"سفيرتنا إلى أبعد النجوم" وإلى أعمق أعماقنا
فيروز أعادت رسم الأمومة والوطنية والقومية والشهادة وشكل المدينة وأعادت للجبال خضرتها، وللقرية أهلها وطيبتهم. أحيت فينا الجمال، وإن لم تجده خلقته.
في أحد أحياء الشام صوتٌ يصدح
مقارعاً صوت سقوط القذائف، صدى عميق يردد: "احكيلي احكيلي عن بلدي احكيلي"،
لحنٌ يمرّ على الأحياء بحجارتها العتيقة، ويطوف فوق بوابات دمشق السبع. ويدق أبواب
بيوتها: "أبواب أبواب.. شي غرب شي صحاب". في الشام، الجميع منشغلٌ بنفسه،
وبالحرب، أو بما أفرزته من آلام تحتاج من الناس عناية دائمة لترميمها. غير أن الياسمين
متفرّغ ليشرب من صوت فيروز.
تشعر في دمشق أن وردها يسمع عندما تغنّي فيروز، لا يحيا إلا معها. ربما تعود علاقة ذلك الصوت بالشام إلى علاقة الحب التي جمعته سابقاً ببردى، وبتدمر، وحلب. هذه العلاقة التي توّجت فيها فيروز الشام بتاج المجد. بل عرّفت المجد بالشام حين قالت: شام ما المجد؟ أنت المجد لم يغب!
صوت فيروز، كانت الشام هواءه الأول، يوم انطلق من إذاعة دمشق، ليرادف اسم لبنان أينما حل، ويصبح أنيس جلسات القاهرة، وصديقاً دائماً لزهرة المدائن.
ندهت للجميع أن يصرخوا بوجه الظلم وأن يحتفظوا بالحرية والشمس والضوء لأنهم أغلى ما يملكه أي إنسان.
فيروز دخلت من دون أي استئذان كل قصص الحب والفراق، فأبدعت "لا أنت حبيبي ولا ربينا سوا". فيروز خاطبت جميع الفئات العمرية، فكبار السن واكبوها وصغار السن يعيشون على صوتها. غنّت لسنين العمر التي تمرّ بسرعة البرق لتنساها عند باب الطفولة وترد لها ضحكات العمر.
وحده الشاعر أنسي الحاج عبّر عن ذاك الصوت الخيالي عندما وصفها "فى حياتنا لا مكان لفيروز، كل المكان هو لفيروز وحدها. ليكن للعلماء علم بالصوت وللخبراء معرفة، وليقولوا عن الجيد والعاطل، أنا أركع أمام صوتها كالجائع أمام اللقمة، أحبه فى جوعى حتى الشبع، وفى شبعى أحبه حتى الجوع".
لم تميّز فيروز بين البلدان العربية، فغنّت لكل الأقطار. ومع أن غضبها الساطع خبأته للقدس، إلا أنها غنّت مكة، وعمّان، ومصر والعراق وغيرها.. وهي غنّت الأم والأب، والأخت يارا التي تهزّ سرير أخيها. في حياتها، ظلّت الملكة رفيقة الظل، لم تبهرها الأضواء، بل حرصت على الهروب من العدسات ومن نهم الصحافة ومتربصيها. عاشت حياةً تشبه حكايات أغنياتها. هدوء وقهوة وصوت فيروز ربما.
ومع أنّ كل الإعلاميين يطمحون حدّ الحلم بلقائها، غير أنها آثرت على نفسها حفظ جواهرها من الأعين، فظلّت كنزاً حاضراً في كل يومياتنا، ومستتراً خلف حضوره الطاغي. حضور يومي كالإدمان في حياة المدمن. وغياب مستمر كالغربة. مزيج من المشاعر احترفت فيروز إشعالها فينا. تناقضات حياتها. الثنائيات الحاضرة في أغانيها. اللقاء والفراق. الحب والعذاب. الحرب والسلام. الحياة والموت، الحياة وحياة الشهادة. القرية بكل عذوبتها، والمدينة بكل تفاصيل شوارعها وناسها. فيروز هي اختصار لكل ذلك. ولكنها ليست الاختصار الحقيقي. بل إنها اختصار أجمل من الحقيقة. هي العروبة لا كما هي، بل كما يجب أن تكون. وهي الوطن أحلى مما هو واقعاً. وهي الناس أحبّ مما هم في يومياتهم. تشبه فيروز الحنين الذي يصفّي الأياء من شوائبها. عالم نقي من الفرح لا تشوبه شائبة، ولا ينغص حلاوته أي دخيل.
