الاقتصاد بوابة عبور دخول روسيا لبنان

تُبدي روسيا استعدادها لدخول لبنان بغضّ النظر عن  الفيتو الأميركي، فالمهمّ هو قناعة اللبنانيين بضرورة إنقاذ بلدهم.

  • الاقتصاد بوابة عبور دخول روسيا لبنان
    الاقتصاد بوابة عبور دخول روسيا لبنان

روسيا، تلك الدولة التي أصبحت بعد عام 2005 بين الدول المؤثّرة في الأوضاع في العالم، أثبتت أهميّة حضورها مع بداية الأزمة السورية عام 2011، فكانت بوابة عبورها للتنافس مع القطب الأساسي في العالم؛ الولايات المتّحدة الأميركية.

مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان، وليس آخرها طوابير الانتظار في محطّات الوَقود بعد شحّ الكميات التي تُستورد جرّاء نقص الدولارات لدى المصرف المركزي، الذي بات يدعم تلك السلعة الحيوية وفق سعر 3900 ليرة للدولار، ليتجاوز سعر صفيحة البنزين الواحدة 75 ألف ليرة، في بلدٍ، ما زال الحدّ الأدنى للأجور فيه 675 ألف ليرة.

تفاقمت أيضاً أزمة انقطاع الكهرباء، في ظلّ عجز المصرف المركزي عن تأمين الاعتمادات اللازمة لشراء الفيول، وانقطاعٍ شبه تامّ لمادة المازوت التي تُستخدم من جانب أصحاب المولّدات لبيع اشتراكات الكهرباء للناس، بالإضافة إلى المخابز والمستشفيات والمعامل، بحيث تجاوز سعر الصفيحة الواحدة 130 ألف ليرة في السوق السوداء.

وبالرغم من العروض الإيرانية لتزويد لبنان بالمشتقات النفطية بالليرة اللبنانية، والعروض الاستثمارية الصينية لإعادة إعمار المرفأ المدمَّر بعد انفجار 4 آب/أغسطس الهائل، وتشييد محطات كهرباء وشبكة قطارات تخفّف عن اللبنانيين وِزْرَ الأزمة من دون دفع أيّ سنت واحد، فإن لبنان الرسميّ رفض كلّ هذه العروض على الرغم من حالة الانهيار التي يعانيها، وبلوغ الليرة انحداراً غير مسبوق، بحيث تخطّى سعر الدولار 20000 ليرة. وتواصَلَ الاهتمام الشرقي مع دعوة بعض الأطراف اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله، للسير في هذه العروض بهدف إنقاذ البلد. 

وكان آخرَ تجلّيات هذا الأمر، الاهتمامُ الروسي الذي يعتبر لبنان مدىً حيوياً لوجوده في سوريا، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، من خلال عروض متعدّدة لمساعدة لبنان نفطياً وكهربائياً. 

فهل يقبل لبنان الرسمي، الذي يعاني أزمة تشكيل حكومة، المشاريعَ الروسية؟ وبالتالي، يوفّر عليه مزيداً من الاستنزاف للعملة الصعبة، ويحدّ حالةَ الانهيار التي يعانيها، في الصعد كافّةً.

نعم، روسيا قدّمت وما زالت تقدّم عروضاً. فهل مَن يقبل؟ 

هي ليست الأولى، فهل ستسمح بذلك القوى الداخلية والجماعات المستفيدة من تجارة المشتقات النفطية؟ مع العلم بأنّ هذه التجارة تصل قيمتها إلى 4.7 مليارات دولار سنوياً. وأيضاً، هناك أصحاب مصالح ومستفيدون من "الكعكة" لن يسمحوا بتحويل البلد من بلد مستورِد لهذه الكمية من المحروقات، مع ما يَجْنونه من العائدات نتيجة ذلك، إلى بلد مكرّر للنفط!

جرت منذ سنوات اتصالات بالدولة الروسية للدخول للبنان من أجل الاستثمار فيه، إلّا أنّ الحكومة في موسكو لم تكن تضع لبنان ضمن ردار اهتماماتها، قبل أن ينقلب الموقف الروسي بالتدريج، ويبدأ الاهتمام بلبنان قبل أكثر من عام. 

في منتصف آذار/مارس الماضي، قرّرت روسيا رسمياً دخول لبنان اقتصادياً، جرّاء عدة اعتبارات، منها الوجود الروسي في سوريا، والدور الذي تؤديه موسكو، وحالة الانهيار التي يعيشها لبنان.

والحضور الروسي القوي بات جُزءاً من تكوين المنطقة، وهو مستمرّ لمئة عام على الأقل. كما باتت روسيا أكبر مستثمر في الأشهر الأخيرة في العراق، ولُزّمت الشركات الروسية الرقعة العاشرة، وهي أكبر رقعة نفطية في العراق، وتساوي قيمتها عشرة أضعاف مجموع الاستثمارات في لبنان. كما دخلت روسيا مصر بقوة، وأبرمت اتفاقية لمدّ الأردن بالقمح.

في ظلّ هذا كلّه، لا يمكن استثناء لبنان، وخصوصاً أن روسيا تعتبره مدىً حيوياً لها. فأبعد نقطة في لبنان تصل إلى 230 كيلومتراً عن قاعدتي حميميم وطرطوس.

