"إسرائيل" وانتهاء جولة مفاوضات فيينا: فرصة للتقييم.. ولتفعيل الضغط الدولي
تصاعد النقاش الإسرائيلي العام في محاولة لتقييم نتائجها المفاوضات، وسارعت مختلف الأوساط الإسرائيلية إلى الادلاء برأيها في جملة من العناوين المتصلة بها. بقي المنحى التشاؤمي سيد الموقف في "إسرائيل".
-
خلال الجولة السابعة للمفاوضات النووية في فيينا
انتهاء جولة المفاوضات النووية في فيينا والاستعداد لجولة أُخرى، قُرئ في "إسرائيل" في اتجاهَيْن: فرصة تقييم، والحكم على المفاوضات بالفشل؛ والثاني كمناسبة لتفعيل ضغط إسرائيلي متعدّد الأبعاد والاتجاهات، بغية تعزيز حضور مطالب "إسرائيل" وهواجسها في جولة المفاوضات المرتقبة. وبين هذَيْن الاتجاهَيْن تمحور النقاش الإسرائيلي حول جملة من النقاط، منها: الخيار العسكري، لجهة وجوده وجدوى طرحه خلال المفاوضات؛ مدى قرب إيران من العتبة النووية ومفاعيل ذلك على الصراع الإسرائيلي - الإيراني، وفي ضوء ذلك سُجِّل تعزيز لحملة الانتقادات ضد المسؤولين الإسرائيليين على خلفية كثرة الثرثرة والتبجّح مقابل غياب الاستراتيجية في الموضوع الإيراني.
التشاؤم سيد الموقف
بعد انتهاء جولة المفاوضات النووية في فيينا، تصاعد النقاش الإسرائيلي العام في محاولة لتقييم نتائجها الأولية، وسارعت مختلف الأوساط الإسرائيلية إلى الادلاء برأيها في جملة من العناوين المتصلة بها. وفي غضون ذلك، بقي المنحى التشاؤمي سيد الموقف في "إسرائيل"، من إمكانية وصول المفاوضات إلى خواتيم سعيدة لـ"إسرائيل".
أجواء التشاؤم والإحباط من غياب عنصرين حيويين في المقاربة الإسرائيلية، هما عدم حضور تشديد العقوبات والخيار العسكري؛ انخرطت في التعبير عنهما مختلف الأوساط الإسرائيلية، على تنوّع مستوياتها وتعدد حيثياتها.
وقد لخّص رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، الموقف الإسرائيلي من جولة المفاوضات الأخيرة، في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية الأحد الماضي، بالقول: "لقد انتهت جولة المفاوضات الأولى بين إيران والدول العظمى دون تحقيق أي نتائج، حيث يتفاوض الإيرانيون، كما كان متوقعاً، بمهارة، وهم تراجعوا عن كافة التفاهمات السابقة كما واتخذوا موقفًا حازمًا وهمجيًا للغاية".وأضاف بينيت"لقد حصلنا على مثال على الابتزاز النووي الذي تحدثت عنه حينما نُشر أثناء المحادثات الجارية في فيينا خبر شروعهم في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20% من خلال أجهزة الطرد المركزي المتطورة في منشاة فوردو الواقعة تحت الأرض، مما يُعدّ خطوة في غاية الخطورة".
وعلى وقع القلق الإسرائيلي من المقاربة الأميركية للمفاوضات، انتقد مسؤولون إسرائيليون مسلكيّة واشنطن لغاية الآن. وبحسب ما نقلت صحيفة " هآرتس" عن مصدر سياسي إسرائيلي، فإن الإدارة الأميركية مربكة بعد أسبوع المحادثات، وهي لم تتوقع أن الجانب الإيراني سيزيد من تطرف مقاربته حول العودة إلى الاتفاق النووي السابق. المسؤول نفسه أضاف أن مسؤولين أميركيين فُوجئوا من طرح ممثلي إيران مطالب شديدة فيما خصّ رفع العقوبات وقائمة شروط للعودة إلى الاتفاق النووي السابق. كما حذّر مسؤولون من السيناريو المحتمل الذي توافق فيه واشنطن على رفع العقوبات مقابل اتفاقٍ مرحلي جزئي، على قاعدة "أقل مقابل أقل".
