الأزمة في أوكرانيا.. انتكاسة لماكرون كمرشح للرئاسة وتداعيات سياسية وإقتصادية

هيمنت الأحداث الجارية في أوكرانيا على الحياة السياسية في فرنسا، وبدأت تداعياتها تؤثر بقوة في مسارين: الأول الإنتخابات الرئاسية الساخنة أساساً، والواقع الإقتصادي والمالي والمعيشي ثانياً.

  • الرئيس الفرنسي يلقي كلمة أمام ممثلي العالم الزراعي في باريس  26 شباط/فبراير 2022 (أ ف ب).
    الرئيس الفرنسي يلقي كلمة أمام ممثلي العالم الزراعي في باريس 26 شباط/فبراير 2022 (أ ف ب).

 أرخت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في جانبها السياسي بثقلها على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من حيث ما اعتبر انتكاسة لما كان يزعم أنها "مبادرة سلام" مع موسكو. ووصفت بعض الصحف ولا سيما "لوموند" ومعها سياسيون ومحللون ما جرى بأنه "إهانة لماكرون.. وعليه بذل الكثير من الجهود لمنع تحولها إلى فشل إستراتيجي يعيق حملته للترشح للرئاسة". 

الرئيس الفرنسي المتوقع أن يعلن ترشيحه رسمياً، عليه الآن أن يواجه معضلة ترميم صورته كرئيس للاتحاد الأوروبي في مواجهة وضع متدهور وخطير تعيشه أوروبا الحائرة بين التدخل مباشرة في أوكرانيا، وإطلاق حملة عقوبات قد تجر معها نتائج خطيرة لجهة ردات فعل موسكو، كما عليه التصدّي لمنافسيه في الانتخابات الذين اقتنصوا فرصة فشل مبادراته مع موسكو للنيل من كفاءته واستراتيجيته.

اندلاع الحرب في أوكرانيا، التي حاول إيمانويل ماكرون تفاديها عبثاً، تضيف حجراً آخر على مأساة ولايته كما ذكرت "لوموند"، وها هو  ينهي ولايته في أجواء متوترة بعقد اجتماعات متوترة لمجالس الدفاع.

من الآن وحتى 7 آذار/مارس، الموعد النهائي للدخول في الحملة، سيتعين عليه التركيز على هذا الصراع الذي يهدد استقرار العالم خاصة وأن فرنسا تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي منذ بداية العام. 

مرشحو الرئاسة جميعهم ليسوا بأفضل حال من ماكرون، واجبروا على الانخراط في مقاربة الحدث العالمي كل من خلفياته السياسية، وقد بدا معظمهم على حرج في مقاربة الرد على موسكو.

المرشحة الجمهورية فاليري بيكريس أدانت "بأكبر قدر من الحزم الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا"، وأكّدت مجدداً "تضامنها التام مع الشعب الأوكراني". وأضافت أنه "يجب أن تكون استجابة فرنسا وأوروبا قوية ومنسقة وقاسية". 

 من جهته، أدان فريق المرشح اليميني المتطرف، إريك زمور، "دون تحفظ التدخل العسكري الروسي الذي بدأ  في أوكرانيا". وكان قال في أوائل شباط/فبراير: "نحن بحاجة إلى اتفاق سلمي سلمي، ولهذا هناك شرط بسيط: يجب أن نلتزم بعدم دخول أوكرانيا إلى الناتو أبداً"، معتقداً أن "ادعاء فلاديمير بوتين شرعي تماماً".

وقالت المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان في بيان صحفي إنه "لا يوجد سبب يمكن أن يبرر قيام روسيا بعملية عسكرية ضدّ أوكرانيا تخل بتوازن السلام في أوروبا"، وطالبت "بالوقف الفوري للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا".

من جهته، سارع المرشح "جان لوك ميلينشون" إلى استنكار "مبادرة العنف الخالص التي تظهر رغبة في السلطة ". وفي بيان صحفي اعتبر أنه "تمّ استفزاز تصعيد لا يطاق، وروسيا تتحمل المسؤولية عن نكسة رهيبة في التاريخ. إنها تخلق خطراً مباشراً لصراع معمم".

وقبل أيام، كان ميلونشون قال إن منظمة شمال الأطلسي كانت "بلا شك" المعتدي في الصراع الأوكراني.

بينما يعتقد المرشح الشيوعي "فابيان روسيل" أن "الرئيس الروسي يختار الحرب"، وقال إنه "يختار انتهاك القانون الدولي، وهذا وضع خطير يمكن أن يتحول إلى حرب عالمية جديدة، لقد شن فلاديمير بوتين لتوه حرباً على قارتنا"، كما وصف المرشح البيئي يانيك جادوت ما يجري بأنه  "عدوان غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية ضد دولة أوروبية". 

