قمع التظاهرات في كردستان العراق واعتقال الصحفيين.. وأميركا تغض الطرف

احتجاجات الطلبة في الأيام الأخيرة في إقليم كردستان العراق، وتعامل قوات الأمن معها واحتجاز الصحافيين، أبرز إلى الرأي العام مسألة الحريات في الإقليم، ودور الولايات المتحدة في غض الطرف عنها.

  • قمع حرية الصحافة والرأي والتعبير في كردستان
    قمع حرية الصحافة والرأي والتعبير في كردستان

حرية الصحافة في إقليم كردستان العراق تحت تهديد متزايد.. تقوم سلطات الإقليم في كل فرصة تعرض أمامها، بالتعرض للصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والمتظاهرين، وتهديدهم والاعتداء عليهم، إضافة إلى الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، بهدف إسكاتهم وترهيبهم، خاصة عندما يتطرقون أو ينتقدون أداء الحكومة.

آخر مظاهر التعرض للحريات هذه، تجسد في التظاهرات الأخيرة التي شهدتها مدينة السليمانية، والتي احتج فيها المتظاهرون على إيقاف منحهم المالية، وانعدام الخدمات في الأقسام الداخلية للمعاهد والجامعات، ثم امتدت هذه التظاهرات إلى مناطق أخرى في الإقليم، حيث قامت قوات الأمن باعتقال عدد من الصحافيين والناشطين والاعتداء عليهم بالضرب، عدا عن إبعادهم عن مكان الحدث لمنعهم من نقل الصورة التي كان عنوانها الاعتداء على الطلاب المحتجين المطالبين بحقوقهم.

ووثّق مركز "ميترو" للدفاع عن حقوق الصحافيين في العراق، إقدام القوات الأمنية، الخميس الفائت، في جميع مدن كردستان العراق، على "منع الفرق الإعلامية من الاقتراب من التجمعات الاحتجاجية للطلبة"، فيما وثّقت مراصد حقوقية جمّلة اعتقالات طالت صحافيين وإعلاميين، في أثناء تغطيتهم للاحتجاجات، وبناء على ذلك قرر منظمو التظاهرات تعليق تظاهراتهم، بعد أن بدأت تأخذ منحى تصعيدياً.

وخلال أحداث السليمانية الأخيرة سجل، بشكل لافت،هجوم القوات الأمنية على الفرق الإعلامية في شارع مولوي ومركز المدينة السراي، واعتقال 4 صحافيين من قنوات (البغدادية، روز نيوز، الإشراق، شفق نيوز)، ليتم الإفراج عنهم لاحقاً، بعد تدخل مباشر من قبل نائب رئيس حكومة الإقليم، قوباد طالباني.

يوثق مشهد مصور نشرته صفحة "كردستان ووتش" مهاجمة عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني مجموعة من الصحافيين يجرون لقاءات مع المتظاهرين وأعضاء في مجلس النواب، ويقول: "سأضربكم حتى الموت.. أنتم لستم طلاباً.. من أراد أن يفعل شيئاً سأضربه حتى الموت..".. أسلوب رأى فيه بعض الناشطين نمطاً يوضح العقلية التي تنظر بها السلطة إلى الصحافة وحرية التعبير.

يعتبر بعض الصحافيين والنشطاء في إقليم كردستان العراق أنهم اعتادوا على هذه التهديدات والاعتداءات، بينما توثق منظمات حقوقية كردستانية ودولية، منذ أكثر من 10 أعوام، هذه الخروقات بحق حرية الصحافة والتعبير في الإقليم. 

تقرير سنوي صادر عن مركز مترو للدفاع عن حقوق الصحفيين، صدر في كانون الثاني/يناير 2021، يتحدث عن الحريات في عام 2020، ويوثق: 

  • وقوع 385 انتهاكاً بحق 291 صحفياً في إقليم كردستان.
  • 74 صحفياً اعتقلوا أو أوقفوا من دون أمر قضائي.
  • 8 حالات تحرش بالصحفيات.

في السياق نفسه، أصدرت نقابة صحفيي كردستان في 7 كانون الثاني/يناير عام 2021 تقريرها السنوي عن عام 2020، أظهر: 

  • أكثر من 138 انتهاكاً بحق حرية الصحافة في إقليم كردستان تضمنت انتهاكات ضد 47 وسيلة إعلامية و 315 صحفياً.
  • وجود 47 حالة منع تغطية شملت 104 صحفيين.
  • 32 حالة مضايقة وتهديد طالت 88 صحفياً.
  • 8 حالات اعتداء على 15 صحفياً.

