"آخر واحد فينا" شريط ممتع من دون حوار، أو موسيقى، أو قصة
"يكفي هذا الفيلم فخراً أنه قدّم شريطاً مصوّراً نموذجياً أدهش كل من شاهده، بعيداً عن كل عناصر السينما المعروفة" هكذا وصّف المخرج التونسي المخضرم فريد بوغدير، شريط: "آخر واحد فينا"لمواطنه علاء الدين سليم، الذي نال جائزة أسد المستقبل من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في الدورة 73 ، وتوّج منذ أسابيع قليلة بالتانيت الذهبي لأفضل عمل أول.
"حافزي لشريط من هذا النوع رغبتي في فيلم حقيقي،
أردت البطولة للطبيعة، لكل عنصر فيها، وبالتالي أن أعود إلى الأصل، إلى
البدائية" هكذا رد المخرج سليم على سؤالنا عما دفعه لفيلم من دون شخصيات أو
نص أو موسيقى تصويرية. الصورة التي إشتغل عليها المخرج كان مطلوباً أن نحسّها،
نلمسها ونعيشها بكل ما للكلمة من معنى، وأن نكون مع الشخصية التائهة على تماس
مباشر، نبرد، نتعثّر، نخاف، نتوقف أو نمشي،نغتسل بماء المطر أو بما يجده مناسباً
من السواقي والأنهار، وأن نظل مثل الشخصية الرئيسية (جوهر السوداني – لقبه فاجو)
أمامنا لا مبالين، لا ردّة فعل واضحة، ولا تسجيل لأي موقف من أي نوع، وحدها
الطبيعة الصادقة في هذه اللعبة.
الإنتاج مشترك بين تونس، الإمارات العربية المتحدة، قطر،
ولبنان( عبر شركات: إكزيت للإنتاج،إنسايد للإنتاج، ستوديوهات ماد بوكس،ودأسفي
دبي)، والشريط عفوي، صامت، يتيح في الصحراء للعواصف والرمال وأصوات الحيوانات
البرية أن تحضر بفاعلية لإعطاءالمناخ العاطفي المطلوب لنكون في صورة الرجل
الرحّالة، الذي لم نسمع له صوتاً على مدى 94 دقيقة هي مدة الشريط الجميل والمؤثر:
" آخر واحد فينا" الذي تحضر فيه شخصيتا( فتحي عكاري، وجيد قورتي)، إلاّ
عندما سها وسقط في حفرة وأصيبت رجله بجرح بليغ فصرخ: آخ.ثم عاد إلى صمته الدائم،
في رحلته أولاً عبر الصحراء ثم عبر الغابة لكي يهتدي إلى أفضل السبل وبلوغ بوابة
أوروبا هرباً من جحيم بلده.
يطوي المسافات الطويلة ماشياً على قدميه يواجه المخاطر،
والمفاجآت، يأكل أي شيء يتوفر له، لم يتأفف، أكل حيوانات مشوية إصطادها بالصدفة،
وأخرى نيأة. لم يستعمل وسيلة نقل، لم يفكر بأحد أبداً بما يعني أنه قرر ترك الوطن
والعائلة وحتى الطبيعة التي يعرفها جيداً ويحفظ تفاصيلها لكي يصل إلى الجنة
الموعودة أوروبا لبدء حياة جديدة تعوّضه كل الذي تحمله في وطنه على مضض، معتبراً
أن وقت التغيير أزف، لكننا أمام واقع صعب إنقلبت فيه صورة الربيع العربي إلى خريف
قاتل، مع ذلك تلوح في الأفق معالم حضارة وناس فيرى فيها بطلنا أملاً يرتجى.