من جهتها، أدانت المرشحة الإشتراكية آن هيدالغو "بأشد العبارات الهجوم الوحشي الذي أمر به فلاديمير بوتين". وعبرت عن "تضامنها" و "دعمها لأوكرانيا وشعبها. مضيفة بأنه يجب أن نرد بحزم على هذا العمل الإجرامي غير المبرر".

أخيراً، قالت المرشحة الإشتراكية، كريستيان توبيرا، "لم يعد عدواناً، اعتداءً، انتهاكاً للحدود ، إنه حرب". بالنسبة لها ، "في هذا التوتر يجب على فرنسا والاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والأمم المتحدة الرد".

مواقف انتخابية

كل هذه المواقف المعلنة هي وليدة الحدث الذي هزّ العالم وترتبط بالضرورة الوطنية، وتمثل تحولاً في الأولويات بالنسبة إلى حملات المرشحين، فبعد المحنة الصحية الطويلة التي كشفت الضعف الصناعي والعلمي لفرنسا، وضعت أحداث أوكرانيا فرنسا وحلفائها الأوروبيين في أولوية مطلقة وتراجعت الموضوعات التي طرحها المرشحون حتى الآن لمحاولة جذب الناخب كالهجرة، والهوية، والدفاع عن القوة الشرائية. أصبح الموضوع الرئيسي استعادة السيادة من جميع جوانبها: الصناعية والعسكرية والاستراتيجية.

في طليعة المعركة الأوروبية، يمكن لإيمانويل ماكرون التباهي بكونه متقدماً بخطوة على منافسيه. لقد كان أول من سلط الضوء على نقاط الضعف في القارة الأوروبية، وقام بحملة من أجل مفهوم الحكم الذاتي الاستراتيجي وأراد إشراك الاتحاد الأوروبي في بناء نموذج اقتصادي وديمقراطي جذاب بما يكفي. 

تداعيات ومخاوف

في المقلب الآخر من التداعيات وبسبب أحداث أوكرانيا، أدى ارتفاع أسعار الطاقة، ولا سيما الغاز والنفط، إلى إحياء المخاوف من استمرار التضخم، مما قد يحد من القوة الشرائية للفرنسيين قبل أسابيع قليلة من الانتخابات.

 احتلت القوة الشرائية بالفعل مكانة مركزية في الحملة الانتخابية، وأعطتها الحرب في أوكرانيا قوة جديدة. أعاد ارتفاع أسعار الطاقة، ولا سيما الغاز والنفط، بسبب العملية العسكرية الروسية يوم الخميس 24 فبراير، المخاوف من استمرار التضخم، مما قد يحد من القوة الشرائية للفرنسيين في غضون أسابيع قليلة من الاقتراع.

ولأول مرة منذ عام 2014، تجاوز سعر برميل النفط 100 دولار بالفعل، وارتفع الغاز بنسبة 30% تقريباً في يوم واحد، بينما حطمت الحبوب، ولا سيما القمح، الأرقام القياسية التاريخية.

 رئيس الوزراء جان كاستكس جمع على وجه السرعة برونو لومير وزير الاقتصاد، باربرا بومبيلي وزيرة انتقال الطاقة، وأوليفييه دوسوبت الوزير المفوض المسؤول عن الحسابات العامة، لتقييم النتائج الاقتصادية للتدهور العسكري في أوروبا، لا سيما في أسواق الطاقة. ويشير الجهاز التنفيذي إلى أن إمدادات الغاز والنفط إلى فرنسا، التي تعد روسيا مصدراً رئيسياً لها، ليست موضع قلق على المدى القصير، بسبب المخزونات التي تراكمت في فرنسا. هذه تسمح له بالانتظار لعدة أشهر في حالة انقطاع الشحنات من الجانب الروسي أو فرض عقوبات على الجانب الأوروبيي.

من ناحية أخرى ، يثير ارتفاع الأسعار، وخاصة النفط، مزيداً من المخاوف على الجانب التنفيذي على الرغم من أن الأسعار مرتفعة بالفعل و "يستغرق الأمر بشكل عام من شهر إلى شهرين حتى تنعكس أسعار النفط الخام في الأسعار". 

مرت عدة أشهر منذ أن أجبرت الزيادة التدريجية في أسعار الغاز والكهرباء والنفط الحكومة على اتخاذ تدابير مصاحبة للتخفيف من الآثار على الأسر. تمت تعبئة أكثر من 15 مليار يورو منذ نهاية صيف 2021، مع تجميد أسعار الغاز والكهرباء لعام 2022 بأكمله، ومساعدات التدفئة للأسر ذات الدخل المنخفض، وشيك بقيمة 100 يورو يسمى "بدل التضخم"، موزعة على 38 مليون أسرة.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.

اخترنا لك