ألمانيا... صياغة الموقف الحَذِر بين روسيا والولايات المتحدة

يغلب التقلُّب والاضطراب على التصريحات الألمانية في القضايا التي تكون فيها الولايات المتحدة طرفاً. بدءاً من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ثم الأزمة الأوكرانية - الروسية. ومع تطوّر الأحداث في الأزمة الأخيرة، هل تضحّي ألمانيا بمصدر طاقتها من روسيا؟

  • ألمانيا... صياغة الموقف الحَذِر بين روسيا والولايات المتحدة
    ألمانيا... صياغة الموقف الحَذِر بين روسيا والولايات المتحدة

يبدو أن التقلُّب والاضطراب هما سيّدا الموقف في التصريحات الألمانية تجاه الأزمة الأوكرانية - الروسية. فمنذ أيام، صرَّحت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستين لامبريخت، بأن َ "تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا لن يكون مفيداً في الوقت الحالي"، مؤكِّدةً أن حكومة بلادها أجمعت على ذلك، وهي تنحاز إلى خفض التصعيد بين أوكرانيا وروسيا.

وأشارت إلى أن "فكرة اندلاع حربٍ في وسط أوروبا، بمبادرة من روسيا، وإمكانِ إقامة تعاون اقتصاديّ، في الوقت نفسه، هي فكرةٌ عبثيةٌ".

بالتزامن، أكّد قائد القوات البحرية الألمانية، أخيم شونباخ، أنَّ "القول إنَّ روسيا تريد دمج أجزاء من أوكرانيا هو مجرد هراء"، مضيفاً أنَّ "ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقاً هو الاحترام"، لكنه وجد نفسه بعد ذلك في موقفٍ محرَج، وطلب إعفاءه من منصبه، وقدّم استقالته، الأمر الذي أدّى إلى عاصفة دبلوماسيّة بين البلدين.

استدعى التصريح تدخُّلاً فورياً  من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من أجل تهدئة الأوضاع، قائلاً إنه "ليس لديه أدنى شك" في استعداد ألمانيا لدعم الرد الغربي المشترك على "غزو" روسي محتمَل لأوكرانيا.

أفغانستان.. بدايات القلق الألماني من سياسات الولايات المتحدة

بالعودة قليلاً إلى أحداث الانسحاب الأميركي من أفغانستان، في شهر آب/أغسطس الماضي، حين دعت دول الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل قوة ردع عسكرية لمواجهة التحديات الأمنية والدفاعية، طالبت ألمانيا الاتحاد الأوروبي بالسماح لتحالفات الدول من داخل التكتل بنشر سريع للقوات في حالة نشوب أي أزمة.

وقالت وزيرة الدفاع الألمانية، حينها، إن "القدرات العسكرية لدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي موجودة بالفعل، لكن المعضلة الأساسية، بالنسبة إلى مستقبل سياسات الأمن والدفاع الأوروبية، تكمن في كيفية توحيد تلك القدرات واستغلالها"، على حد تعبيرها.

حتى بعد الانسحاب، وصفت المستشارة الألمانية حينها، أنجيلا ميركل، انهيار الوضع في أفغانستان بأنه "مرير ومأسَوي ورهيب"، معتبرةً أن قرار الانسحاب الذي اتخذته واشنطن جاء نتيجة أسباب سياسية داخلية أميركية. وذهب الرئيس الألماني، فرانك - فالتر شتاينماير، أبعدَ من ذلك، معتبراً أن مشاهد الفوضى والارتباك الكاملين في أفغانستان هي وصمة عارٍ للغرب.

حتى إن أرمين لاشيت، رئيس حزب "الاتحاد الديموقراطي المسيحي"، وهو حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل آنذاك، قال إن انسحاب القوات الغربية من أفغانستان هو "أكبر إخفاق للحلف الأطلسي منذ تأسيسه قبل سبعة عقود"، وإن "استيلاء حركة طالبان على السلطة، بعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي، يبيّن بوضوح أن تدخّل المجتمع الدولي لم يتكلّل بالنجاح".

غازُ روسيا.. هل تضحي ألمانيا بمصدر الطاقة؟

طوال أعوامها الـ16 في السلطة، حرصت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، على المحافظة على العلاقة بروسيا، في محاولة لفصل الخلافات الجيوسياسية عن المصالح الاقتصادية بين البلدين.

وفق صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن "اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي جعل أوروبا تفتقر إلى خيارات معاقبة موسكو إذا قامت الأخيرة بغزو أوكرانيا، وهي نفسها معرَّضة للخطر إذا أوقفت روسيا صادرات الغاز إلى الغرب".

ولفتت الصحيفة، في مقال لها، إلى أن القرار الذي مضى عليه عقدان من الزمن، من أجل التخلُّص بالتدريج من الطاقة النووية، والتحركات الأخيرة لخفض الاعتماد على الفحم في محاولة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تعني أن ألمانيا أصبحت الآن أكثر اعتماداً على الغاز الروسي من معظم جيرانها، ليس فقط من أجل التدفئة، ولكن أيضاً في سبيل توليد الطاقة.

من جهتها، تحدَّثت وكالة الإحصاء الأوروبية، "يوروستات"، عن عدة عوامل تضافرت معاً لتصبح ألمانيا أكبر مُشتَرٍ للغاز الروسي في العالم، وهي تستورد أكثر من نصف وارداتها من الغاز من روسيا، في مقابل استيرادها نحو 40٪  من الاتحاد الأوروبي.

وبالعودة إلى ما ورد في المقال، فإن شركة "غازبروم" تسيطر على عدد من منشآت تخزين الغاز المنتشرة في جميع أنحاء ألمانيا، ومن بين أكبر المنشآت في أوروبا، الأمر الذي يتيح لموسكو الوصول إلى نظام عازل مهم في حالة ذروة الطلب".

ويمثل  خطّ "نورد ستريم 2" للغاز الطبيعي، وهو الخط الذي تم إنشاؤه مؤخّراً على طول بحر البلطيق لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا، أحدَ أهم المحفزات لألمانيا في استثمار علاقة جيدة بروسيا، وقلقها كذلك من أي عوامل توتير تُوقف إمداداته.

اخترنا لك