"كورونا" ومعضلة إجلاء ركاب السفينتين
أثار انتشار الفيروس بين ركاب سفينتي "دايموند برينسس" و"ويستردام" معضلة أخلاقية وإنسانية وتحديات لوجستية وصحية عامة.
تخيل أنك على متن سفينة سياحية (كروز) ضخمة وانتشر فيها وباء وأنت في عرض البحر، ثم مُنعت السفينة من الرسو في أي مرفأ من مرافئ البلدان القريبة لإنزال الركاب أو علاج المصابين أو الحصول على المؤن. قد يكون الأمر صالحاً كسيناريو لفيلم تشويقي على غرار الأفلام الهوليوودية كفيلم "تايتانيك" الشهير.
لكن هذا هو حال سفينتي "دايموند برينسس" و"ويستردام" السياحيتين اللتين تضمان آلاف الركاب وقد مُنعتا من الرسو في موانئ دول عدة وإنزال ركابهما، خشية أن ينقلوا عدوى فيروس "كورونا" إلى هذه الدول، علماً أنه لم تسجّل أية أعراض إصابات بالمرض في سفينة "ويستردام" في حينه، بينما انتشر الفيروس بين ركاب "دايموند برينسس" ووصل إلى 355 حالة مؤكدة من بين 1219 شخصاً تم اختبارهم.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية لاحقاً أنه تم اكتشاف 14 راكباً مصاباً بالفيروس من الركاب الأميركيين الذين أجلوا من سفينة "ويستردام" التي تقطعت بها السبل في البحر لنحو أسبوعين وكانت تعاني من نقص في المؤن.
وقد أثار انتشار الفيروس بين ركاب السفينتين معضلة أخلاقية وإنسانية وتحديات لوجستية وصحية عامة، إذ رفضت بعض الدول كتايوان واليابان والفلبين وتايلاند وإقليم غوام الأميركي رسو سفينة "ويستردام" في موانئها خشية أن ينقل ركالها الفيروس إلى داخل هذه الدول، علماً أن معظم هذه الدول قد دخلها الوباء أساساً. فيما وضعت اليابان حجراً صحياً لمدة 14 يوماً على السفينة الثانية واكتفت بنقل المؤن والأدوية إليها وإخضاع الركوب لاختبار لمعرفة إصابتهم من عدمها.
ووافقت كمبوديا – ربما بضغط أو تمنٍ أميركي – على رسو السفينة ودخول ركابها أراضيها والسفر منها إلى بلدانهم، وهو ما استدعى إشادة من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس بسبب ما أبدته من "تضامن دولي" تدعو إليه المنظمة، بينما وجّه توبيخاً ضمنياً للدول الأخرى، التي رفضت استقبال السفينة رغم أن أحداً من ركابها لم يشعر حينذاك بأي أعراض مرضية.
وقد سارع مسؤولو الصحة العامة لتحديد ما إذا كان الركاب على متن سفينة "ويستردام"، قد تعرضوا للفيروس بعدما أظهر اختبار امرأة تبلغ من العمر 83 عاماً بالمرض بعد نزولها في كمبوديا، إصابتها بالمرض. وأدى الاكتشاف غير المتوقع إلى إبطال الافتراض الأساسي من قبل العديد من الحكومات، بما في ذلك الولايات المتحدة، بأن السفينة خالية من الفيروس، مما حفّز المسؤولين المحليين والأميركيين على السماح للركاب بالنزول والمغادرة إلى مدن ودول أخرى حول العالم.
وألغت السلطات الماليزية الرحلات الجوية المستأجرة التي كانت مقررة أصلاً لنقل ركاب سفينة ويستردام إلى كوالا لامبور.
وكان يُعتقد أن السفينة لا توجد فيها أية إصابات على متن الطاقم والركاب البالغ عددهم 2200 والذين تقطعت بهم السبل في البحر لأسابيع حيث رفضت الدول دخولهم بعد توقف للسفينة في هونغ كونغ، حيث استقبلوا مئات الركاب الجدد.
وقد غادر الركاب الأميركيون سفينة "ويستردام" الجمعة واستقبلهم رئيس الوزراء الكمبودي هون سن، الذي قلل من خطر الوباء ووصف القرار لإنزالهم على الشاطئ كعمل من أعمال النوايا الحسنة الإنسانية.
وقام السفير الأميركي باتريك مورفي بإحضار أسرته على متن السفينة السياحية والتقط صوراً يوم السبت مع ركاب أميركيين. ولم يظهر مورفي وغيره من الركاب يرتدون أقنعة في الصور التي تمت مشاركتها على حساب السفارة في تويتر.
