المدارس الأميركية حقول رماية.. مقتل 338 ألف طفل منذ عام 1999
تحوّلت المدارس في الولايات المتحدة الأميركية إلى ما يشبه حقول الرماية ارتكب فيها العنصريون والمتطرفون المجازر ببرودة أعصاب على مدار العقود الماضية.
تحوّلت المدارس في الولايات المتحدة الأميركية إلى ما يشبه حقول الرماية، ارتكب فيها العنصريون والمتطرفون البيض - فضلاً عن الأشخاص المتأثرين بالسلوك النازي - المجازر ببرودة أعصاب على مدار العقود الماضية، وحوّلوا بالتالي غضبهم إلى رصاصات قاتلة لاحقت زملائهم أمّا في قاعات الدراسة أو باحات المدرسة، وغالباً ما يكون ضحاياهم من جنسيات وأعراق ملونة.
أمّا النتيجة، فكانت أرقاماً صادمة من الأرواح البريئة، لأطفال في عمر الورود، دفعوا حياتهم ثمناً لسياسات شرعنة السلاح التي يقاوم عدد كبير من المشرعين في الكونغرس أي محاولة لضبطها أو تجريمها عبر سنّ قوانين تحظر أو تمنّع على المواطنين شراء الأسلحة أو اقتنائها.
آخر الإحصائيات عن عدد الضحايا من الأطفال في المدارس الأميركية
في أعقاب المذبحة التي وقعت في مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس هاي في بلدة باركلاند بولاية فلوريدا الأميركية في 14 شباط/فبراير 2018، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أنّ عدد الأطفال الذين كانوا تعرضوا لإطلاق نار في الولايات المتحدة، منذ جريمة مدرسة كولومباين العليا في ولاية كولورادو العام 1999، بلغت نحو 187 ألف طفل قتيل.
لكنّ المثير في الأمر، أنّه بعد 5 سنوات فقط (أي العام الحالي 2023)، وعلى الرغم من الوباء الذي أدّى إلى إغلاق العديد من المدارس لمدة عام تقريباً، فقد ارتفع العدد بشكل صاروخي وتجاوز 338 ألف طفل قتلوا بالرصاص.
وفي حين لا يزال من غير المحتمل أن يتعرض أي طالب لإطلاق نار في المدرسة، ما تجدر معرفته أنّه في السنوات الأخيرة، شهدت حوادث إطلاق النار في المدارس الأميركية ارتفاعاً مستمراً. خلال عام 2017، بلغ متوسط عدد حوادث إطلاق النار في المدارس 11 مدرسة سنوياً، ولم تتخط مطلقاً 16 عملية إطلاق نار في عام واحد. لكن ابتداءً من عام 2018، أخذت حوادث العنف والجرائم تتصاعد تدريجياً.
وفي عام 2020، رغم إجبار فيروس كورونا المدارس على الإغلاق لأشهر عدة، ما أدّى إلى تراجع عدد عمليات إطلاق النار، إلا أنّه مع عودة الطلاب من جديد لحضور فصولهم الدراسية مرةً أخرى، تعرضت 42 مدرسة من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر لإطلاق نار في عام 2021 وحده. في حين عانت 46 مدرسة بالمثل، في العام التالي، ما عكس الازدياد الكبير والخطير في عنف السلاح في الولايات المتحدة مع خروجها من الوباء.
أمّا العام 2022 فكان الاسوأ على صعيد عمليات إطلاق النار في المدارس بالتاريخ، إذ وقعت 46 عملية من أعمال العنف (إطلاق نار) خلال ساعات الدراسة، وتوفي 34 طالباً وبالغاً، فيما تعرّض أكثر من 43 ألف طفل لإطلاق النار في الأماكن التي يذهبون إليها للتعلم أو اللهو. ودائماً بحسب "واشنطن بوست".
اقرأ أيضاً: منظمة: نحو 6 آلاف طفل ضحايا إطلاق النار في الولايات المتحدة عام 2022
من هي الفئة العرقية الأكثر استهدافاً بعمليات القتل؟
على أرض الواقع، ووفقاً للإحصاءات، ارتكب مسلحون بيض جميع المجازر الفتاكة تقريباً، وهي حقيقة تركت لدى الكثير من الجمهور انطباعاً خاطئاً بأنّ إطلاق النار في المدارس يؤثّر بشكل حصري تقريباً في الطلاب البيض. لذلك، كان الأطفال الملونين الأشد عرضة لتجربة عنف الأسلحة النارية في الحرم المدرسي. أي بعبارة أخرى، أكثر من ضعف ما يتعرض له الطلاب من أصل إسباني، وأكثر من ثلاثة أضعاف بالنسبة إلى الطلاب السود.
في المقابل، في المدارس التي تضم أغلبية من الطلاب السود، عادةً ما يستهدف القتلة شخصاً معيناً، ما يحدّ من عدد الأشخاص الذين يتم إطلاق النار عليهم.
الجدير بالذكر أنّ الطلاب السود يشكلون 16.6% من تعداد المدارس الأميركية ـــ وهم تعرضوا لإطلاق نار في المدرسة بضعف هذا المعدل ، فيما تبلغ نسبة الطلاب البيض نحو 56.7%.