العرض الروسي

عندما تريد روسيا دخول إحدى الدول، تنشئ شركة تضمّ أناساً عملوا في عدة مؤسسات، ويملكون خبرة طويلة في المجال المطلوب. وتكون لهذه الشركة تجربة تتطابق مع حاجات البلد. وأعلن السفير الروسي في بيروت أنّ هذه الشركة (شركة الهندسة المائية والبناء الروسيّة) هي التي اختارتها روسيا، ووضعت بين يديها إمكانات الشركات الروسية العملاقة، المالية والتقنية، بالإضافة إلى دعم الحكومة الروسية. 

وأكّد السفير الروسي، ألكسندر روداكوف، الذي كان حاضراً في كل الاجتماعات، أنّ هذه الشركة مدعومة من الحكومة الروسية، وهي التي تنسّق المشاريع الروسية في لبنان. وهذا الدخول الروسي لا يعني انقلاباً وتغييراً في وجهة البلد، فالغرب متحكّم فيه، ودخول روسيا يقوم بتصحيح الوضع، ولو بنسبة معيّنة تصل إلى 5 أو 10 في المئة.

وتُبدي روسيا استعدادها لدخول لبنان بغضّ النظر عن الفيتو الأميركي، فالمهمّ قناعة اللبنانيين بضرورة إنقاذ بلدهم. وفي المحصّلة، فإنّ كل القوى الأساسية أبدت تأييدها المشاريع الروسية، لكنّ الاختبار هو في جدّية الالتزام، وخصوصاً أنّ هناك عدة عروض متعلّقة بالنفط والكهرباء. ويتضمّن العرض الروسي، وفق دراسة أولية، إقامة مصفاة صغيرة تؤمّن حاجات لبنان من المشتقات النفطية في المدى الزمني المتوسط، تُقام في الزهراني، خلال الفترة المقبلة.

وإقامة هذه المصفاة سيوفّر على لبنان الاستنزاف من استيراد مشتقات نفطية بقيمة 4.7 مليارات دولار سنوياً، وخصوصاً أنّ كلّ دولار يُدْفَع للحصول على نفط خام يتضاعف أربع مرات بعد تكريره. وأيضاً، هناك مشروع آخر، هو إقامة مصفاة ضخمة في الشمال في طرابلس، من شأنها إعادة لبنان إلى خريطة الدول النفطية المطلة على البحر المتوسط، وهو ما يؤمّن حاجاته، ويجعله قادراً على التصدير إلى الخارج، ويجلب بالتالي إلى الخزينة عائدات بالعملة الصعبة، مع تشغيل عدّة قطاعات تؤمّن استثمارات وفرص عمل.

بالإضافة إلى موضوع المصفاتين، عمل الوفد الروسي، الذي زار بيروت مؤخّراً، على استطلاع حالة مرفأَي بيروت وطرابلس، وهو في صدد الإعداد لدراسة متكاملة بشأن ما يحتاج إليه المرفآن والأهراءات، لتقديمها بصورة متكاملة خلال الفترة المقبلة. وأعدّ مهندسون لبنانيون متطوعون دراسة كاملة من 38 صفحة بشأن مرفأ طرابلس وإمكانات تطويره، قُدِّمت إلى الروس للبناء عليها.

ومع الحديث عن عقوبات تطال الشركات الروسية، أكّدت هذه الشركات، بعد اجتماع عُقد مع حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة، بحضور السفير الروسي في بيروت، أنّ لديها أعمالاً في الغرب، وتملك حسابات في مصارف بريطانية وسويسرية، وهي تحتاج إلى تعاملات مالية. وهي غير ملاحقة من جانب أيّ جهة عندها. وأكّد سلامة ترحيبه بالتعاون، وخصوصاً أنّ هناك التزاماً بشأن الشروط  الدولية. 

الروسي يريد الاستثمار في هذا البلد، وفق نظام الـ (BOT)، أي لا يكلّف الدولة  اللبنانية فلساً واحداً. ويُعتبر البلد مدىً حيوياً له، ولا يريد التفريط به. والمهم، أن العرض الروسي جديّ، على الرغم من أنّ الدولة اللبنانية أعلنت في آذار/مارس 2020 تعثّرها عن السداد، وبالتالي لم تعد كفالتها السيادية مقبولة، وهي تحتاج إلى كفالة وضمانة من صندوق النقد والبنك الدوليّين. ولا يوجد أيّ شركة في العالم مستعدّة لقبول كفالة الدولة اللبنانية، لا غربًا ولا شرقًا، باسثتناء إيران.

أمّا روسيا فأكّدت استعدادها لقبول كفالة الدولة اللبنانية، وفق نظام الـ (BOT). وبالتالي، لا يحتاج لبنان إلى كفالة صندوق النقد أو البنك الدولي.

والروسي مقتنع بأنّ لدى لبنان إمكانات وخيرات وطاقات، والروس جاهزون للمباشرة في العمل بعد الموافقة اللبنانية، من دون انتظار الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد، أو موافقة من البنك الدولي، الأمر الذي يوفّر على لبنان مزيداً من الأزمات، ويُكسبه وقتاً إضافياً. 

فهل ستجرؤ الدولة اللبنانية؟ وهل ستقبل القوى الحاكمة الدخول الروسي، وانتشال لبنان من أزمته؟ سؤالان برسم من يدير هذا البلد!!

اخترنا لك