عاشا معاً، كبرا معاً، وسعدا بآخر أيامهما قبل تشييعهما في جنازة واحدة

رباط أبدي جمع "إيلاّ" (هيلين ميرين) و"جون سبنسر" (دونالد ساذرلاند)، تزوجا عن حب، وأنجبا شاباً يدعى "ويل" (كريستيان ماكاي) والفتاة "ساني" (جانيل موليني)، وفي لحظة غير متوقعة يقرر الزوجان أخذ الشاحنة الخاصة بالسفر ويغادران بها إلى جهة مجهولة، في محاولة من الزوجة لمعالجة زوجها على طريقتها من مرض النسيان المتقطّع الذي لم يبلغ حد الألزهايمر بعد بمعزل عن المستشفيات والأطباء، لنتعرف على قصة حب مختلفة، من خلال رحلتهما التي يرصدها شريط "the leisure seeker" للمخرج الإيطالي "باولو فيرزي" (54 عاماً) في ساعة و52 دقيقة، بوشرت عروضه العالمية مطلع العام 2018 بدءاً من باريس في 3 كانون الثاني/يناير.

الفيلم الذي تبارى في مسابقتي مهرجانيْ "تورونتو" و"البندقية" السينمائيين، يدخل على خط النجوم كبار السن، وإذ يتعاون مع الممثل الكندي "ساذرلاند" (83 عاماً) والإنكليزية من أصول روسية "ميرين" (73 عاماً) فإنما يهدف إلى تبيان المشاعر والهواجس التي يشعر بها الزوجان بعد تقدمهما في السن ويخلص إلى نتيجة حاسمة صاغها السيناريو الرائع لـلمخرج ومعه (ستيفن أميدون، وفرنسيسكو بيكولو، والكاتبة فرنسيسكا أرشيبوغي) عن الرواية المؤثرة لـ "مايكل زادوريان"، بأن الحل الأمثل لسعادتهما هو في التفكير والتنفيذ معاً بعيداً عن المحيطين بهما، وهي تتناول زوجين لطالما تعايشا على محبة رغم بعض النقاشات العقيمة التي تحصل بين الأزواج، وإستطاعا أن يُنشّئا ولديهما بشكل جيد وهادئ، لكن المهم في صورتهما أن القرارات ظلّت على الدوام في أيديهما، هما يدرسان معاً أي مشكلة تعترضهما، وهما وحدهما يضعان لها الحل المناسب.
عارض صحي يصيب "جون" الأمر الذي يستدعي نقله إلى أحد المصحات النفسية لعلاجه، ويتفق نجلاهما على اللقاء صباح اليوم التالي للمساعدة في نقله، لكن المفاجأة تكون مذهلة لجميع المحيطين بهما، الزوجان العجوزان غادرا المنزل على متن سيارتهما الخاصة بالرحلات، من دون الإتصال بأحد، أو إطلاع أحد على وجهتهما، خرجا بملابس رياضية مريحة، "جون" يقود أما "إيلاّ" فتمسك بخريطة الطرقات منعاً لحصول أي خطا في المسار المطلوب، وخلال الرحلة تدور بينهما حوارات عديدة، مهمة وسطحية في آن، لا تخلو من لحظات إنعدام التوازن، عندما لا يعرفها "جون" ويناديها بإسم إمرأة أخرى كان يعرفها فتثور عليه، ثم يعود فيعتذر ويُسوّي الأمور بالطريقة المعهودة بين الأزواج.
ولا تخلو الرحلة من بعض الأكشن عندما يحاول شابان موتوران سرقتهما، وعندما تستأذنهما الزوجة لجلب علبة المال من الحافلة، فتعود ومعها مسدس بفوهتين وتهددهما به فيتركا كل شيء ويغادران. ويحصل أن "جون" أصابه عارض صحي ونقل إلى المستشفى، بعد ليال من السعادة والفرح،عاشاها بأدق تفاصيلها، كأنهما يودّعان الحياة، قبل الرحيل إلى حياة أخرى تجمعهما بعد الموت في مكان آخر، وهو ما إستدعى الإتصال بولديهما، وكانت هذه آخر فصول الرحلة الأخيرة قبل بلوغ الآخرة، التي رحلا إليها كما أرادا دائماً وكما عاشا معاً، نعم لقد شُيّعا في جنازة واحدة.