هل حيوانات المزارع سعيدة؟ الذكاء الاصطناعي يجيب
يعمل باحثون على تطوير تقنيات التعرف إلى الوجه وتطبيقها على حيوانات المزارع بهدف تحديد حالاتهم العاطفية المتنوعة.
-
تقنيات التعرف إلى الوجه: من الهواتف الذكية إلى عواطف الحيوانات
باتت تقنية التعرف إلى الوجه (face recognition technology) تستخدم في مواضع كثيرة، بدءاً من الكاميرات الأمنية وصولاً إلى الهواتف الذكية. ولكن في المستقبل القريب، قد لا تكون الوجوه البشرية الوحيدة التي يمكن التعرف إليها رقمياً.
بدأ مؤخراً عدد من الباحثين في مركز "Machine Vision" في جامعة غرب إنكلترا، باختبار تقنيات تندرج تحت عنوان الذكاء الاصطناعي، للتعرف على وجوه الحيوانات، كلٌ على حدى، وتمييز حالاتهم العاطفية من خلال ملامحهم.
ويركز الجزء الأكبر من البحث على الكلاب والخيول، إلا أنه يستهدف أيضاً نوعاً غير متوقع: خنزير المزارع.
في المزرعة، يشرف عدد صغير من العمّال على مئات، أو حتى آلاف الخنازير، مما يجعلهم غير قادرين عن تحديد ما إذا كان أي من الخنازير يعاني حالة نفسية سيئة.
يتصور الباحثون المشرفون على البحث أن هذه التكنولوجيا قد تساعد عمال المزارع على تنبيه العمال إلى الحيوانات المجهدة أو المريضة، مما يسمح بمعالجتها في أسرع وقت ممكن.
ولمعرفة ما إذا كانت الخنازير تتعرض للإجهاد، تقوم التجارب على وضع الخنازير في مواقف مرهقة أو جيدة، ويتم قياس نسب اللعاب وفحص الدم لتحديد مستويات مادة الكورتيزول في الجسم، والمرتبطة بالإجهاد.
وتبدو نتائج المشروع الذي سيستغرق ثلاث سنوات تقريباً، وتم إنجاز النصف الأول منه، مثيرة للإعجاب، إذ بات من الممكن الآن التمييز بين تعابير وجه الخنازير المجهدة وغير المجهدة في أكثر من 90% من الحالات.
البحث الذي تموّله الحكومة البريطانية، وتدعمه شركات كبيرة لبيع اللحوم وأخرى معنية بدراسة جينات الخنازير (وقد قدمت بالفعل خنازيرها ليتم إجراء الدراسة عليهم)، يطرح أسئلة أخلاقية كان يجدر بالقيّمين على البحث الإجابة عنها في المقام الأول: هل تشعر هذه الخنازير بالارتياح في المزارع؟ هل هي سعيدة؟
في الولايات المتحدة الأميركية، تعيش الخنازير التي تتم تربيتها من أجل اللحوم في ظروف خانقة غالباً. إذ تُجمع في حظائر شديدة الازدحام، ويتم منعها من الخروج إلى الهواء الطلق بتاتاً. ووفقاً لبعض التقديرات، يموت في الولايات المتحدة حوالى 35% من الخنازير قبل أن تصل إلى السوق. الظروف متشابهة في كثير من دول الاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ما سبق، توجد أدلة دامغة على الألم الذي يعاني منه ذكور الخنازير عندما يتم إخصاؤها من دون تخدير، ومع ذلك لا تزال هذه الممارسات منتشرة على نطاق واسع. كما يمكن أن يؤدي حبس الخنازير داخل حظائر مزدحمة وقاحلة على أرضيات خرسانية إلى سلوكيات غير طبيعية كالعضّ، والتي يمكن أن تتطور إلى أكل لحوم البشر، وهو أمر يمكن تفاديه ببساطة من خلال منح الخنازير مساحة إضافية وتغطية الأرضيات بمواد طبيعية كالسماد العضوي.
-
تساعد هذه التكنولوجيا عمال المزارع على تنبيه العمال إلى الحيوانات المجهدة أو المريضة
ليس من السهل إبقاء الخنازير على قيد الحياة في الظروف التي تعيش فيها حالياً في المزارع. وفقاً لمركز صناعة لحم الخنزير بجامعة ولاية "أيوا"، يموت واحد من كل ثلاثة خنازير قبل الوصول إلى السوق لسباب عديدة، منها ولادة أجنة ميتة، والأمراض المعدية، وسوء نوعية الهواء. لا يمثل هذا الرقم خسائر اقتصادية هائلة فحسب، بل الحجم الهائل للمشاكل الصحية التي تعاني منها الخنازير في هذه المزارع، والتي يتسبب الكثير منها بآلام جسدية ونفسية مزمنة.
يكشف مشروع التعرف على الحالة العاطفية للخنازير خيطاً رفيعاً بين الجهود الحقيقية التي تهدف إلى التقليل من معاناة الحيوانات، ومحاولة إظهار أوضاعها الحالية على أنها جيدة.
هناك مجموعة متزايدة من الأبحاث تقترح جملة من التغييرات التي يمكن للمزارع إجراؤها للتقليل من معاناة حيواناتها، كإلغاء "الحبس" المشدّد، وإنهاء ممارسات التكاثر التي تجعل الحيوانات تنمو بسرعة كبيرة جداً، وضمان حق الخروج إلى الهواء الطلق.
كل هذا يطرح عدة علامات استفهام: لمن هذه التكنولوجيا؟ أهي حقاً للخنازير أم للبشر الذين يربونها ويذبحونها ويأكلونها؟
تقول "لوري مارينو"، مديرة مركز "كيميلا" للدفاع عن الحيوانات وخبيرة سلوك الحيوان التي شاركت سابقاً في تأليف دراسة حول إدراك الخنازير وعاطفتها: "لا يمكن للخنازير أبداً أن تكون سعيدة في مزارع تربية الحيوانات الكثيفة".
كما تنتشر مخاوف حول نتائج البحث وإمكانية نشر أرقام تخدم مصالح المزارع الكبيرة وشركات بيع اللحوم، كونها تقدم الدعم، المادي منه ربما، لهذا البحث.
قد تسفر تقنية الذكاء الاصطناعي في يوم من الأيام عن اكتسابنا لرؤى أعمق حول الحالة العاطفية لحيوانات المزارع، وإدراك القيمة الحقيقية للبحث الذي يكشف ما تشعر به، ويمكّن المشرفين عليها من تحسين ظروفها.