أسبوع حاسم في مسار العملية العسكرية الروسية والتطورات السياسية
الأركان الأوكرانية تدرك أنّ عامل الوقت بعد استدعاء قوات التعبئة الروسية وبدء الاستفتاءات الشعبية بات يعمل ضد مصلحتها.
-
ترى كييف أنّ أي نصر ميداني ذي معنى يخفف وطأة الهزيمة السياسية
الحدث الميداني الأبرز تمحور في اتجاه كراسني ليمان، بعد أن أعادت الأركان الأوكرانية تقييم إمكانيات قواتها الواقعية في اتجاه محاور زاباروجيا، وأيقنت أنّ القوات الروسية أعدّت لهم استقبالاً نارياً محكماً، ركزت قوات كييف كل إمكانياتها وحشودها في اتجاه كراسني ليمان، بالتزامن مع توجيهها ضربات تضليلية إشغالية عن طريق تسلل مجموعات صغيرة إلى محاور اتجاهات أخرى، بينما الهدف الأساسي كان ليمان وكوبينسك، حيث نفذت تشكيلات القوات الأوكرانية عدة محاولات لخرق الدفاعات الروسية على ضفاف نهر أسكول.
وتدرك الأركان الأوكرانية أنّ عامل الوقت بعد استدعاء قوات التعبئة الروسية وبدء الاستفتاءات الشعبية بات يعمل ضد مصلحتها. وقبل انتهاء الاستفتاءات وصدور النتائج أرادت القيادة الأوكرانية تحقيق إنجاز يغطي على خسارتها السياسية الحاصلة نتيجة انضمام الأقاليم الأربعة إلى روسيا.
في هذه المرحلة، ترى كييف أنّ أي نصر ميداني ذي معنى يخفف وطأة الهزيمة السياسية وتأثيرها على أداء القوات المسلحة الأوكرانية في المستقبل، فعندما تصل بعد أسابيع قليلة طلائع تشكيلات قوات التعبئة الروسية المستدعاة للخدمة، سيتعذر على نظيرتها الأوكرانية الحديث عن تفوق عددي، ويصبح من غير الممكن تحقيق اختراقات عملية نسبية كتلك التي حصلت مؤخراً في اتجاه بالاكليا إيزيوم كوبينسك. لهذه الأسباب، اتخذت الأركان الأوكرانية قرار الهجوم المركز المكثف على كراسني ليمان ومنها في اتجاه كوبينسك.
ممكن تقييم التحركات الأوكرانية الجبهوية كعملية استراتيجية تحمل هدفاً واحداً، تدمير القوات الروسية والحليفة لها في محيط كراسني ليمان وكوبينسك، والالتفاف جنوباً عبر سفاتوفا للالتقاء مع القوات الأوكرانية المهاجمة من سلافيانسك من الجنوب. إلا أنّ الموجة الأولى للهجوم الأوكراني واجهت تحديات جدية، فتمكنت القوات الروسية والحليفة المدافعة عن خط الجبهة من صدها وإرغامها على التراجع رغم التفوق العددي الأوكراني.
في المحصّلة، باءت محاولة الاختراق بين ليمان ويامبل بالفشل. اعتمدت القوات الروسية في بداية دفاعها عن هذا المحور على قوات المتطوعين وأبرزهم قوات القوزاك وكوبان وقوات الدون، وسرعان ما وصلت تشكيلات الجيش الروسي العشرين للمشاركة في القتال بيما كانت القوات الأوكرانية تستدعي وتزجّ في ميدان المعركة مزيداً من تشكيلاتها. حدة المواجهات والمعارك، الأسبوع الماضي، اتخذت الطابع العنيف الذي لا يقل حدةً عن المواجهات التي أدت إلى خرق بالاكليا إيزوم كوبينسك، إلا أنّها لم تسفر عن نتائج إيجابية لمصلحة القوات الأوكرانية المهاجمة. ذروة الهجوم بعد الموجتين الثانية والثالثة كانت منذ يومين، وما يدور اليوم يعتبر تحركاً في الوقت بدل الضائع. يرى المراقبون الميدانيون أنّ المرحلة الحرجة للهجوم 24 و25 أيلول/سبتمبر قد تم تجاوزها لتبدأ كفة ميزان الميدان تميل لصالح القوات الروسية.
