الأسير صوفان في مواجهة السرطان والاحتلال... من يعيد الذاكرة المسلوبة؟

الأسير الفلسطيني موسى صوفان، البالغ 47 عاماً من قرية جماعين قضاء نابلس، والمحكوم عليه بالمؤبد مدى الحياة، أُعلنت إصابته بسرطان الرئة في نهاية آذار المنصرم، بعدما انتظر إجراء الفحوص الطبية لتحديد طبيعة السرطان، الذي كان يتوغل في جسده يوماً بعد آخر.

  • اعتقل موسى، عام 2003، من دون أن يطبع قبلة وداع على جبين بناته الأربع
    اعتقل الأسير موسى عام 2003، من دون أن يطبع قبلة وداع على جبين بناته الأربع

الأسير الفلسطيني موسى صوفان اسمٌ برز في الآونة الأخيرة بين رفاقه المصابيّن بأورام سرطانية داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وقارع اسمه جدران العزل الانفرادي على مدار أربع سنين ممتالية، وخاض إضراباً لانتزاع حقوقه من السجان عام 2017، وشاطر شقيقيه الظروف نفسها، فهو شقيق الأسيرين: محمد المحكوم عليه بالسجن 18 عاماً، وعدنان المحكوم عليه 30 عاماً.

الأسير موسى صوفان، البالغ 47 عاماً من قرية جماعين قضاء نابلس، والمحكوم عليه بالمؤبد مدى الحياة، أُعلنت إصابته بسرطان الرئة في نهاية آذار المنصرم، بعدما انتظر إجراء الفحوص الطبية لتحديد طبيعة السرطان، الذي كان يتوغل في جسده يوماً بعد آخر. وقد بدأ ملفه الطبي بالظهور بعد عام 2010.

اعتقل الأسير موسى، عام 2003، من دون أن يطبع قبلة وداع على جبين بناته الأربع، وأكبرهن حنان التي كانت في العاشرة من عمرها فقط. توقف الزمن عند أسرة صوفان، لا فتياته الصّغيرات يمتلكن ذاكرة مع والدهن، ولا ذكريات تروى عن الأب قبيل اعتقاله، خصوصاً أنه فقد والده وشقيقه وشقيقته في عام واحد.

تحمل حنان موسى البالغة 29 عاماً مشهداً واحداً، ظل حاظراً على الرغم من مرور 19 عاماً على اعتقال والدها: " كان أبوي يحملني على ظهره ويلعب معي ويوخذني معه"، وتقول حنان إن السجن حرمها والدها، ولم يتمكن حضور زفافها وزفاف شقيقاتها، ولا يعرف ملامح حفيداته، لذلك دائماً ما يردّد صوفان لحنان عبر الهاتف خلال الزيارة " أتمنى أن أنال الحرية لأعوّض الأيام المفقودة معكم ومع أحفادي".

وتصف لقاءها والدها قبيل أسبوع في سجن عسقلان بعد 14 عاماً فتقول "لقد كان لقاء كله مشاعر مختلطة بين الحزن والفرح والبكاء.. كبر والدي كثيراً وتغيّرت ملامحة". وأضافت "وضعه الصحي سيئ جداً، وعلى الرغم من العلاقة القوية التي تجمع بيننا، يرفض موسى إطلاعي على تفاصيل وضعه الصحي "عشان ما إزعل بحكيلي أنا تمام".

"كلهم أبنائي... ربيّت وما خلّفت"

تحظى السيدة، أميرة أبو سمرة، البالغة 60 عاماً، وهي زوجة الأب لموسى وعدنان ومحمد، بلقب الأم، إذ ظلت على مدار 19 عاماً تمارس حلقة الوصل بين السجون وعالم الحرية المنتظر، بمرافقه زوجها قبيل وفاته، مروراً بنقاط التفتيش عند الحواجز العسكري والانتظار ساعات طويلة، وصولاً إلى الزيارات العائلية ومستلزماتها من كتب وثياب، وتقول "لم أنجب وقد اتخذت موسى وعدنان ومحمد أبناء لي".

 يقول لها موسى: "يما إذا صارلك اشي بنموت بعدك، وإذا بدنا نروح.. بنروح عشانك".

