أبوة خلف القضبان وأزواج وأخوة لا يلتقون: تفاصيل عن حياة الأسرى للميادين نت

• 

لا جديد حقيقياً في تهديدات وزير الأمن القومي الإسرائيلي الجديد إيتمار بن غفير للأسرى الفلسطينيين. هكذا يقول أهل عدد من الأسرى الذين استطلعت "الميادين نت" آراءهم بشأن المرحلة المقبلة المرتقبة من حياة أبنائهم في سجون الاحتلال.

بالنسبة إليهم، الأسرى لا يعيشون في فنادق أصلاً، لا خمس نجوم ولا نصف نجمة. هم في سجون والسجون قاسية وصعبة على الأسير وأهله حين يسمح لهم بزيارة الأخ أو الزوج أو الابن أو الأب.

التضييقات لم تتوقف يوماً

تقول سناء سلامة، زوجة الأسير وليد دقة، إنها لا ترى جديداً في كلام بن غفير، وأنه يجب ألا ننساق إلى ما يردده الإعلام الإسرائيلي حول السجون. فشبابنا الفلسطينيون يقبعون في سجون تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة الإنسانية. توضح سناء أن أي إجراءات جديدة ينوي بن غفير اتخاذها لن تأتي من خارج سلة الإجراءات المعتادة التي لم تتوقف يوماً مصلحة السجون عن ممارستها بحق الأسرى مثل النقل بين السجون والعزل، وذلك رداً على مخططات مصلحة السجون إعادة توزيع نحو ألفَي أسير.

تقول سناء، أم الطفلة ميلاد التي ولدت من نطفة مهربة وتقترب من عامها الثالث، إن كل التضييقات معروفة ومنها منع الزيارات وإعادة التحقيق وغيرها، أما إذا كان الحديث عن أمور جديدة تتفتق عنها أذهانهم ولم يختبرها الأسرى قبلاً، فالأيام بيننا. لكن وضع السجون وأسرانا داخلها أصلاً سيئ، وبينهم وليد الذي يعاني الإهمال الطبي الذي تسبب بتدهور وضعه الصحي كما غيره من الأسرى.

تتحدث سناء باعتبارها زوجة أسير من حملة جنسية الاحتلال من أهلنا الباقين في الأرض المحتلة عام 1948، أي ممن تعدّ ظروف زيارتهم أفضل نسبياً من ظروف زيارة أهل الضفة الغربية والقدس وغزة لأبنائهم الأسرى، وذلك بسبب إمكانية الانتقال بسيارتها الخاصة إلى السجون ضمن الأرض المحتلة عام 48، وتفادي الحواجز التي تضطر بقية أهالي الأسرى إلى الوقوف عندها ساعات طويلة في الباصات المحددة لنقلهم إلى السجون. يخبرنا يوسف الخندقجي من نابلس والممنوع حالياً من زيارة أخيه الأسير باسم بسبب الرفض الأمني، أن الزيارة التي تستمر 45 دقيقة كل أسبوعين تتطلب يوماً كاملاً على الطرقات، بين الحواجز والتفتيشات لغاية دخول السجن والخضوع أيضاً لتفتيشات مهينة داخله، حرارية ويدوية. وإذا ما تمت الزيارة فهي تكون من خلال هاتف يشوّش عليه وعبر زجاج يفصل بين الأسير وأهله المسموح لهم بزيارته.

يوسف المحكوم أخاه بثلاثة أحكام مؤبدة أمضى منها 19 عاماً في سجون الاحتلال، يقول إن إدارة السجون هي الخائفة من الأسرى ليس العكس. فالأسير المحكوم بالمؤبد ليس لديه ما يخسره أمام إدارة السجون، إذ جرّب كل أشكال القمع والتنكيل التي لا تتوقف أصلاً. ولكن، أصعب أشكال التنكيل هو العزل، إذ يمكن لإدارة السجون أن تنسى الأسرى في العزل بدون زيارات، أو محام أو طبابة، حتى إن بعض الأسرى قضى أكثر من عشر سنوات في العزل الانفرادي.

يقول باسم إن التضييقات لم تتوقف يوماً، لكنه كفرد من أسرة أسير لا يخشى على معنويات أخيه، فالأسرى وأهاليهم يمدّون بعضهم بعضاً بالمعنويات العالية، بالرغم من التضييقات المستمرة. ويضرب لنا مثلاً التفتيشات الفجائية للأسرى، والتي تتم دائماً وفي أي وقت، إذ قد تقرر مصلحة السجون تفتيش غرف الأسرى أو زنازينهم عند الثالثة فجراً، ويتم ذلك مع تنكيل وقمع وتخريب ممتلكات الأسرى، وقد يتم نقل بعضهم من زنزانة إلى أخرى أو من سجن إلى آخر.

يقول الخندقجي "للميادين نت" إن من مفارقات الحديث عن تضييقات جديدة أنها الحقيقة القائمة، مثلاً ممنوع إدخال الجينز إلى السجون أو السترات مع طاقية، وهناك ألوان معينة مسموح فقط بدخولها للأسير، وقد يقرر الشرطي أنه حتى سراويل الكتان المسموح بها أو الألوان المعروف أنها مسموحة تم منعها في هذه الزيارة بالذات، وطبعاً لا يمكن الاعتراض وإلا فقد يحرم الزيارة، وكلام الشرطي يكون بلهجة استعلائية وفوقية، وكثيراً ما تكون هناك مواقف تسودها الحدة بين أهل الأسير والشرطي.