تزايدٌ في انتهاكات حقوق الصحافيين

كذلك، يشير التقرير السنوي لعام 2020 الصادر عن منظمة "السلام والحرية"، وهي منظمة غير حكومية مقرها العراق، إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان في كردستان زادت بنسبة 133% في عام 2020 مقارنة بعام 2019. وتشمل الانتهاكات وفق المنظمة: منع الاحتجاجات، واحتجاز الصحفيين والنشطاء، وإغلاق وسائل الإعلام وقتل المتظاهرين.

تقول منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقرير لها عام 2017 إن الاعتداءات على الصحافيين والناشطين ترتكبها القوى الأمنية التابعة لأهم حزبين سياسيين؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذان يسيطران على عشرات الوسائل الإعلامية على مختلف أنواعها في الإقليم.

في المقابل، تُصدر معظم الصحف المستقلة أعداداً مطبوعة فقط أسبوعياً أو مرة كل أسبوعين، كما يعتمد المواطنون على تلقي الأخبار عبر الوسائل الرقمية، وترى المنظمة أن شبكة الإنترنت تتيح للمواطنين الدخول في مناظرات ونقاشات أعمق مما تتيحه وسائل الإعلام التقليدية.

اغتيال الصحافي ساردشت عثمان

على مدى السنوات العشر الماضية، وُثّقت مئات الاعتداءات على الصحافيين والناشطين، ودفع هؤلاء غالياً ثمن حرية التعبير، إلا أن قصة اغتيال ساردشت عثمان كانت الأبرز والأكثر رمزية.

  • مسيرة من موقع اختطاف ساردشت عثمان ضمّت المئات من طلاب الجامعة الذين حاولوا اقتحام البرلمان احتجاجاً على مقتله.
    مسيرة من موقع اختطاف ساردشت عثمان ضمّت المئات من طلاب الجامعة الذين حاولوا اقتحام البرلمان احتجاجاً على مقتله. أيار/مايو 2010

الصحافي والطالب الجامعي ساردشت عثمان، 23 عاماً، كان يُتم السنة الأخيرة من دراسة اللغة الإنكليزية عندما اختُطف في 4 أيار/مايو 2010 عند بوابة جامعة صلاح الدين في أربيل.

كان عثمان كاتباً مستقلاً، نشر مقالات عديدة في وسائل إعلام مستقلة، منها صحف ومواقع إلكترونية، وانتقد الحكومة الكردستانية مراراً في مقالاته التي نشر بعضها باسم مستعار، وتحدث عن الفساد الذي تورط فيه مسؤولون حكوميون كبار وأعضاء الحزبين الرئيسيين في الإقليم. وعلى إثر تعبيره عن آرائه هذه، تلقى عثمان تهديدات عدة.

أخذت مخاوف عثمان بالتزايد حتى أنه تنبأ في أحد مقالاته بمقتله، حيث قال: "لست خائفاً من الموت بالتعذيب. إنني هنا أنتظر موعدي مع قتلتي، وإنني أدعو من أجل ميتة تكون على أشد قدر ممكن من المأساوية، كي تتوافق وحياتي المأساوية".

وجرى اختطاف عثمان حيث أجبر على الصعود إلى مركبة، بحسب شهود،ثم عُثر عليه مقتولاً على أحد الطرقات بعد يومين بطلقين ناريين في الرأس.

وأصدر عشرات الصحافيين في حينها بياناً حمَّلوا فيه حكومة الإقليم المسؤولية عن مقتل عثمان. وفي 10 مايو/أيار 2010، انطلقت مسيرة من موقع اختطاف عثمان ضمّت المئات من طلاب الجامعة الذين حاولوا اقتحام برلمان الإقليم احتجاجاً على مقتله.

القوات الحكومية عرضت بعد أشهر، اعترافاً مسجلاً لرجل يُدعى هشام محمود إسماعيل، قال فيه إنه سائق المركبة التي حملت عثمان إلى الموصل. وذكر إسماعيل، الذي عرف بنفسه كعضو في جماعة "أنصار الإسلام"، وهي جماعة مرتبطة بالقاعدة، أن عثمان قُتل لأنه فشل في تنفيذ عمل ما غير محدد للجماعة. غير أن الجماعة نفت في بيان نشرته وسائل الإعلام المحلية ضلوعها في مقتله.