ولفتت إلى أن التواصل مع موسى مقطوع، وهم يتلقّون الأخبار عن صحته عبر المحامين ونادي الأسير، وتذكر أن موسى فُرض عليه العزل الانفرادي 3 أشهر، وتلقّى خبر وفاة والده في أيلول من العام المنصرم وهو في زنازين العزل.

وتقول أبو سمرة إن الأشقاء الثلاثة لم يلتقوا قط في أثناء اعتقالهم، على الرغم من مطالبتهم المستمرة إدارة مصلحة السجون فــ"الأخوة بسندوا بعضهم، على الأقل، لو كانوا في سجن واحد بساعدوا بعضهم". وتشير إلى أن محمد وعدنان أمكنهما الالتقاء قبل 3 سنوات، أما اليوم فلا تعلم الأسرة مكانهما نتيجة سياسة النقل التعسفي التي يتعرّض لها الأشقاء، لافتة إلى أن الأسير محمد سوف يُقدم على خطوة الإضراب عن الطعام إسناداً لشقيقه موسى.

وتؤكد أن حال الأسير موسى الصحية صعبة جداً، وسوف يبدأ بتلقي العلاج الكيميائي. وإضافة إلى إصابته بمرض حمى البحر الأبيض المتوسط قبيل اعتقاله خضع لـ6 عمليات في منطقة البطن، ولاحقاً ظهر ورم سرطاني بمنطقة الرقبة وجرت إزالته.

"القتل البطيء"

إن سياسة الإهمال الطبي إحدى السياسات المتعمدة، التي تتبعها إدارة مصلحة السجون لكسر جسد الأسير وروحه، وترافق آثار الإهمال الطبي الأسير بعد أن ينتزع حريته.

قارب عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال 600 أسير وأسيرة، ومن بينهم 23 أسيراً مصاباً بالسرطان، وذلك بحسب مؤسسة "الضمير" لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.

ويقول المحامي، حسن عباد، عندما زار الأسير صوفان قبل أسبوع: إنه يعاني أوجاعاً مستمرة ناجمة عن سياسة الإهمال الطبي المتواصلة منذ 10 سنوات.

وفي وقت سابق، من عام 2013، أطلع صوفان قاضي المحكمة العسكرية على وضعه الصحي، وظروف العزل التي يتعرّض لها، والتي ساهمت مباشرةً في تدهور صحته وتفاقم الأمراض التي كان يعانيها قبيل اعتقاله.

وانطلق المحامي عباد نحو خطوة قانونية لانتزاع حق صوفان في تلقي العلاج، فعرض ملفه بين 3 ملفات لأسرى آخرين على "التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين" في مدينة السويد. ومن المقرّر أن يعرض ملفه الطبي على أطباء ومؤسسات في فلسطين وخارجها، وبناءً عليه تأتي الخطوة التالية..

وتتعمّد إدارة مصلحة السجون، من خلال سياسة الإهمال الطبي، انتهاك حق الأسرى في الصحة والعلاج، وتأتي تالياً حال الأسير صوفان جزءاً من الحالات، التي تدل على التعذيب النفسي والجسدي والمماطلة والقتل البطيء في سجون الاحتلال. وكانت الأسيرة الشهيدة، سعدية فرج الله، آخر شاهد على الإهمال الطبي، بعدما أُعلن استشهادها قبل 3 أيام في سجن "الدامون" الخاص بالنساء، حيث كانت مصابة بارتفاع في معدّل سكر الدم وارتفاع في الضغط.

ويعاني الأسرى المرضى في عيادة سجن الرملة ظروفاً قاسية، يصفها الأسرى بالمسلخ، إذ تفتقر إلى الأدوات الطبية، ولا تتوافر فيها شروط العيادات، ولا الأطباء المختصون ولا الممرّضون، ويظل المرضى من الأسرى مقيدين فيها طوال الوقت.

وطالبت هيئة شؤون الأسرى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمؤسسات الحقوقية كافة، بالتوجّه نحو عمل حقيقي لإنقاذ حياة الأسير صوفان والأسرى المرضى.

 وما زال الأسير موسى صوفان يحلم بالعودة إلى الحرية، ويطالب عبر المحامي حسن عباد بتلقي علاجاً طبياً حقيقياً، عوضاً من المسكّنات وأن يعرض على طبيب مختص قائلاً: "بدي أعيش".