ليلة أمتعتنا "أميمة" سمعاً وروحاً

ليلة الخميس في السابع عشر من كانون الثاني/يناير الجاري إختلفت عن ليال كثيرة عشناها سماعاً لموسيقى رائعة، أو لصوت خاص مثير للإعجاب، لقد فزنا بمتعة سمعية نادرة أعادت إلينا روح التفاعل العالي مع الأصوات المؤثرة في القلب والوجدان تماماً كتشنيفها للآذان التي تقيس بميزان الروح وترفد الأبدان براحة ونشوة لا يعرفها سوى متذوقي الصوت الأصيل الناطق بإسم الحنايا والخاضع للإلهام فقط.

على خشبة "بيار أبو خاطر" كان اللقاء. الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق عربية خضعت لقيادة الفنان اللبناني المقيم والعامل في دولة الكويت "عبد الله المصري" حامل توصيف المؤلف والباحث الموسيقي المتعمق في دراسة وتعليم الأنغام، حضر إلى بيروت في إجازته الأسبوعية وأدار برمجة غنائية لصاحبة الصوت الأنقى والأجمل الذي غرّد طويلاً على أنغام الفنان "مرسيل خليفة" وتُجرّب منذ سنوات مع زوجها "هاني سبليني"، وكورال الفيحاء، والفنان "خليفة"، والمايسترو "المصري" الذي وضع لها مجموعة أغان تلتقط الطبقة الأكثر تأثيراً في صوتها. إنها المطربة "أميمة الخليل"، التي أجادت غناء9 أغنيات (حبيبي قال إنطريني، وقلت بكتبلك، قديش كان في ناس، عصفور، بكتب إسمك، بكرم اللولو، تكبر فيّ الأعمار، كانوا يا حبيبي، ويا بني أمي) وزّعها (المصري، الأخوين رحباني، خليفة)، إضافة إلى عزف عدة مقطوعات موسيقية مستقلة (يا حزين القلب – من التراث الكويتي، لونغا – لـ فهد الفرس، بشرف كُرد – لـ مرسيل خليفة).

سهرة حملت في أجوائها كل معاني الفن الأصيل، خصوصاً وأن الإعداد لها أثبت أن خبير الموسيقى هو الأقدر على وضع الأمور في نصابها، وليس بعض الهواة الذين تُطلق عليهم ألقاب فضفاضة سرعان ما تهبط بهم المنابر تماماً كما يهبطون بالمادة التي يقدمونها. "أميمة" مطربة آسرة بصوتها، وذكائها الفني، وثقتها المطلقة بطاقتها الخلاّقة، مع أُذن مرهفة السمع وإحساس دقيق لا يمتلكه إلاّ الفنانون الكبار أصحاب الموهبة والإبداع والأقدر على التغيير في كل مرة يُطلون على جمهورهم. بهدوء وإحترام ووقار ووجه مبتسم متواضع، غنت كأنها لا تُغنّي، لم تجهد أنفاسها ولا كانت مشدودة الأعصاب بل كبيرة في وقفتها حتى عندما يشتعل التصفيق مع كل مفصل من مفاصل غنائها.

المايسترو الأستاذ "المصري" ربما خالف العُرف المعهود وصفّق لـ "أميمة" مباركاً أداءها أكثر من مرة، وربما لم يكن مزوداً بعصا قيادة الأوركسترا على عادة قادة الأوركسترا، إلاّ أنه ضبط بيديه العاريتين وإبتسامته السمحاء كامل أفراد الأوركسترا فإستحق وإياهم مع الكورال(14 شخصاً) كل التقدير والإعجاب.