من قرداحي إلى "الوفاق".. عواصف الخليج تضرب لبنان

عاصفة جديدة تهب على لبنان، وإن بدت رياحها بحرينية المنشأ، إلا أنّ العارفين بدهاليز السياسة الخليجية يدركون جيداً بأن رياح الإمارة الصغرى لا تجري إلا بما تشتهيه سفن النظام السعودي، ولا تتحرك إلا بأمره، فما الذي ينتظر لبنان؟

  • من قرداحي إلى الوفاق.. العاصفة الخليجية تهب مرتين
    من قرداحي إلى الوفاق.. العاصفة الخليجية تهب مرتين

المسلسل الخليجي للأزمات المفتعلة مع لبنان لم ينتهِ بعد؛ استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بطلبٍ سعودي لم تجهض محاولات الرياض للضغط على الحكومة اللبنانية وابتزازها وتجريدها من استقلاليتها ومصادرة قرارها. عاصفة جديدة تهب على لبنان، البلد المنهك معيشياً واقتصادياً، وإن بدت رياحها بحرينية المنشأ، إلا أنّ العارفين بدهاليز السياسة الخليجية يدركون جيداً أنّ رياح الإمارة الصغرى لا تجري إلا بما تشتهيه سفن النظام السعودي، ولا تتحرك إلا بأمره.

شهدت الساحة اللبنانية، في الساعات الماضية، انقساماً رسمياً وشعبياً على خلفية قرار وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي ترحيل المواطنين البحرينيين المقيمين في لبنان والمعارضين لحكومة البحرين. جزء من اللبنانيين يتهمون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بـ"سعودة البلاد"، وجزء آخر يدعو إلى الحياد متمسكاً بالمثل الشعبي القائل: "الباب لبيجيك منه ريح، أغلقه واستريح".

القرار اللبناني مخالف للقوانين الدولية

المدير التنفيذي لمنظمة "أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين"، حسين عبد الله، استنكر  قرار وزارة الداخلية اللبنانية.

وفي حديث خاص لــ "الميادين نت" أعرب عبد الله عن قلقه البالغ تجاه هذا القرار "لأنّ ترحيل هؤلاء الأعضاء المقيمين منذ سنوات في لبنان جاء بسبب ضغوط من حكومة البحرين، والكثير منهم يحمل أوراقاً ثبوتية من الأمم المتحدة، فإما هو لاجئ أو تقدّم بطلب اللجوء السياسي وبحسب القانون الدولي يجب حماية هؤلاء".

وحذّر عبد الله من أنّه في حال نفذت "الحكومة اللبنانية قرار الترحيل، فإنّها تكون قد خالفت الاتفاقيات الدولية المختلفة التي وقّعت عليها من ضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة اللاإنسانية والمهينة وغيرهم".

عبد الله كشف أنّه "ومن أجل تلافي مفاعيل هذا القرار، تواصلت المنظمة مع وزارة الخارجية اللبنانية والسفارة اللبنانية في كل من واشنطن وجنيف ولندن".

وأضاف: "هذه السياسية ليست جديدة في البحرين، فمنذ التسعينات وقبل ذلك أيضاً عمدت المنامة إلى ممارسة هذه السياسية ضد المعارضين المتواجدين في الخارج والضغط عليهم، لكن هذه المرة تعدُّ هذه الخطوة نادرة الحدوث من حيث صدور تصريح رسمي بترحيل هؤلاء المعارضين"، مشيراً إلى أنّ "هذه الخطوة تبيّن أن حكومة البحرين لا تنتهك حقوق الإنسان في الداخل فقط، بل تحاول الضغط على دول أخرى لديها قابلية للتعرض للضغط، وتعاني من أزمات سياسية مثل لبنان، ما يعني أنّ انتهاكات حكومة البحرين لحقوق الإنسان تتعدى حدودها لتطال من هم في دول الخارج".

وحمّل عبد الله الحكومة اللبنانية "سلامة كل معارض سياسي بحريني موجود على الأراضي اللبنانية".

