صراع القوى الدولية.. هل ينتقل من الأرض إلى القمر وما تداعياته؟
سباق الدول نحو القمر، على رغم أهميته للإنسان، يُنبئ باحتمال اندلاع صراعٍ جديدٍ بين القوى الكبرى، الأمر الذي قد ينقل ضوضاء الصراعات العالمية من الأرض إلى الفضاء.
-
لم تعد الأرض تتسع لطموحات الدول المتنافسة فانتقلت إلى خارجها ووصلت إلى حدود القمر
لم تعد الأرض تتسع لطموحات الدول المتنافسة، فانتقلت أهداف القوى الدولية إلى خارجها، ووصلت إلى حدود القمر والصراع على ملكيته. فما الذي يوجد من كنوزٍ على سطح القمر يستدعي هذه المنافسة؟
سؤالٌ بدأ يتردد أخيراً بالتزامن مع إطلاق روسيا أولى مركباتها الفضائية إلى سطح القمر، بعد غيابٍ دام ما يقرب من نصف قرنٍ، وسط سباقٍ مع القوى العظمى، ولا سيّما الهند، التي أطلقت مركبةً الشهر الماضي لاستكشاف مزيد عن العناصر الموجودة في القمر.
معادن أرضيةٌ نادرة، بالإضافة إلى مادة الهيليوم وغيرها من المكونات، التي وُصفت بذهب القمر، تحدثت عنها وكالة "ناسا" الأميركية، قائلةً إنّ المهمة الهندية عام 2008 اكتشفت وجود الماء للمرة الأولى في القمر بعد أن رصدت وجود جزيئات الهايدروكسيل منتشرةً في أنحاء سطحه، ومتركّزةً في قطبيه.
سباقٌ جديدٌ تُطلقه الولايات المتّحدة والصين وروسيا والهند إلى القمر في محاولةٍ منها لاستغلال ثروة القمر المعدنية والتنقيب عنها، ولا سيّما بعد أن أصبح الاستيطان على سطح القمر ممكناً بفعل وجود الماء مصدر الهيدروجين والأوكسيجين الضروري لحياة البشر.
لكنّ أهداف القوى العظمى تصطدم بالقوانين والمعاهدات الدولية، التي ترعى هذا الإجراء، ولا سيّما معاهدة المبادئ المنظّمة لنشاطات الدول في ميدان الاستكشاف والاستخدام للفضاء الخارجي، التي لا تعطي الحق لأي دولةٍ في إعلان سيادتها على القمر أو غيره من الأجرام السماوية.
والمشكلة تكمن في عدم وجود اتفاقيات مشتركة بين قادة العالم ترعى هذه العملية لإدارة الجيل المقبل من النشاط الفضائي، بالإضافة الى تحذيرات العلماء من خطورة نشاطات التعدين العشوائية وتأثيرها المباشر في الأرض.
سباق الدول نحو القمر، على رغم أهميته للإنسان، فإنه يُنبئ باحتمال اندلاع صراعٍ جديدٍ بين القوى الدولية، الأمر الذي قد ينقل ضوضاء الصراعات العالمية من الأرض إلى الفضاء. ففيمَ تتباين أو تتشابه عودة روسيا إلى القمر مع أيام الاتحاد السوفياتي؟ وما القوانين الدولية والضوابط التي تحكم سباق غزو الفضاء؟ وما تداعيات هذا السباق؟
أبعاد عودة روسيا إلى القمر
بشأن التشابه والتباين بين عودة روسيا الآن إلى القمر وأيام الاتحاد السوفياتي، قال محلل الميادين للشؤون الأوراسية والدولية، مسلم شعيتو، إنّ "التشابه في هاتين المرحلتين هو أنّ روسيا جزء أساسي من التكنولوجيا العالمية، وأنّها دولة سبّاقة في هذا المجال، كما كان الاتحاد السوفياتي في السابق".
أمّا الأمر المغاير في هذه المرحلة تحديداً، بحسب شعيتو، فهو أنّه "يأتي ضمن صراع ليس بارداً كما كان سابقاً، وإنّما صراع حامٍ ومباشر، بحيث إنّ روسيا تقاتل الناتو بزعامة الولايات المتّحدة الأميركية".