الأبوة بتوقيت السجون

صمود أحمد سعدات، ابنة أسير وزوجة أسير، لديها خبرة طويلة في التعامل مع الزيارات، ولكن هذه المرة، منذ سجن زوجها الأسير المحرر السابق عاصم الكعبي، هي الأصعب بلا شك. فقد سجن عاصم في شهر آب/ أغسطس حين كانت صمود في الأشهر الأخيرة من حملها بطفلهما نادر العربي. ولأن الهواتف ممنوعة في السجون، فلم يعرف أبو نادر بولادة ابنه إلا بعدما وضعته صمود بساعات، وهذه كانت لحظات صعبة جداً بالنسبة إلى زوجين، وفق صمود..

صمود المقيمة في رام الله تخبر "الميادين نت" أنها لم تزر زوجها، ولو مرة، منذ اعتقل هذه المرة لصعوبة الزيارة بوجود طفل، خاصة أن الزيارة تتطلب قضاء يوم كامل من على الطرقات مع رضيع لم يبلغ الشهرين من عمره بعد. توضح صمود أن زوجها معتقل إداري، وأن إمكانية تجديد الاعتقال واردة، بسبب التضييقات الجديدة المعلن عنها، وهي تتخوف من التجديد لأنها تختبر الأمومة وحدها فيما يختبر عاصم الأبوة عن بُعد، لأنه لم ير ابنه بعد.

تضيف صمود بأن أوضاع السجون سيئة، ولا يمكنها التفكير كم يمكن أن تسوء أكثر بوصول اليمين المتطرف إلى الحكم. ولكن هذه الحكومة تديرها عقلية إجرام قد تصل إلى حدّ الشروع في القتل، من خلال سن قانون إعدام للأسرى الملطخة أيديهم بالدم، كما يصفهم الصهاينة، بحسب صمود. تقول إن الأمر يقلقها، لأن في ذلك خطراً على حياة الأسرى، فهذه العقلية مجرمة لدرجة سن قوانين تشرع إجرامها، وهذا ليس بعيداً عن كل هذه الدولة الاستعمارية المحتلة التي لا تتوانى عن معاقبة كل من يحاول الوقوف في وجهها، كما حصل مع الأسير المقدسي صلاح الحموري الذي سحبت منه إقامته المقدسية وأبعد إلى فرنسا.

على صفحة روان أبو غوش على "إنستغرام"، تطالعنا صورة لها ولولديها التوأمين، ورد ومينا، مع والدها أمام سجن نفحة، حيث كانوا في زيارة لزوجها الأسير المقدسي سامر أبو عيشة.

تقول روان "للميادين نت" إن الاحتلال أبلغ زوجها بأنها قد تمنع من زيارته في أي وقت، وهي لا تعرف السبب. تخبرنا أن الحديث عن تضييقات جديدة ليس فيه جديد، إذ إن هناك تشديدات مكثفة في سجون الجنوب الفلسطيني مثل النقب ونفحة، والتي تعد منفى للأسرى وأهلهم. وهذا السجن يقع إلى أقصى جنوب فلسطين ويبعد نحو ساعتين ونصف بالسيارة عن القدس. ويخضع أهل الأسرى لتفتيش دقيق جداً لدى دخولهم، ومن ضمنهم الأطفال. تتنهد روان وهي تحكي عن التفتيش المهين الذي يرقى إلى مرتبة العنف الجنسي ضد طفليها عبر تفتيشهما باليد بطريقة بالغة الانتهاك لخصوصية جسميهما، ما دفعها إلى الامتناع عن اصطحابهما لزيارة سامر. تقول إن زوجها تقبّل الأمر على مضض، وأن عدم اصطحاب طفليها لزيارة والدهما يؤلمها، فهذه الزيارة أساسية للبقاء على تواصل بينهم كعائلة، ولكن التضييقات المفروضة تجعل زيارة الأطفال للسجن كارثية، فمثلاً ممنوع أن يحملوا الماء أو الحليب طيلة فترة الزيارة التي تبدأ من الوصول إلى بوابة السجن وقد تستمر أكثر من خمس ساعات بين تفتيش وانتظار، وهو ما لا يطيقه الأطفال. 

قوة الأسرى في وحدتهم

يقول كريم يونس، الأسير الفلسطيني الذي نال حريته بعد 40 عاماً من الصمود ومقارعة السجان، إن وحدة الأسرى هي قوتهم التي ستحطم كل المؤامرات ضدهم. وفي اتصال مع "الميادين نت" يوضح يونس أن خطورة بن غفير تأتي من أن تصريحاته الفاشية والنازية بدأت قبل وصوله إلى مكتب الوزارة بأنه سيعيد السجون إلى سنوات الستينيات، حيث كانت السجون عبارة عن معتقلات مكشوفة قبل انتظام جسم الحركة الأسيرة. ولكن ذلك لا يخيف الأسرى الذين نظموا أنفسهم، وأعدّوا برامج نضالية من الخبرات التي اكتسبوها في إطار "الحركة الأسيرة"، عبر سنوات الاشتباك اليومي والمواجهة مع السجان. وعن احتمال سحب الجنسية الإسرائيلية منه، يقول يونس ساخراً: لا يخيفني الأمر. شخصياً، أنا لست إسرائيلياً بل فلسطينياً، وأنا أعيش في وطني وعلى أرضي وفي بيتي كفلسطيني، وهويتي هي ما يحدد ما أنا لا وثيقة سفر يعطيني إياها أو يسحبها الاحتلال.

الروحية التي يتحدث بها يونس ليست غريبة عن الأسرى في السجون، الأسرى يعدّون برامجهم النضالية ويتأهبون للمواجهة في قلاع الأسر كافة، ويعدون سجانهم أنهم مرة أخرى، سينتصرون.