الزلزال مرّ في اللاذقية.. كيف أصبح الوضع بعد 3 أسابيع على الكارثة؟
ثلاثة أسابيع مرّت على زلزال اللاذقية، المدينة الوادعة، المطلّة على البحر المتوسط، تبدّلت أوضاعها رأساً على عقب.
فقدت آلاف العائلات في اللاذقية منازلها، إمّا هدماً، وإمّا تصدُّعاً يفرض هدمها حفاظاً على السلامة العامة، جراء الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا في 6 شباط/فبراير الماضي، وبين هذه الأبنية وتلك مئات الأبنية التي باتت غير صالحة للسكن قبل ترميمها وتدعيمها.
وبحسب أرقام أولية لنقابة المهندسين، فإنّه جرى تسجيل 900 مبنى متضرر بالكامل، وهو إمّا مهدَّم، وإمّا آيل إلى السقوط، وهناك 3100 منزل في حاجة إلى تدعيم، و11500 تحتاج إلى صيانة، من أصل 25 ألف منزل تم الكشف عليها.
في ردهة أحد الفنادق تجلس سيدة خمسينية، تمكث في الفندق وعائلتها منذ صباح السادس من شباط/فبراير، بُعَيد حدوث الزلزال بساعات.
فضّلت العائلة المغادرة مبكراً، كما فعل قاطنو البناء البرجي المتضرر من الزلزال، قبل أن تصل إليهم اللجان الهندسية للكشف عن المنزل. حجم التصدعات، وسقوط بعض قطع الدربزون الحجري، وتضرّر الأعمدة، وحالة الخوف التي عاشوها، كلها أسباب جعلت العائلة تفضل المغادرة إلى فندق قريب من حيّ الأميركان الفخم في قلب المدينة.
لكنها حالة لا يمكن تعميمها على السواد الأعظم من المتضررين من الزلزال. اضطر هؤلاء إلى النزوح بعيداً إلى منازل يمتلكونها في القرى الجبلية المحيطة، أو إلى أقرباء وأصدقاء لهم في ريف اللاذقية، استضافوهم بعيداً عن حالة خوف تتجدد بين فينة وأخرى، تبعاً لتكرار الهزات الارتدادية.
الوضع الأصعب تكرّسه أوضاع قاطني 29 مركز إيواء أقامتها محافظة اللاذقية، تضم آلاف الأشخاص من المتضررين من الزلزال. لا يمتلك كثيرون ممن قصدوا هذه المراكز خياراً آخر، فهم إمّا فقدوا منازلهم بالكامل ونجوا بأرواحهم، وإمّا تصدعت منازلهم، إلى درجة تصعب العودة إليها.
في مركز إيواء المدينة الرياضية 3 صالات تضم أكثر من ثلاثة آلاف شخص، يفترشون أرضية الصالات الرئيسة المغلقة، أو وجدوا أماكن لهم خلف المدرجات. في تلك المساحة، بدأ العمل بإقامة غرف خشبية للفصل بين العائلات. عائلات جاء معظمها من مناطق تضررت بقوة من الزلزال، من الجنديرية والرمل الجنوبي والشاليهات.
تشرف مؤسسة العرين على تلك المراكز، ويتولى متطوّعوها تقديم وجبات غذائية يومية، بينما تقوّم عيادات متنقلة لمديرية الصحة في اللاذقية والهلال الأحمر السوري أوضاعَهم الصحية، وتقدّم نقطة طبية للحشد الشعبي العراقي الأدوية.
تفتقد تلك المراكز خصوصية تحتاج إليها العائلات، وتعاني ضغطاً شديداً على مرافقها الصحية، كونها ليست مجهَّزة أساساً لتكون مراكز إيواء.
على المرج الأخضر في ساحات المدينة الرياضية الممتدة يشرف متطوعون من جمعية السنابل على أحوال الأطفال. ساعات للَّعب الجماعي والتسلية ضمن خطة مواجهة صدمة ما بعد الزلزال، بينما يُمضي أطفال آخرون ساعات مع ذويهم في أجواء الربيع الدافئة.
لا أعلم إن كان مركز المدينة الرياضية، في صالاته الثلاث، هو الأفضل بين مراكز إيواء المحافظة، لكنه بالتأكيد الأكثر استيعاباً، الأمر الذي جعله مقصداً لعشرات الوفود الزائرة. وفود من وكالات ومكاتب الأمم المتحدة والصليب الأحمر والصحة العالمية وأخرى، ممّن رافقوا شحنات معونات من إيران والعراق وروسيا وبيلاروسيا واليمن.
معونات تنوَّع وصولها، براً وجواً وبحراً. أكثر من 76 طائرة معونات إغاثية حطت في مطار اللاذقية حتى الـ25 من شباط/فبراير، وسفينتا نقل مصريتان حملتا 1500 طن من المساعدات إلى مرفأ اللاذقية، ومئات الشاحنات القادمة عبر الحدود السورية العراقية، محمَّلة بأكثر من عشرة آلاف طن من الأغذية والألبسة والأدوية.
المساعدات نقلها متطوعون من الحشد الشعبي والعتبة المقدسة وحزب الدعوة، ومئات أخرى من الهيئة الصحية الإسلامية وحزب البعث وفعاليات لبنانية متعددة، وكذلك الأمر عبر معبر نصيب عند الحدود السورية الأردنية، مقدَّمة من الحكومة الأردنية والكنيسة الأرثوذكسية في عمّان وفعاليات أردنية وفلسطينية.
لا تغيب قوافل الإغاثة القادمة من المحافظات السورية والشاحنات الروسية واللبنانية والعراقية عن شوارع اللاذقية وريفها.
حوّل العراقيون ساحة المنطقة الحرة قرب المرفأ إلى ساحة عمليات لفزعتهم. أقاموا مطبخاً مجهَّزاً لتقديم 15 ألف وجبة إفطار، ومثلها للغداء، وأخرى للعشاء، وجهّزوا مخبزاً متنقلاً يقدّم مئات الكيلوغرامات من الخبز يومياً، وكل هذا تنقله شاحنات متوسطة الحجم في اتجاه ريفَي جبلة واللاذقية بعيداً عن مركز المدينة، وبالتنسيق مع محافظة اللاذقية، من أجل استهداف شرائح لم تصل إليها المعونات.
يندر أن تجد عائلة لم تتضرر من الزلزال في اللاذقية. فمن لم تتأثر مباشرة أصابتها تداعيات الزلزال، خوفاً وهلعاً وتراجعاً حاداً في الأعمال اليومية، من بيع وشراء، في ظل أزمة معيشية خانقة سبقت الزلزال.
ربما هذا يفسّر سؤال كثيرين عن خطط تدعيم منازلهم وصيانتها، كونها أولوية تتقدم على المعونات الغذائية، على الرغم من أهميتها.