-
خريطة تظهر عدداً من نقاط الاشتباك
استراتيجية القوات الأوكرانية الأساسية كانت ترتكز على توجيه ضربة من شمال غرب ليمان لخرق الدفاعات الروسية ما بين سد اسكول المائي وليمان، والنفاذ إلى منطقة سفاتوفا يرافقها هجوم مساعد شمال كوبينسك لمحاصرة قسم معتبر من القوات الروسية أو إرغامها على التقهقر والانسحاب غير المنظم، وبالتالي تحقيق هدف محاصرة مدينة ليمان وتدمير كامل تشكيلات القوات الروسية فيها. ولو نجحت القوات الأوكرانية في تنفيذ هذا السيناريو، فالنتيجة كانت لتصبح إنجازاً مدوياً اكبر وأهم بكثير من اختراق بالاكليا إيزيوم. ويمكن تقييم وضع جبهة اتجاه ليمان الحالي بالمستقر الحذر، الأمر المشابه فيما يتعلق بإتجاه كوبينسك حيث جرى صد الهجمات الأوكرانية.
وخلال الأسبوع الماضي استمرت القوات الروسية بتقدمها المستقر بببطء على محاور اتجاه باخموت جنوب غرب الدونباس، وسيطرت تلك القوات على عدد من المناطق الأساسية جنوب باخموت وركزت تموضعها في زايتسيفا ومستمرة بالالتفاف حول باخموت من اتجاه الجنوب، فالتقدم الروسي يسير بحسب المخطط له في هذا الاتجاه الاستراتيجي الذي يعتبر مقراً مركزياً لتموضع القوات الأوكرانية التي ما زالت تحتل قسماً من أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية في الدونباس.
ولم تشهد جبهات الاتجاهات الأخرى تحركات عملية من كلا الطرفين إلا محاولة القوات المسلحة الأوكرانية تحقيق خرق في اتجاه بيسكي، ومارينكي، أما على محاور أوغليدار فالقوات الروسية تتمتع بوضع أفضل ومتفوق على الأوكرانية. أما على جبهات محاور اتجاه زاباروجيا فإن كافة محاولات القوات المسلحة الأوكرانية في التقدم والاستطلاع بالنار وبواسطة مجموعات خاصة متسللة باءت بالفشل كما ذكرنا سابقاً. فالقوات الروسية كانت تتوقع وترصد تحركات القوات المهاجمة وكبدتها خسائر فادحة. أما في اتجاه جبهات خيرسون فإنّ القوات الروسية وتحديداً الفرقة الـ76 تقوم بسحق التشكيلات الأوكرانية المهاجمة في محيط نقاط تجمعها وتموضعها في أندرييفسكي وتسيطر على النقاط التي كانت تشغلها، فالقوات الأوكرانية تنسحب ببطء ولكنها تتخلى عن نقاط تموضعها الهجومية في هذا الاتجاه.
وتفيد مصادر مطلعة على تسريبات أروقة القيادة الأوكرانية بأنّ الرئيس زيلينسكي غير راضٍ عن أداء قواته المسلحة وعجزهم عن تحقيق اختراق أو نصر في هذه المرحلة وفشلهم في السيطرة على على بضعة نقاط سكنية أو بلدات. فالهجوم الأوكراني على كراسني ليمان تعثر، وتكبدت قواته خسائر يصعب تعويضها في الوقت بدل الضائع أي قبل تغيير الموازين نتيجة التعبئة الروسية ونتائج الاستفتاءات.
قائد أركان القوات المسلحة الأوكرانية، الفريق فاليري زالوجني، أبلغ معاونيه والدائرة الإدارية المحيطة به أنّ القوات الروسية قد عززت دفاعاتها الخلفية وتموضع قواتها وبذلك لم تعد قواته تتمتع بتفوق عددي كبير في الوقت الذي تزداد فيه أعداد الخسائر البشرية الأوكرانية، فقوات كييف المسلحة اصطدمت بحاجز صدٍّ منيع، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإنّ ميزان القوى سينقلب ضد مصلحة القوات الأوكرانية.
المشكلة التي تعاني منها الاركان الأوكرانية هي أنّ الرئيس زيلينسكي والقيادة السياسية تطلب منها نصراً بأي ثمن وفي الحال، هذا الوضع يزيد من حالة الإحباط في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية ويؤدي تأثيراً إيجابياً في مواجهة القوى المعارضة للتعبئة المعلنة في روسيا.
الجدير بالذكر أنّ الفريق فاليري زالوجني هومن أبرز الشخصيات المرشحة لخلافة زيلينسكي، وقد يكون هذا الاحتمال إما في حال فشل الأخير في تحقيق الإنجاز المطلوب منه من قبل المشغل الأنكلوسكسوني الغربي، أو في حال نجاح الحنكة وأجهزة الإستخبارات الروسية في إقناعه بعبثية المواجهة.