"خبطة قدمهن عالأرض".. فلامنكو

ليلة الخميس في 19 تموز/يوليو الجاري ألهب فيها 30 راقصة وراقصاً أسبانياً هم أعضاء فرقة "Antonio gades dance company" خشبة الساحة الرئيسية في قصر "بيت الدين" بألوان من الفن الأسباني الخالد "الفلامنكو"، وبدت المشاهد على مدى فصلين أقرب إلى الإحتفالية باللوحات والألوان والقامات السامقة لصبايا وشباب، تشرّع أيديها في فضاء المكان لتضرب أكعابها بقوة كجزء من إيقاع الموسيقى الأجمل على أنغام الغيتار وأصوات تغرّد بالأسبانية بإحساس عميق ومتدفق.

الأندلس بكل ما حمله التاريخ إلينا من حضارة وثقافة كان لأمتنا الناطقة بالضاد فضل كبير في إثرائه وإستمراريته، كان حاضراً في المناخ العام والفساتين الزاهية والطويلة مع تقطيع متدرّج في القصّات حتى أسفل القدمين، بينما صورة الثقة والتباهي بالقدرة على النشوة وتقديم أبدع صورة عن المصاهرة بين التاريخ ومكوّناته، والروح التي حكمت بلاد الأندلس عدة قرون، فكان أن عشنا الأمس بالصورة والصوت، تشكيلات رائعة مترابطة أحسسنا معها غالب الأوقات وكأن الكلمات المستعملة في الأغاني عربية، وعندما بنينا المشهد على ما حملته إلينا كتب المؤرخين الموسيقيين الكبار عرفنا أن الكثير مما تحمله إلينا الصياغات اللحنية المعاصرة مُستقى وبالتتابع الزمني من حضارة الأندلس الراسخة في عقلنا الباطني كذاكرة خصبة.

الفرقة الأسبانية التي تحمل إسم واحد من حرّاس تراث الفلامنكو، يبدو أنها تعمدت إقامة حفلتيها بتاريخ 19 و20 تموز/يوليو الجاري، الذي يصادف مرور 14 عاماً على وفاة المؤسس "أنطونيو غاديس" (في 20 تموز/يوليو 2014) بحضور زوجته الخامسة على رأس الفرقة تتويجاً لمسيرة غنية بالعطاءات والإنجازات، ونحن إلتقيناه في مؤتمر صحفي في قصر "مهرجان كان السينمائي الدولي" عام 1984 يوم حضر مع المخرج العالمي "كارلوس ساورا" وزميلته الراقصة الأولى "لورا دل سول"، العرض الأول للفيلم التحفة "كارمن"، وفاجأنا عندما سألناه بالفرنسية فرد علينا ببضع مفردات عربية "إحكيني عربي بفهم شوي" وإبتسم بسعادة، لنعرف بعدها أنه ومن خلال تبحره في تاريخ الفلامنكوعرّج على مراجع عربية متعاوناً مع مترجم لمعرفة ما أمكن من خيوط تربط واقع الحال في الأندلس بمكوناته من العرقيات المختلفة.

أمضينا ساعتين من المتعة الخالصة، أخذنا العرض (عرس الدم، وlos tarantos) من مكاننا وأسكننا في موقع آخر مع مناخ حاضن من المشاعر الحارة تجاه موسيقى ولا أجمل بدوْنا معها في حال من التجانس والتفاعل كما لو أنها من صنع مبدعين معاصرين وليس من زمن غابر، وهذا يدل على أن التاريخ حاضر بصوره المختلفة، وأن ما نُخزّنه بالتواتر يعود للحياة مع كل حدث فيه نوستالجيا صادقة.