أقدم الاتحادات السياسية في العالم.. ما هو "الكومنولث"
حكومات رابطة شعوب بريطانيا، "الكومنولث"، هي واحد من أقدم الاتحادات السياسية في العالم، تتكوّن من 53 دولة موجودة في 6 قارات. القاسم المشترك بين أغلبيتها هو الخضوع لحكم الإمبراطورية البريطانية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
-
تقرّ دول "الكومنولث" بإليزابيث ملكةً لها
حكومات رابطة شعوب بريطانيا، "الكومنولث". هي واحد من أقدم الاتحادات السياسية في العالم، وتتكون من 53 دولة موجودة في 6 قارات. القاسم المشترك بين معظم هذه الدول هو خضوعها لحكم الإمبراطورية البريطانية، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. يبلغ عدد سكان الكومنولث 2.4 مليار نسمة، يتوزّعون على دول، بينها كندا وأستراليا ونيجيريا والهند وكثير من دول الكاريبي. كما أن العضوية في هذا الاتحاد طوعية، وتستند إلى التزامات مشتركة فيما بين دولها، أهمها الاعتراف بالعاهل البريطاني رئيساً رمزياً لجمعيتهم.
إنشاء "الكومنولث"
كان "الكومنولث" ثمرة تطورية للإمبراطورية البريطانية. ومع تخليها عما يُسَمّى "الفلسفة التجارية"، بدأت الإمبراطورية تنفيذ "حكومة مسؤولة"؛ أي نظام يمكن للحاكم بموجبه التصرف في الشؤون الداخلية فقط، بناءً على نصيحة الوزراء الذين يتمتعون بثقة المجلس المنتخَب، في أجزاء من كندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وأيرلندا، في الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر إلى أواخره.
حقّقت هذه الدول التابعة، لكن المتمتعة بالحكم الذاتي، تدابير متزايدة من السيادة، ولم يخضع استقلالها إلّا للفيتو البريطاني. وأعلن المؤتمر الإمبراطوري لعام 1926 أن هذه الدول يجب أن تُعَدّ "مجتمعات تتمتع بالحكم الذاتي داخل الإمبراطورية البريطانية، متساوية في الوضع، ولا تخضع، في أي حال من الأحوال، لبعضها البعض، في أي جانب من جوانب شؤونها الداخلية أو الخارجية، على الرغم من أنها موحَّدة بولاء مشترك للتاج الملكي، وترتبط بحرية كأعضاء في الكومنولث البريطاني".
بعد ذلك، نفّذ "النظام الأساسي لوستمنستر" (1931)، وهو النظام الأساسي لبرلمان المملكة المتحدة، والذي يقوم على "المساواة بين بريطانيا ودومينياتها آنذاك في كندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وأيرلندا ونيوفاوندلاند"، القرارات المتخذة في كل من ذلك المؤتمر والمؤتمر الذي تلاه، الأمر الذي سمح رسمياً لكل دولة بالتحكم في شؤونها الداخلية والخارجية، وإنشاء سلكها الدبلوماسي الخاص.
العضوية والمعايير
بعد إصدار "النظام الأساسي لوستمنستر"، جاءت العضوية في الكومنولث بشرط الولاء للملك البريطاني، لكن النمو السريع للقومية من الـ 1920، في أجزاء من الإمبراطورية مع السكان غير الأوروبيين، تطلّب إعادة النظر في طبيعة الكومنولث. وكانت الهند، على وجه الخصوص، حالةً خاصة داخل الإمبراطورية البريطانية. وبحكم لقبها إمبراطورية في حد ذاتها، كان لديها نائب للملك، ووزير خارجية منفصل في لندن، وجيشها الخاص، وحتى سياستها الخارجية الخاصة، إلى حد ما. وعندما حصلت الهند على الاستقلال في عام 1947، أصبحت عضواً في الكومنولث.
في عام 1949، أعلنت الهند نيتها أن تصبح جمهورية، الأمر الذي كان سيتطلب انسحابها من الكومنولث بموجب القواعد القائمة. لكن، في اجتماع لرؤساء حكومات الكومنولث في لندن في نيسان/أبريل 1949، تم الاتفاق على أن الهند يمكن أن تستمر في عضويتها إذا قبلت التاج البريطاني، باعتباره فقط "رمزاً للارتباط الحر" لأعضاء "الكومنولث". كان هذا الإعلان أول ما أسقط الصفة البريطانية. وبعد ذلك، أصبح الاسم الرسمي للمنظمة هو "كومنولث الأمم"، أو ببساطة "الكومنولث".
لحق باستقلال الهند سلسلة طويلة من الدول التي عانت من الاستعمار البريطاني، والتي رفضت الاعتراف بالتاج رئيساً للدولة،أيقنت الملكية البريطانية جدية الموقف، وحاولت تسهيل شروط العلاقة مع هذه الدول، مقابل بقائها في الكومنولث.
