هل سيزور بوتين السعودية؟

الرئيس الروسي يعرض على الرياض التسلّح بصواريخ روسية، ويدعو الأفرقاء اليمنيين إلى الاعتصام بحبل الله.

استشهد بالقرآن الكريم مرتين، وفي الحالتين كلتيهما كان حديثه عن السعودية واليمن. لا شك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يتوقّع في المؤتمر الصحفي، عقب قمّة أنقرة الثلاثية الإيرانية التركية الروسية حول سوريا، كان يتوقّع أسئلةً عن هجمات الطائرات المُسيَّرة التي أطلقتها القوات المسلحة اليمنية على منشآت "أرامكو" في السعودية. لكنه هل كان يعلم مُسبقاً بمحتوى هذه الأسئلة ليحضّر لها أجوبةً يستشهد فيها بآياتٍ من الذِكر الحكيم؟ كلا لم يحضّر لها، لأنه لم يقرأ في ورقة ولم يتعثّر عندما استشهد بآيتين من سورتيّ آل عمران والبقرة. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على إلمامه الكبير وطائفة معلوماته الواسعة في قضايا الدين والدنيا. وهذا يدعم مقولة بوتين الشهيرة التي أطلقها في قمّة "منظمة المؤتمر الإسلامي" في كوالالمبور عام 2003، عندما قبلت عضوية روسيا كمراقب في المنظمة. آنذاك قال بوتين إن من الطبيعي أن يكون لروسيا دور في هذه المنظمة لأنها "أمّة مسيحية ومسلمة في آنٍ واحد". وها هو بوتين يحاول إظهار معرفته بالإسلام واحترامه له لتحقيق نتائج إيجابية.

كيف نقرأ بوتين:
روسيا وإن أدانت الهجوم بالطائرات المُسيَّرة على "أرامكو" إلا أنها لم تُشخصن الجهة الفاعِلة حفاظاً على علاقاتها المتوازنة مع كل ألوان الطيف السياسي اليمني، بل رأت في استمرار الصراع في اليمن سبباً مباشراً في تطاير شظاياه في الإقليم. وعلاوة على ذلك حذّرت موسكو من مخاطر توجيه أصابع الاتهام إلى إيران من دون أدلّة مُقنعة. ولعلّ إشادة الرئيس الروسي، أثناء لقائه نظيره الإيراني حسن روحاني على هامش قمّة أنقرة الثلاثية، بدور طهران الكبير والبنّاء في سوريا خير دليل على عدم قبول روسيا بالاتهامات الموجّهة إلى إيران. بمعنى آخر أن موسكو ترفض الاتهامات الأميركية والسعودية لإيران.
وعندما سُئِل بوتين في المؤتمر الصحفي عقب القمّة عمّا يمكن أن تقدّمه موسكو للرياض لحماية نفسها بدأ بوتين إجابته مُستعينا بمعاني الآية (190) من سورة البقرة {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، حيث قال إن القرآن يُحرّم اللجوء إلى العنف بغير وجه حق إلا في حالة الدفاع عن القوم. وسرعان ما أضاف بخفّة ونوع من السخرية التي أثارت بسمات في وجوه الحاضرين، وخاصة في وجه وزير الخارجية الإيرانية محمّد جواد ظريف صاحب الابتسامة البشوشة، أضاف إن السعوديين يمكن أن يحموا قومهم من خلال شراء أنظمة صواريخ روسية أما من طراز أس - 300 كما فعل الإيرانيون بحكمة، أو من طراز أس - 400 كما فعل الأتراك.
الرئيس بوتين استنجد بمعاني القرآن الكريم مرة أخرى في سياق إجابته عن سؤال حول الصراع في اليمن. وهذه المرة استشهد بالآية (103) من سورة آل عمران {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. بوتين أستنتج أن الحل في اليمن يجب أن يكون يمنياً وبين اليمنيين أنفسهم، أي من دون تدخّلات خارجية، وأن يكون عبر الحوار الشامل بين الأفرقاء اليمنيين. أما اللاعبون الخارجيون فدورهم بجب أن يتركّز على تقديم المساعدة، ولا سيما الإنسانية، لمواجهة الكارثة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون.

ماذا نقرأ بين سطور ما قاله بوتين:
أولاً، إن القتال في اليمن بغير وجه حق ويخالف تعاليم الدين؛
ثانياً، خاطب السعوديين كقومٍ وليس كدولة، أي "آل سعود"؛
ثالثاً، القوة ليست أسلوباُ لحل المشاكل بين الدول والبديل هو الحوار السياسي؛
رابعاً، الحل في اليمن يجب أن يكون سياسياُ وبين اليمنيين أنفسهم؛
خامساً، إذا أرادت السعودية أن تحمي نفسها فعليها أن تتصرّف بحكمة كإيران؛
سادساً، السلاح الأميركي لم يحمِ السعودية، لذا عليها أن تفكّر بالسلاح الروسي.

من هنا نستطيع أن نستنتج بأن زيارة الرئيس الروسي إلى السعودية التي يجري التحضير لها منذ حوالى السنة قد تخضع لإعادة جدوَلة، بما ينسجم مع تطوّرات المشهد الدراماتيكي في منطقة الخليج وما يمكن أن تطالب به موسكو الرياض من خطوات، ولا نقول تنازلات، سواء على الصعيد الاقتصادي أم السياسي أم العسكري.
في كل الأحوال لن يقوم بوتين بجولته الخليجية في أواسط تشرين الأول / اكتوبر المقبل، إن لم يضمن هدوءاً نسبياً في المنطقة. بعبارة أخرى ستعمل روسيا مع السعودية على الأقل على نزع فتيل الأزمة.

اخترنا لك