في المقابل ثمّة تقديرات إسرائيلية بأن إيران - على الرغم من تشدّدها - لن تُسارع إلى تفجير المفاوضات، لأنها بحاجة شديدة لرفعٍ ولو جزئي للعقوبات عليها بسبب أزمتها الاقتصادية.
فرصة لتكثيف الضغط
ترى "إسرائيل" في انتهاء جولة المفاوضات الأخيرة فرصة لتكثيف الضغط على الأميركيين للسير بسياسة أكثر تشدداً مقابل الإيرانيين. وفي محاولة لاستغلال نافذة الفرص التي تتشكّل بين جولتين، سابقة ولاحقة، تسعى "إسرائيل" إلى نقل رسائل للأميركيين، تفيد بأنه حان الوقت لتشديد المواقف تجاه إيران، التي تتقدّم بسرعة في تخصيب اليورانيوم بالتوازي مع المفاوضات.
وفي إطار حملة الضغط الإسرائيلية بدأ رئيس الموساد دافيد برنيع يوم الإثنين جولة لقاءات مع مسؤولين في واشنطن، كما سيصل الخميس المقبل إلى واشنطن وزير الأمن بني غانتس، مع العلم أن زيارة غانتس تقرّرت قبل عدّة أسابيع، أي قبل انتهاء جولة المفاوضات في فيينا.
وبحسب تقارير إسرائيلية سيحاول "برنيع" إقناع الأميركيين بأن إيران تسخر من المشاركين في الاتفاق، وأنها لا تنوي أبداً وقف تطوير برنامجها النووي. وأضافت التقارير أن "برنيع" يحمل معه مادة استخبارية هامة تدعم التقديرات الإسرائيلية.
ويُذكر أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، انضم أمس إلى جوقة مطلقي التهديدات ضد إيران، وقال في مراسم اعتماد سفير الولايات المتحدة الأميركية الجديد توم نيدس في "إسرائيل": إذا فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل للمشكلة النووية الإيرانية فإن "إسرائيل ستفعل ذلك بنفسها".
تشعُّبات السّجال الداخلي الإسرائيلي حول الملف النووي الإيراني، جاءت خلال السّاعات القليلة الماضية على وقع حدث انتهاء جولة المفاوضات الأخيرة والاستعداد لجولة قريبة. وقد دار السجال حول النقاط المحورية التالية:
الخيار العسكري
في هذا الإطار، وجِّهت انتقادات بالجملة للمسؤولين الإسرائيليين على عدم جديّتهم في الاستعداد لخيار عسكري حقيقي مقابل المشروع النووي الإيراني، على الرغم من "كثرة التهديدات والتبجح" الذي دأب عليه رؤساء الحكومات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة.
ورأى رئيس الحكومة الأسبق، ايهود باراك، أن "السياسة تجاه إيران منذ سنة 2015 هي إفلاس له عنوان ومسؤول (هو نتنياهو). إخفاقٌ في صلبه إهمال متسيّب ووهم ذاتي خطر".
وأضاف باراك "صحيح أن الاتفاق في سنة 2015 كان سيئاً، لكن لحظة وُقّع أصبح حقيقة. والأخطر من ذلك، في الحالتين، وضمن غرق في وهم ذاتي، لم يعمل نتنياهو على مدى سنوات على إعداد خطة بـ(عسكرية) إسرائيلية وأميركية".
انتقادات "باراك" لاقت اسناداً من خبراء وباحثين ، من بينهم رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست سابقاً، عوفر شيلح، واللواء احتياط عيورا آيلند، ممن رأوا أنه من "الجيّد لـ"إسرائيل" أن لا تضع نفسها في الواجهة، وانتقد هؤلاء التصريحات الأخيرة "غير الحذرة" التي أدلى بها بينيت ورئيس الموساد".
وأضافوا أنه "عندما يقول برنيع، إن الموساد يعرف كيف يوقف البرنامج النووي الإيراني ويسافر إلى الولايات المتحدة في اليوم التالي، فهو يدعو الأميركيين للقول - إذا كان الموساد يعرف كيف يوقف البرنامج النووي الإيراني فماذا تريد منا؟ أوقفوا البرنامج النووي الإيراني وسيكون في صالح الجميع".