وفي عام 1995، أصبحت موزمبيق أول بلد يُسمح له بالدخول، مع العلم بأنها لم تكن أبداً جزءاً من الإمبراطورية البريطانية، أو تحت سيطرة أي عضو. بعدها، في عام 2009، انضمت رواندا أيضاً الى الاتحاد، على الرغم من أنها لم تكن أبداً جزءاً من الإمبراطورية البريطانية.
نالت عدة دول استقلالها، وأصبحت مستقلة، ثم رفضت العضوية، مثل ميانمار في عام 1948. من جهة أخرى، اختارت عدة دول الانسحاب من "الكومنولث"، مثل أيرلندا (عام 1949) وجنوب أفريقيا (عام 1961) وباكستان (عام 1972)، على الرغم من أن باكستان وجنوب أفريقيا عادتا إلى الانضمام إليه، الأولى في عام 1989، والثانية في عام 1994.
وبالإضافة إلى الأعضاء المستقلين، يضم الكومنولث أيضاً أقاليم تابعة، تحكمها رسمياً المملكة المتحدة أو أستراليا أو نيوزيلندا. أغلبية التبعيات القديمة كانت مستعمرات، وتشمل أنغيلا، برمودا، جزر كايمان، جزر فوكلاند، جبل طارق، جزر تركس وكايكوس في المملكة المتحدة، جزيرة كريسماس وجزر كوكوس وجزر بحر المرجان وجزيرة نورفولك في أستراليا، وجزر نيوي وتوكيلاو في نيوزيلندا. من جهتها، اتبعت المملكة المتحدة سياسة قيادة التبعيات نحو الحكم الذاتي من خلال إنشاء حكومات إقليمية فيها.
الهيكل والنشاط
يتباين "الكومنولث" عن الهيئات الدولية الأخرى، مثل الأمم المتحدة، أو منظمة التجارة العالمية، إذ ليس لديها دستور رسمي أو لوائح داخلية، وليس على الأعضاء أي التزام قانوني أو رسمي، تجاه بعضهم البعض. ويستند عمل "الكومنولث" إلى التشاور بين الأعضاء، والذي يجري عن طريق المراسلات، ومن خلال المحادثات في الاجتماعات. ويرسل كل بلد عضو مبعوثاً، يسمى مفوضاً سامياً، إلى عواصم الأعضاء الآخرين.
يشكل رؤساء حكومات الدول الأعضاء العنصر الأساس في صنع القرار في "الكومنولث". رئيس "الكومنولث"، وهو لقب ينتمي تاريخياً إلى التاج البريطاني، لا خليفة أو وريث له، بل المنصب يحدده رؤساء الحكومات. وتقوم أمانة "الكومنولث"، التي يرأسها أمين عام، بتنظيم أنشطة الكومنولث وتنسيقه وتيسير العلاقات بين الدول الأعضاء. والأمانة مسؤولة أمام مجلس المحافظين، الذي يتألف من المفوض السامي للدول الأعضاء لدى المملكة المتحدة. وفي المناسبات الدولية الرفيعة المستوى، يمثل الكومنولث الرئيس، الذي يتناوب بين الدول الأعضاء كل عامين.
ويُعقد اجتماع لرؤساء حكومات "الكومنولث" كل عامين. أبرز الاجتماعات كانت في سنغافورة عام 1971، حين اعتمد الأعضاء إعلاناً أعاد تأكيد الطابع الطوعي والتعاوني لـ"الكومنولث"، وألزم المنظمة بتعزيز السلام الدولي، ومكافحة العنصرية، ومعارضة الهيمنة الاستعمارية، والحد من أوجه الإجحاف في الثروة. وتردّد صدى هذا الإعلان في الاجتماع الذي عُقد في هراري، عاصمة زيمبابوي، في عام 1991، عندما زاد القادة بند إلزام المنظمة بحقوق الإنسان والديمقراطية. وفي عام 2011 ، في أستراليا، تم اعتماد الميثاق الذي كرس المبادئ الأساسية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتنمية المستدامة والحصول على الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين.
في عام 1996، أُنشئ صندوق "الكومنولث الأفريقي" لزيادة الاستثمار في تلك القارة. كما أن هناك روابط تعليمية بين الأعضاء، بحيث يسافر عدد من المعلمين البريطانيين إلى الخارج، ويدرس عدد من طلاب أعضاء الكومنولث في بريطانيا، وتشمل الروابط الثقافية الأخرى ألعاب الكومنولث، وهي مسابقة رياضية تقام كل أربع أعوام.
الآن، لدى أعضاء "الكومنولث" اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي. ومالطا وقبرص، مثلاً، عضوان في كل من "الكومنولث" والاتحاد الأوروبي، حتى إنهما ظلتا في الاتحاد بعد مغادرة بريطانيا عام 2020.