فيروز باختصار على عاتقها تجميل عالمنا بكل تفاصيله. فأعادت رسم الأمومة والوطنية والقومية والشهادة وشكل المدينة وأعادت للجبال خضرتها، وللقرية أهلها وطيبتهم. أحيت فينا الجمال، وإن لم تجده خلقته. ففي عزّ الاقتتال اللبناني، كان الجميع يسمعون فيروز. كانت هي بالنسبة لهم أهم نقاط اللقاء مع بعضهم البعض. أكثر من مفهوم الوطن نفسه، وأكثر من العلم الذي اختلفوا حوله. وهي وحدها في الحرب الطائفية تجاوزت الطوائف. ولم يقل أو يشعر فرد واحد يوماً ان فيروز تنتمي لطائفة واحدة. فيروز بالنسبة للبنانيين أكثر قدسية من الأرزة.
تشعر في دمشق أن وردها يسمع عندما تغنّي فيروز، لا يحيا إلا معها. ربما تعود علاقة ذلك الصوت بالشام إلى علاقة الحب التي جمعته سابقاً ببردى، وبتدمر، وحلب. هذه العلاقة التي توّجت فيها فيروز الشام بتاج المجد. بل عرّفت المجد بالشام حين قالت: شام ما المجد؟ أنت المجد لم يغب!
صوت فيروز، كانت الشام هواءه الأول، يوم انطلق من إذاعة دمشق، ليرادف اسم لبنان أينما حل، ويصبح أنيس جلسات القاهرة، وصديقاً دائماً لزهرة المدائن.
ندهت للجميع أن يصرخوا بوجه الظلم وأن يحتفظوا بالحرية والشمس والضوء لأنهم أغلى ما يملكه أي إنسان.
فيروز دخلت من دون أي استئذان كل قصص الحب والفراق، فأبدعت "لا أنت حبيبي ولا ربينا سوا". فيروز خاطبت جميع الفئات العمرية، فكبار السن واكبوها وصغار السن يعيشون على صوتها. غنّت لسنين العمر التي تمرّ بسرعة البرق لتنساها عند باب الطفولة وترد لها ضحكات العمر.
وحده الشاعر أنسي الحاج عبّر عن ذاك الصوت الخيالي عندما وصفها "فى حياتنا لا مكان لفيروز، كل المكان هو لفيروز وحدها. ليكن للعلماء علم بالصوت وللخبراء معرفة، وليقولوا عن الجيد والعاطل، أنا أركع أمام صوتها كالجائع أمام اللقمة، أحبه فى جوعى حتى الشبع، وفى شبعى أحبه حتى الجوع".
لم تميّز فيروز بين البلدان العربية، فغنّت لكل الأقطار. ومع أن غضبها الساطع خبأته للقدس، إلا أنها غنّت مكة، وعمّان، ومصر والعراق وغيرها.. وهي غنّت الأم والأب، والأخت يارا التي تهزّ سرير أخيها. في حياتها، ظلّت الملكة رفيقة الظل، لم تبهرها الأضواء، بل حرصت على الهروب من العدسات ومن نهم الصحافة ومتربصيها. عاشت حياةً تشبه حكايات أغنياتها. هدوء وقهوة وصوت فيروز ربما.
ومع أنّ كل الإعلاميين يطمحون حدّ الحلم بلقائها، غير أنها آثرت على نفسها حفظ جواهرها من الأعين، فظلّت كنزاً حاضراً في كل يومياتنا، ومستتراً خلف حضوره الطاغي. حضور يومي كالإدمان في حياة المدمن. وغياب مستمر كالغربة. مزيج من المشاعر احترفت فيروز إشعالها فينا. تناقضات حياتها. الثنائيات الحاضرة في أغانيها. اللقاء والفراق. الحب والعذاب. الحرب والسلام. الحياة والموت، الحياة وحياة الشهادة. القرية بكل عذوبتها، والمدينة بكل تفاصيل شوارعها وناسها. فيروز هي اختصار لكل ذلك. ولكنها ليست الاختصار الحقيقي. بل إنها اختصار أجمل من الحقيقة. هي العروبة لا كما هي، بل كما يجب أن تكون. وهي الوطن أحلى مما هو واقعاً. وهي الناس أحبّ مما هم في يومياتهم. تشبه فيروز الحنين الذي يصفّي الأياء من شوائبها. عالم نقي من الفرح لا تشوبه شائبة، ولا ينغص حلاوته أي دخيل.
فيروز باختصار على عاتقها تجميل عالمنا بكل تفاصيله. فأعادت رسم الأمومة والوطنية والقومية والشهادة وشكل المدينة وأعادت للجبال خضرتها، وللقرية أهلها وطيبتهم. أحيت فينا الجمال، وإن لم تجده خلقته. ففي عزّ الاقتتال اللبناني، كان الجميع يسمعون فيروز. كانت هي بالنسبة لهم أهم نقاط اللقاء مع بعضهم البعض. أكثر من مفهوم الوطن نفسه، وأكثر من العلم الذي اختلفوا حوله. وهي وحدها في الحرب الطائفية تجاوزت الطوائف. ولم يقل أو يشعر فرد واحد يوماً ان فيروز تنتمي لطائفة واحدة. فيروز بالنسبة للبنانيين أكثر قدسية من الأرزة.