بماذا تختلف أو تتطابق عودة #روسيا إلى القمر مع أيام الاتحاد السوڤياني؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) August 13, 2023
محلل #الميادين للشؤون الأوراسية والدولية مسلم شعيتو في #التحليلية @alaa_tarshishi1 pic.twitter.com/zBcIWPJFS6
وأوضح أنّ "الولايات المتّحدة الأميركية استخدمت الفضاء في حربها في أوكرانيا، لذلك كان لا بدّ لروسيا من أن تطوّر أيضاً إمكان استخدامها الفضاء، لكن الأمر لن يقتصر على ذلك الآن، إذ إنّ روسيا ستستفيد أيضاً من التقنيات الفضائية من أجل نقلها إلى الصناعات المدنية، والتي لم تكن أيام الاتّحاد السوفياتي مسموحةً".
وأعرب عن اعتقاده أنّ "توجه روسيا حالياً نحو الفضاء هو رد فعل مسبّق على ما تقوم به الولايات المتّحدة مع حلفائها عبر محاولة عسكرة الفضاء. وبالتالي، ربّما تنتقل روسيا إلى مرحلة جديدة في العلاقات الدولية التقنية، بينها الفضاء".
ورداً على علاقة هذه العودة إلى الفضاء بالصراع الدولي وتبني روسيا شعار تعددية الأقطاب، أجاب شعيتو الميادين بأنّ "تعددية الأقطاب ليست سياسية وأمنية فقط، وإنّما هي مرتبطة بمختلف مجالات التطور، تكنولوجياً وعلمياً وإعلامياً وثقافياً، بحيث إنّه لا يمكن لروسيا أن تتبنى تعدد الأقطاب وتكون متخلّفة في مجال التطور التكنولوجي، وخصوصاً في الفضاء".
وأفاد بأنّ "روسيا تناقش مع الصين بناء محطة في منطقة القطب الجنوبي من القمر. وبالتالي، فهي تعلن أنّ تعدد الأقطاب لا يعني تحدياً فقط للولايات المتّحدة، وإنّما يمكن أن يكون عبر التعاون مع دول أخرى، كالصين".
اقرأ أيضاً: "وول ستريت جورنال": واشنطن تسعى لتحالف عسكري في الفضاء
ما القوانين الدولية التي تحكم سباق غزو الفضاء؟
وبشأن القوانين الدولية والضوابط التي تحكم سباق غزو الفضاء، أوضح محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتّحدة، نزار عبود، أنّه "منذ أول رحلة فضائية، برزت الحاجة إلى تنظيم هذه العملية، بحيث اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتّحدة عام 1958، وناقشت هذا الموضوع. وفي عام 1967، صدرت المعاهدة المنظمة لاستغلال الفضاء الخارجي، والتي لا يزال يُعمَل بها حتى اليوم".
وأضاف عبود للميادين أنّ "هذه المعاهدة وقّعت عليها 103 دول حتى الآن، من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتّحدة، وهي تمنع الاستخدام النووي في الفضاء، وتحفظ الاستخدام السلمي للفضاء، بحيث إنّ في إمكان الدول أن تستغل القمر أو غيره، وأن تذهب إليه وتزوره وتُجري أبحاثاً حتى تبني مشاريع لا تمسّ الناحية العسكرية".
كيف تتعامل الولايات المتحدة مع تحدي قوى دولية صاعدة لقدراتها التكنولوجية والعسكرية الفضائية؟ وهل تلتزم القوانين؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) August 13, 2023
محلل #الميادين لشؤون أميركا والأمم المتحدة نزار عبود في #التحليلية @alaa_tarshishi1 pic.twitter.com/y8ZxWcGzb0
لكنْ، بقيت استخدامات كثيرة حالية للفضاء، لا تذكرها المعاهدة، وفق عبود. لذلك، "تحركت الشركات الأميركية في عام 2015 من أجل إصدار قوانين تجعلها قادرة على استغلال الفضاء، بما في ذلك استخراج معادن من المجرات"، مشيراً إلى أنّ "التنافس قد لا ينضبط ضمن المعاهدة".
في السياق، أشار عبود إلى أنّ "الولايات المتّحدة تسعى للهيمنة على هذا المضمار، وخصوصاً أن مَن يسيطر على الفضاء الخارجي فإنه يستطيع أن يكون قادراً على المراقبة بصورة دقيقة في كل المستويات، وليس عبر المراقبة البصرية فحسب، وإنّما المراقبة الإلكترونية أيضاً".
وتابع أنّ "الولايات المتّحدة تنظر إلى هذه المسألة بكل خطورة، بحيث إنّ هذا الصراع يأخذ بعداً فيه كثير من عدم الثقة بين الدول الكبرى، حتى من المعاهدات وعدم احترامها".