إجراءات المدارس لحماية الاطفال
لا يمكن للطلاب الأميركيين الهروب من حالة الهلع والخوف الناجمة عن التفكير اليومي في أنّ شخصاً ما يمكن أن يفتح النار عليهم في غرفهم الدراسية في أي لحظة. وبناءً على ذلك، وفي بلد أصبح فيه عنف السلاح الآن السبب الرئيسي لوفاة الأطفال والمراهقين، اتخذت المدارس الأميركية عدداً من الخطوات والتدابير الهادفة إلى ضمان سلامة طلابها.
علاوةً على ذلك، وبغض النظر عن القتلى والجرحى، فإنّ الأطفال الذين كانوا شهدوا عمليات قتل لزملائهم أمام أعينهم، أو اختبؤوا خلف الأبواب المغلقة هرباً من مسلح يطلق النار عشوائياً، أُصيبوا بصدمات شديدة سترافقهم لأعوام طويلة.
من هنا، فرضت المدارس الأميركية على ملايين الأطفال المرور عبر أجهزة الكشف عن المعادن، أو خوض تدريبات إطلاق النار النشطة التي تهدف إلى إعدادهم لخطر القتل الجماعي. وعليه، ووفقاً لأحد التقديرات، توظف أنظمة المدارس ما يصل إلى 20000 موظف موارد على مستوى البلاد، في محاولة للحفاظ على مبانيهم آمنة.
ومع أنّ مسألة ما إذا كانت التدريبات تؤذي الطلاب أكثر ممّا تساعدهم، تبقى نقطة نقاش بين القائمين على المدارس والجهات الرسمية - وهي تتطلب المزيد من البحث - لكن نظراً إلى عدم وجود أفضل الممارسات المتبعة عالمياً، تتخذ المدارس مناهج مختلفة بشكل كبير، وأحياناً عشوائية، لإعداد الطلاب لخطر محتمل.
اقرأ أيضاً: نحو 600 عملية إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة في 2022
في إحدى الحالات وفي ولاية تكساس تحديداً، اشتكى آباء تلاميذ المدارس الابتدائية من أنّ التدريبات التي أسيء التعامل معها جعلت أطفالهم يتبولون في الفراش ويتوسلون للحصول على أقفال خاصة لإبعاد "البالغين السيئين" عن غرف نومهم.
وتعليقاً على ذلك، قال ستيفن شلوزمان، الطبيب النفسي للأطفال والأستاذ المساعد في كلية دارتموث، إنّ "هذه قضية صحية عامة واضحة وملحة".
وأضاف شلوزمان: "لدينا بيانات جيدة جداً تفيد بأنّ الأطفال القريبين من ظروف مخيفة، مثل تلك التي تؤدي إلى إغلاق المدارس، معرضون لخطر الأعراض الدائمة. وهذا يشمل كل شيء من تدهور التقدم الأكاديمي والاجتماعي، إلى الاكتئاب والقلق وقلة النوم وأعراض ما بعد الصدمة، فضلاً عن تعاطي المخدرات".
وفي واقعة ثانية، في مدرسة أخرى، شعر صبي يبلغ من العمر 12 عاماً بالرعب لدرجة أنّه كتب وصية، وعنوان منزله واسم والدته في أعلى الصفحة، وقال: "أنا آسف على أي شيء قمت به". وتابع: "أنا خائف حتى الموت".
من أين يأتي مطلقو النار بالأسلحة؟
عملياً، نادراً ما كان الرماة الصغار يشترون الأسلحة النارية في الشارع أو يسرقونها من سيارات الغرباء أو منازلهم، لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى ذلك. ففي 86% من الحالات التي فحصتها "واشنطن بوست"، وجد الأطفال البنادق في منازل أصدقائهم أو أقاربهم أو آبائهم.
الأكثر أهمية، حدّدت الإحصاءات أيضاً أنّ الأطفال مسؤولون عن أكثر من نصف حوادث إطلاق النار في المدارس في البلاد، وأوضحت أنّ أياً من هذه الجرائم، ما بالإمكان ارتكابها، ولم يكن هؤلاء الأطفال قادرون على الوصول إلى الأسلحة النارية.
في المحصلة، في بلد يحتوي أسلحة أكثر من الأشخاص، ما يجهله كثيرون أنّ هناك صناعة خاصة تدر 3.1 مليارات دولار سنوياً، نشأت بسبب الجرائم في المدارس خصوصاً، حيث يبيع القائمون عليها أنظمة حماية أمنية غير فعّالة إلى حد كبير للمناطق العاجزة عن فعل شيء ما، للحدّ من هذه الظاهرة.
وهنا لا بدّ من النظر إلى سلسلة من المصالح تبدأ بمصعني الأسلحة الفردية، وتمرّ بالمشرّعين الداعمين، وتنتهي بمنتجي أنظمة الحماية أعلاه. وبالتالي يبقى السؤال: من يحمي الأطفال والأهل؟