وحول "سياسة أمسكوني"، التي ينتهجها بعض القادة الإسرائيليين، فهي بحسب خبراء آخرين "مجرّد لفت انتباه للقوى العالمية بأن الجيش الإسرائيلي يُوسّع استعداداته"، وأضافوا أن "هذا سيستغرق الكثير من الوقت، وهذه التصريحات هي بمثابة ضغط على الغرب والمنظومة الدولية التي تبدو متشكّكة أصلاً من الخيار العسكري".
وحول تبادل التهم عن التقصير في تحضير خطّة عسكرية لتعطيل المشروع النووي الإيراني ذكّر باحثون بأن وزراء الأمن منذ عام 2016 إلى اليوم، عدا عن نتنياهو نفسه، هم أفيغدور ليبرمان، نفتالي بينيت وبني غانتس، وأن أحداً لم يمنعهم من القيام بذلك لو أرادوا.
وشكّك معلّقون بجدية التهديدات الأميركية ضدّ إيران، ورأوا أن إن ذلك "يبدو وكأنه تهديد من دون مضمون: تماماً مثل تلك التي سمعناها الأسبوع الماضي في القدس عن هجوم محتمل ضد منشآت نووية".
إيران والعتبة النووية
استمر النقاش العام الإسرائيلي حول نقطة محورية تتعلّق بحقيقة موقع إيران من ما يُسمى "العتبة النووية". وفي هذا السياق كتب رئيس الحكومة الأسبق ايهود باراك أنه "في مدى أشهرٍ معدودة، يمكن لإيران أن تتحوّل إلى دولة عتبة نووية، بحيث لا يمكن وقفها من الوصول إلى سلاحٍ نووي في التوقيت الذي تختاره". وتابع باراك أن "هذا واقعٌ جديد يفرض تقديرا متزنا للوضع، وقرارات وأعمال وليس تهديدات متغطرسة فارغة".
ولفت باراك في مقال كتبه في "يديعوت احرونوت" إلى أن "إيران نووية، أو حتى دولة عتبة (نووية)، هو تغيير جوهري نحو الأسوأ في وضعنا الاستراتيجي، لكنها لا تنطوي في المدى المنظور على تهديدٍ وجودي لإسرائيل".
وأضاف "في حال امتلكت إيران سلاحاً نووياً فإن مفاعيل ذلك ستتمثل في تحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل"، وليس الهدف منه القاء قنبلة نووية على "إسرائيل".
الأفكار التي طرحها باراك استدعت رداً سريعاً من محيط رئيس الحكومة، وجاء أن "هناك مسؤولون كبار سابقون (باراك) بحاجة إلى التخلّص من الميل إلى تبنّي موقف الإدارة الأميركية تلقائياً والعمل كمتحدثين باسمها".
ولفت خبراء إلى أنه "من دون اتفاق، ومن دون رقابة، فإن إيران حرّة في الاستمرار في برنامجها النووي، والتقدّم باتجاه العتبة النووية، والتوقف قبل ذلك بخطوة واحد، قبل الاختراق الى القنبلة بوقت ضئيل".
وفيما أوضح خبراء أن الأميركيين لن يسارعوا إلى مغامرة عسكرية مع إيران لأن جراحهم من أفغانستان وسوريا والعراق لم تبرأ بعد، لفت آخرون إلى أن من يعتقد أن الولايات المتحدة ستهاجم إيران في الأشهر القريبة فهو مخطئ. و"إسرائيل" موجودة في تقاطع إشكالي مع بدائل قليلة جداً.
انتقادات للثرثرة وغياب الاستراتيجية
تحولت معضلة إيران برأي خبراء وباحثين كثر إلى عِقدة أصابت القيادة الإسرائيلية بدينامية الثرثرة الخطرة وهي عِقدة تشير - برأيهم - إلى الإحراج وغياب السياسة وانعدام الانضباط والارتباك في فهم العلاقة بين المستويات والصلاحيات للتحدث علنا عن السياسة الخارجية والأمن بشأن قضايا حساسة.