبها وحسب أما الباقي فـ"على الله الإتكال"، نعم كانت لا تعير إهتماماً لما يكتب عنها أو يقال أو حتى يشاع، كانت على الطريقة المصرية "بحالها"، ولو أنها بالتفكير الإفتراضي أرادت المنافسة في الوسط الغنائي، لم يكن أمامها سوى "الست".. سوى "أم كلثوم"، لكنها إكتفت من الفن بمتعة الغناء، وشهرة الأدوار التي لعبتها أمام الكبار ومنهم "عماد حمدي" (أحد أزواجها) كما "صلاح ذو الفقار"، إضافة إلى "كمال الشناوي" و"عبد الحليم حافظ".
تغيب السيدة الكبيرة، لتبدو ساحة الكبار المخضرمين في مصر، أكثر غربة ووحشة، هي تخلو تباعاً من كل العلامات البارزة التي صنعت مجد الفن المصري الحديث، ورغم كثرة الفنانين الجدد فإنهم لا يملأون إطلاقاً فراغ العمالقة.