وقالت الشركة المشغلة للسفينة، "هولاند أميركا"، في بيان لها الأحد إنه لم يُبلغ أي مسافر أو عضو في الطاقم كانوا على متن السفينة عن أي أعراض لفيروس كورونا، باستثناء المرأة الأميركية المسنّة. ولا يزال حوالى 1000 شخص على متن السفينة، والباقي في طريقهم إلى بلادهم.
أما على متن سفينة "دايموند برنسيس" المحتجزة قبالة اليابان منذ نحو أسبوعين، فقد علق داخها أكثر من 3700 راكب تحت حجر صحي، يمنعهم من الخروج بحرية من غرفهم، أو تمضية أوقات طويلة في الهواء الطلق، كما يفرض عليهم إجراءات معينة للحد من انتشار "كورونا" بين الركاب. وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات، أعلنت وزارة الصحة اليابانية عن ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس على متن السفينة إلى 174 حالة.
وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" بأن الحكومة الأميركية قامت بإجلاء المئات من الأميركيين ليل الأحد من سفينة دايموند برينس، ثم نقلتهم إلى خارج اليابان على متن طائرتين مستأجرتين متجهتين إلى قواعد عسكرية أميركية - وهي عملية خاضعة للمراقبة بعناية تتضمن حجراً صحياً جديداً بمجرد هبوطهم.
وأبلغ أنتوني فوشي، مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، صحيفة واشنطن بوست أن هناك 44 أميركياً على متن سفينة "دياموند برينسس" ثبتت إصابتهم بفيروس "كورونا" وسيبقون في المستشفيات في اليابان حتى شفائهم.
أما في اليابان، فقد واجه الركاب الأميركيون قراراً صعباً، إذ يمكنهم البقاء في سفينة "دايموند برينسس" حتى يوم غد 19 شباط / فبراير الجاري، حيث من المقرر رفع الحجر الصحي الأصلي، لكنهم يواجهون احتمال النزول في كمبوديا والالتزام بقيود الطيران التجاري، أو المغادرة على الرحلات الجوية المستأجرة إلى القواعد العسكرية في تكساس وكاليفورنيا - لمواجهة الحجر الصحي لمدة 14 يوماً أخرى.
وذكرت وكالة أسوشيتيد برس أن حوالى 400 أميركي كانوا على متن السفينة السياحية عندما رست في اليابان، وقالت وزارة الدفاع اليابانية إن 300 منهم غادروا ليلة الأحد.
واستمر عدد تشخيصات فيروس كورونا في الارتفاع الحاد بين 3700 من الركاب وأفراد الطاقم الذين كانوا على متنها أصلاً. وصرّح وزير الصحة الياباني كاتسونوبو كاتو صباح اليوم الباكر بأن السفينة المحجوزة العائمة بالقرب من طوكيو بها 355 حالة مؤكدة، أو حوالى 30 في المائة من 1219 شخصاً تم اختبارهم حتى الآن. وهذا يمثل واحدة من أعلى معدلات الإصابة في العالم.
يقول خبراء الأمراض المعدية إن إصابة المرأة المسنة في سفينة "ويستردام" يوضح كيف يمكن دخول الفيروس في مجتمعات جديدة بطرق هادئة. إذ كان المسؤولون يراقبون بشدة أولئك الذين سافروا إلى الصين وأولئك الذين كانوا على اتصال وثيق بشخص مصاب. لكن مراقبة سفينة "ويستردام" توضح كيف يمكن للمسافرين الذين لا تبدو عليهم أعراض واضحة للإصابة بالمرض أن يتسللوا من عمليات الفحص.
وقال جيف دوشين، مسؤول الصحة ورئيس قسم علم الأوبئة للأمراض المعدية في سياتل ومقاطعة كينغ كاونتي: "هذا يوضح أن هناك انتقالاً يحدث في أماكن غير متوقعة لا نعرفها. يتحرك الفيروس بسرعة وبصمت ويشكل تحدياً حقيقياً للاحتواء". وأشار إلى أن الحالات المبلغ عنها التي تحدث في أماكن خارج الصين ليست واسعة النطاق حتى الآن. وأضاف: "لكن على نحو متزايد، نرى أن الفيروس يطفو على السطح في أجزاء أخرى من العالم وفي أماكن أخرى، وهذا يجعل من الصعب علينا كدولة أن نعرف متى يدخل شخص ما قد يكون تعرض للإصابة خارج الصين إلى الولايات المتحدة".