انتقدت لجنة حماية الصحفيين وغيرها من جماعات حقوق الإنسان الدولية ما تم عرضه، بسبب افتقاره للمصداقية والشفافية، فيما كان التحقيق سبباً لإثارة غضب آخرين. وذكر أفراد عائلة عثمان أن قوات الأمن الحكومية هددتهم بعد أن اعترضوا على ما قيل بأن عثمان كان يرتبط بجماعة إرهابية.

باشدار عثمان، وهو شقيق ساردشت عثمان، أبلغ لجنة حماية الصحفيين، في مقابلة معها، أنه تحدث بصراحة حول تورط الحكومة في مقتل أخيه وأنه يخشى على حياته هو أيضاً، وبالتالي فر من كردستان إلى أوروبا، مؤكداً أن "تحقيق الحكومة في مقتل شقيقه مفبرك، وأن كل شيء من الألف إلى الياء كان كذباً واختلاقاً وأن قضية ساردشت باتت قضية حرية".

بكر للميادين نت: اعتقال الصحافيين في كردستان يدل على خوف السلطة من الصحافة الحرة

وفي هذا الشأن قال السياسي الكردستاني المستقل أمين بكر للميادين نت إن "رجال السلطة مارسوا العنف ضد المحتجين في التظاهرات الأخيرة، وقاموا بشن حملة اعتقالات بحقهم وبحق الصحافيين الذين يمارسون دورهم في تغطية الأحداث"، عازياً ذلك إلى "إفلاس السلطة وعدم إيمانها بنفسها وتخوفها من الصحافة الحرة وتأثيرها عليها".

  • عائلات الصحفيين والنشطاء الذين حوكموا في 16 شباط/ فبراير 2021، جالسين خارج محكمة الاستئناف المركزية في أربيل.
    عائلات الصحفيين والنشطاء الذين حكم عليهم بالسجن لمدة 6 سنوات في 16 شباط/ فبراير 2021، جالسين خارج محكمة الاستئناف المركزية في أربيل

وأضاف بكر أن ما تنتهجه السلطة عبر هذه الممارسات هو "نهج دكتاتوري" بحق الصحافيين وكتّاب الرأي، وذلك "يظهر كيف سيطرت السلطة على مفاصل الإقليم وفرضت إرادتها عليه بالقوة". 

وأكد في حديثه أن "حرية الصحافة والتعبير موجودة في الإقليم إلى أن تصبح تهديداً للسلطة، فمتى يقوم الصحافيون والكتاب والباحثون بانتقاد السلطة وتحديد مكامن الفساد فيها، وفشلها في إدارة الموارد، تقوم قواتها باستهدافهم وتضيق عليهم الخناق". 

أميركا تدعم ساسة الإقليم وتغض الطرف عن انتهاكاتهم

وعن رأيه في الموقف الأميركي حيال هذه القضية، خاصة في ظل دعم واشنطن لساسة الإقليم، وهي الدولة التي "ترفع لواء الديمقراطية واحترام الحريات"، قال بكر إن "مواقف الأميركيين تجاه هذا الأمر محدودة، ولا يقومون بأي اجراءات لمساعدة الكردستانيين، في حين عملت منظمات أوروبية عكس ذلك، على الرغم من أن أميركا موجودة أكثر في الإقليم".

ويعلل أمين بكر انعدام الاجراءات الأميركية في الدفاع عن الحريات في إقيلم كردستان بأن "أميركا تنظر إلى مصالحها السياسية، وتتصرف على أساسها، وأنه ليس لديها أولوية للشارع والناس، بل للسلطة التي تخدم مصالحها في العراق والمنطقة". 

وأشار إلى أن "كل ما يجري في كردستان يعبر عن يأس الشارع، وهذا ما انعكس على نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة"، وفق تعبيره. 

كما لفت إلى الهجرة الجماعية من إقليم كردستان بسبب يأسهم من الوضع الاقتصادي والاداري والسياسي، حيث هاجر أكثر من 7000 كردي في الآونة الأخيرة، وهم عالقون الآن على الحدود البيلاروسية.

اخترنا لك