معارض بحريني: نحترم لبنان وخصوصيته وخلافنا مع السلطات البحرينية

بدوره، قال عضو جمعية "الوفاق" البحرينية يوسف ربيع لـ "الميادين نت"  "لا يوجد لدينا أي مشكلة مع الدولة اللبناني، نحن نحترم لبنان وخصوصيته في كونه منارة لحرية التعبير، خلافنا مع السلطات البحرينية التي لم تكتف بإيقاع الانتهاكات، وإنما قامت بتصدير هذه الانتهاكات والاعتداءات عبر إجراءات ترهيبية و عقابية لخصومها السياسيين في المنافي ولبنان أحداها،و بالتالي ما عرض في المؤتمر من تقارير وانتهاكات موثقة كان يؤذي حكومة البحرين، وعلى هذا الأساس قامت المنامة بمخاطبة الأجهزة اللبنانية  لكف المعارضين عما تراه معادياً لها". 

من جهتها، علّقت "الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان" في لبنان على قرار وزير الداخلية بالقول إنّ "إدراك الحكومة اللبنانية المحتمل لنقل أعضاء الجمعية قسراً إلى مملكة البحرين أو قبولها الضمني به، إنما يشكّل انتهاكاً جسيماً لمبدأ عدم الإعادة القسرية".

الهيئة، وفي بيانها، ذكّرت الوزير المولوي بأنّ "اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي يعدُّ لبنان طرفاً فيها، تحظر صراحةً تسليم الأفراد إلى دول يوجد فيها أسباب جوهرية بأنّهم قد يواجهون خطر التعرض للتعذيب. وندعو الحكومة اللبنانية إلى الامتثال الكامل لمندرجات هذه الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري".

بدوره، طالب "منتدى البحرين لحقوق الإنسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالتدخل أمام تعسف السلطات البحرينية عبر تصدير انتهاكاتها خارج الحدود في استهداف المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في انتهاك فاضح للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وفي بيانه أشار إلى أنَّ "سلطات المنامة قامت بمطالبة الأجهزة الأمنية في لبنان بإبعاد أعضاء جمعية الوفاق الوطني الإسلامية بعد المؤتمر الصحفي الذي عقدته الوفاق لتدشين تقريرها الحقوقي (وباء الانتهاكات)، وهو التقرير الذي يوثق الانتهاكات من العام 2019 لغاية منتصف العام 2021" .

وحث المنتدى الأمين العام للأمم المتحدة على دعوة السلطات البحرينية لإنجاز مصالحة وطنية تحقق الإصلاح السياسي والحقوقي الشامل والجذري بدلاً من الخيارات الأمنية.

وعلى خطٍ موازٍ، خرجت تظاهرة شعبية في المنامة للتضامن مع المعارضين البحرينيين في لبنان، أشادت بالموقف الشعبي اللبناني،كما رفعت لافتات تؤكد على المطالب المحقة لشعب البحرين.

#كلنا_أحرار_البحرين : حملة لبنانية مناهضة لقرار وزير الداخلية

وأطلق ناشطون حملة مناهضة لقرار وزارة الداخلية اللبنانية تحت "هاشتاغ" #كلنا_أحرار_البحرين، وطالبوا بسحب القرار والاعتذار، مؤكدين رفضهم للضغوط الخليجية الرامية إلى كمّ الأفواه ومصادرة الحريات وابتزاز الحكومات وشعوبها تحت شماعة الإساءة والتحريض على دولة شقيقة.

وبالعودة إلى خلفيات الأزمة، عقدت جمعية الوفاق البحرينية في بيروت، السبت الماضي، مؤتمراً لإطلاق تقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين.

مداخلات المشاركين انحصرت في الجانب الحقوقي، وخلت من أيّ لغة تحريضية أو دعوة لإسقاط النظام، كذلك استندت  إلى تقارير ومعطيات وأرقام تثبت حجم الانتهاكات بحق المعتقلين،مطالبةً بإصدار عفو عام في البحرين يفتح باباً للمصالحة. 

ورغم الأداء الحقوقي للمعارضين البحرينيين في لبنان، إلا أنّ المنامة استنكرت المؤتمر الصحافي، وسارعت إلى الاتصال برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي بدوره توجه إلى وزير الداخلية المولوي لفتح تحقيق بشأن المؤتمر.

وبعد "التحقيق"، أصدر المولوي قراراً  إلى المديرية العامة للأمن العام، يطلب فيه "اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين إلى خارج لبنان".

وبرّر ميقاتي قراره إلى "ما سببه انعقاد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية المذكورة في بيروت بتاريخ 11/12/2021 من إساءة إلى علاقة لبنان بمملكة البحرين الشقيقة، ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية".

اخترنا لك