ولفت عبّود أيضاً إلى أنّ "الدول الفقيرة، والتي ليس لديها برامج فضائية، ستجد نفسها في أسفل سلّم الحضارة، وستكون عرضةً لكل أنواع الابتزاز والاستغلال، بحيث إنّ كل دولة تتخلّف عن هذا المضمار ستدفع ثمناً لهذا في المستقبل".
اقرأ أيضاً: تقرير: واشنطن تستعد لحرب الفضاء مع تهديدات محتملة من روسيا والصين
تداعيات سباق النفوذ من الأرض إلى الفضاء
وفي الحديث عن تداعيات انتقال سباق السيطرة وبسط النفوذ من الأرض إلى الفضاء، أوضح محلل الميادين للشؤون الأمينة والعسكرية، العميد شارل أبي نادر، أنّ "الصراع اليوم، الذي يشهده العالم على الأرض، أساس أهدافه هو الثروات أو المصالح والسباق على اقتسامها".
وأضاف أنّ "الصراع على الأرض يحتاج إلى قوى وحكومات، وإلى ملفات حساسة، لأنه ما زال حتى الآن غير مباشر، وخصوصاً بين القوى الدولية، لكن هذا الموضوع غير متوافر، ولا يمكن أن يكون وفق هذا النحو، فيما يتعلق الفضاء".
انطلاقاً من هذه النقطة، "سوف يبقى السابق إلى الفضاء هو لخدمة الصراع على الأرض، من الناحيتين العسكرية والعلمية. والدول القادرة، والتي لديها إمكان أن تضع نقاطاً معينة أو نقاطاً تركز على الفضاء، سوف تستخدم هذه النقاط لخدمة صراعها على الأرض"، بحسب أبي نادر.
وبيّن، في السياق، أنّ "أي صراع في الفضاء حتى الآن لا إمكان لوجستيٌّ له، كما على الأرض، في حين أنّ خطورة الموضوع هو أن النووي ربّما سيكون الغالب في الصراع، لأنّه لا يمكن أن يكون هناك صراع تقليدي". لذلك، انطلاقاً من هذه النقطة وصعوبة الصراع النووي وخطورته، "نبقى في دائرة استبعاد هذا الصراع العسكري على الفضاء".
يشهد العالم اليوم سباقاً محموماً للسيطرة وبسط النفوذ على الأرض بين الدول الكبرى. هل ينتقل هذا السباق إلى الفضاء؟ وأي تداعيات لذلك؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) August 13, 2023
محلل #الميادين للشؤون الأمنية والعسكرية شارل أبي نادر في #التحليلية @abinadercharle1 @alaa_tarshishi1 pic.twitter.com/GUNwquT37m
ومن ناحية القوانين التي تحكم هذا الصراع، قال أبي ندر للميادين إنّ "هذه الدول سوف تلتزم المعاهدة المنظمة لاستغلال الفضاء الخارجي، لأنّ عدم الالتزام قد يشكل خطراً مشتركاً على أغلبية هذه الأطراف، التي سوف يكون لها وجود في الفضاء".
وأضاف أنّ "الصراع سوف يأخذ الطابع العلمي بدايةً، لكن وفق مستويات مرتفعة جداً، بحيث إنّ الدول ستحاول أن تثبّت منشآت تحت طابع علمي دائماً في المرحلة الأولى، لكن من خلال هذه المنشآت، التي تعطيها هذا العنوان العلمي، سوف يكون هناك ارتفاع لمستوى التنصت والتشويش وإمكان التحكم في الصواريخ العابرة للقارات، والتي تكون في مدار قريب من القمر ومن كواكب أخرى".
وقال أبي نادر إنّه "في مطلق الأحوال، ومهما ارتفعت قدرات أي دولة في الفضاء، فإنّها سوف تبقى مرتبطة بقدراتها وبإمكاناتها على الأرض".
ولفت، في هذا الخصوص، إلى أنّ "كل تحالفات لدول قادرة على الأرض، سوف تنعكس موقعاً قوياً في الفضاء، وسيكون هناك إمكان لتبادل المعلومات والخبرات والاستفادة من القدرات والإمكانات لكل دولة في هذا التحالف".
وعلى سبيل المثال، "هناك تحالف تحت غطاء مشاركة مصالح للصين وروسيا في الفضاء، الأمر الذي سيكون مدعوماً بتحالف قوي وبقدرات معيّنة معروفة وتفرض نفسها على الأرض في الصين وروسيا".
لذلك، "الأكثر ملاءمة هو أن يكون هناك تحالفات في الفضاء استناداً إلى تحالفات أساسية على الأرض، والتي تبقى مرتبطة بقدراتها وبإمكاناتها"، بحسب أبي نادر.