أموال المودعين رهينة الخيارات المالية.. هل توجد خيارات لإعادتها؟
الدكتور حسن مقلد يشرح للميادين نت أسباب الأزمة الأقتصادية في لبنان، ويطرح سلسلة من الإجراءات والحلول التي تستطيع أن تغيّر حال البلد بشكل كامل.
-
متجر لبناني في سوق في مدينة طرابلس الساحلية اللبنانية شمال بيروت (أ ف ب).
بعد 15 شهراً على الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، ومنها احتجاز أموال المودعين بالعملة الأجنبية وتقييد السحب بالليرة اللبنانية، يطرح السؤال الآتي: هل هناك حلّ لإعادة أموال المودعين في ظل أزمة غير مسبوقة يعيشها لبنان واقتصاده، علماً أنّ الودائع كانت قبل 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 حوالى 120 مليار دولار، إضافة إلى نحو نصف هذا المبلغ بالليرة اللبنانية؟
على الرغم من عمليات إيفاء الديون، سواء عبر الوديعة ذاتها، أو عبر شيكات، أو نيل الوديعة بالليرة على سعر 3900، فإن هذه العمليات خفضت قيمة الودائع إلى ما دون المئة مليار دولار.
يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور حسن مقلد لـ"الميادين نت" أسباب الأزمة وطرق العلاج، ويقول إنّها ليست أول أزمة يعيشها لبنان، إلا أنّ هناك قراراً أميركياً بالانهيار. ويضيف أنّ الخيارات الاقتصادية والمالية التي كانت متبعة أدّت إلى ما نحن عليه اليوم، والمطلوب تغيير الخيارات الاقتصادية والمقاربة المالية في الدرجة الأولى.
وعليه، فإنّ بلداً مثل لبنان يستهلك بعشرين مليار دولار، ويصدّر بثلاثة مليارات بالحد الأعلى، لا يمكنه أن يستمرّ على الوتيرة نفسها من حيث العجز في ميزان المدفوعات الذي يُغطّى عبر تحويلات المغتربين والاستدانة بالعملة الصعبة.
ويوضح مقلّد أنّ عدم تغيير الذهنية والخيارات لن يكون سوى مسكّن وحل وهمي لأزمة ما تلبث أن تعود وتنفجر مجدداً، وأن لبنان الذي كان يصدّر في عزّ الحرب الأهلية بنحو 700 مليون دولار ويستورد بثلاثة مليارات قادر على النهوض من جديد وإعادة الأموال إلى المودعين.
ويطرح سلسلة من الإجراءات والحلول التي تستطيع أن تغيّر حال البلد بشكل كامل إذا تمّ اعتمادها، وذلك عبر تحفيز القطاعات الإنتاجية، ويتطرق إلى قطاع الدواء مثالاً، إذ يستورد لبنان بمليار و400 مليون دولار سنوياً. وفي حال تمّ دعم هذا القطاع وقدّمت سلسلة من الحوافز والإعفاءات الضريبية، وتمّ تسهيل دخول المواد الأولية، يمكنه أن يصنّع للسوق المحلي ويصدّر بنحو 500 مليون دولار، ما يعني توفير مليار دولار وخلق فرص عمل واستثمارات مع توفّر الكادر المطلوب لتحقيق هذا الأمر.
ويعتبر مقلّد أنّ لبنان بحاجة إلى استثمارات خارجية، سواء عبر "B.O.T" أو عبر شراكة بين القطاعين العام والخاص، لتأهيل البنى التحتية على مختلف الصعد من أجل النهوض بالبلد. وبالتالي، فإنّ جذب الاستثمارات وتوظيفها في القطاع العقاريّ والمشاريع الترفيهية فقط لا يفيان بالغرض. وكذلك يحمّل مقلد السلطة على مدى السنوات الماضية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع حالياً، ويلفت إلى أنّ إعلان الحكومة التخلّف عن سداد سندات "اليورو بوند" في السّابع من آذار/مارس الماضي كان خطأً من حيث الشكل الذي تمّ به، وأدّى إلى أضرار كبيرة.
إذاً، الخروج من الأزمة أمر ممكن، لكنّه يحتاج إلى خطوات غير تقليديّة، بحسب مقلّد، الذي يعتبر أنّ لبنان يعوم على الدولار، والمشكلة تكمن في غياب الثقة ونشوء اقتصاد موازٍ. ولولا دعم المصرف المركزي للمشتقات النفطية والقمح والدواء، لكان الاقتصاد الموازي تفوّق على الاقتصاد العادي.
وبحسب التقديرات، فإنّ نحو 6 مليارات دولار مدّخرة في منازل اللبنانيين. وكي تُضَخ هذه الأموال في الدورة الاقتصادية وتؤدّي إلى نمو اقتصادي، يجب عودة الثقة بالمصارف من خلال الإجراءات التي يجب أن تقوم بها، وذلك بحسب ما أشار إليه مطلعون على الواقع الاقتصادي والمالي في البلد، فتحويلات المغتربين لم تدخل في الاقتصاد المنتج، بل تذهب إلى المنحى الاستهلاكي وشراء العقارات.
أمّا المودعون الذين يرون أنّ جنى العمر يضيع جرّاء امتناع المصارف عن الدفع، فقد عملوا على تأسيس جمعية ورابطة لحمايتهم، والهدف من ذلك هو محاولة تحصيل حقوقهم بالطرق القانونية.
ويرى أستاذ القانون أحمد دروبي في حديث إلى "الميادين نت" أنّ المصارف تستطيع سداد قيمة الوديعة بغير عملتها الأصلية في حال كانت متعثرة، وهو الوضع الذي نعيشه اليوم، ولا يمكن للمودعين رفع دعاوى جزائية إلّا في حال إعلان المصارف إفلاسها.
وفي سياق متصل، عمد بعض المودعين إلى التخلّص من ودائعهم، إمّا بشراء عقارات وإما ببيعها بشيكات مصرفية انخفضت قيمتها مع ارتفاع سعر الصرف. على سبيل المثال، إنّ شيك المئة ألف دولار كان قبل عام يساوي 75 ألف دولار نقداً، بينما وصل اليوم إلى 29 ألف دولار، وقام البعض بتسديد قروض لأقاربهم لقاء الحصول على دولارات طازجة، فيما فضّل البعض الانتظار، ولو لسنوات مقبلة، وعدم سحب أموالهم بالدولار على سعر صرف 3900 ليرة، أملاً بتحصيلها بالدولار مستقبلاً.
في المحصّلة، إنها ليست أول أزمة يعيشها لبنان، مع فارق عدم وجود احتياط إلزامي في الماضي كما هو الحال اليوم، مع توفر 18 مليار دولار لدى المصرف المركزي يمكن توظيف جزء منها.
وعلى القطاع المالي اعتماد خطوات مبنيّة على حسن إدارة هذه الأموال، واللجوء إلى خيارات اقتصادية ومالية صحيحة من شأنها انتشال البلد من أزمته، وإعادة أموال الناس وتعبهم طوال هذه السنين. وهنا، لن تؤدي المكابرة والاستمرار في السياسة نفسها إلا إلى المزيد من ضياع حقوق الناس ومدّخراتهم.