مناطق الشمال السوري بين اتفاقات سوتشي والمراوغة التركية

إعلان "الحكومة السورية المؤقتة" دمج فصائل "غصن الزيتون" و"درع الفرات" و"الجبهة الوطنية للتحرير" بـ"الجيش الوطني" تحت قيادة واحدة، يأتي كمؤشرٍ جديد على أن المنطقة ستشهد تصعيداً عسكرياً على حساب "قسد"، وربّما يطال أيضاً "هيئة تحرير الشام".

يبدو أن الشمال السوري يتخذ منحىً جديداً بعيداً عن العمليات العسكرية واسعة النطاق، لاسيما في مناطق شرقي الفرات وريفي حلب الشمالي والغربي إضافة إلى ريف إدلب.
إعلان "الحكومة السورية المؤقتة" بالأمس دمج فصائل "غصن الزيتون" و"درع الفرات" و"الجبهة الوطنية للتحرير" بـ"الجيش الوطني" تحت قيادة عسكرية واحدة لسليم ادريس، يأتي كمؤشرٍ جديد على أن المنطقة ستشهد تصعيداً عسكرياً على حساب "قسد"، وربّما يطال أيضاً "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة).
كما يأتي التطور بعيد تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي أعلن فيها انتهاء العمليات العسكرية الواسعة في سوريا، ما يدل على أن الأتراك يتجهون لإعادة تفعيل تنفيذ بنود اتفاقيتي سوتشي وأستانة التي تتضمن إنهاء الفصائل المصنفة إرهابية، كـ "جبهة النصرة" و"حراس الدين" و"الحزب الإسلامي التركستاني"، وإعادة فتح طريقي "M5" و"M4" المتمثلين بطريقي (حلب-دمشق) و(حلب- اللاذقية).
الصورة تبدو معقدةً نسبياً ورهن جديّة تنفيذ الأتراك لتعهداتهم ضمن إطار الاتفاقيات الدولية. إلا أن خطوة التشكيل العسكري الجديد بإيعازات من أنقرة، تشير إلى أن التصعيد العسكري الجديد سيكون ضد "قسد"، وهو ما أعلن عنه الرئيس التركي يوم أمس السبت، مؤكداً على أن العملية "قريبة جداً".
وجاء تصريح إردوغان بعد اتصال هاتفي جمع مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، بالتزامن مع وصول حشود عسكرية كبيرة للأتراك إلى "أقجة قلعة" التركية قرب الحدود السورية، فيما كان من اللافت أن وصول الحشود العسكرية التركية، تزامن مع تحليق مكثف لطائرات "التحالف الدولي" الذي تتزعمه واشنطن في سماء مدينة "تل أبيض" والتي من المقرر أن تكون ضمن المرحلة الاولى للعملية العسكرية التي ستطلقها تركيا تحت مسمى "نبع السلام" إلى جانب مدينة "رأس العين".
وبالعودة إلى التشكيل العسكري "الجديد" التي اندمجت فيه فصائل إدلب بعد استبعاد "جيش العزة" و"هيئة تحرير الشام" بسبب تصنيفها إرهابية، فسيكون هذا التشكيل بقيادة المنشق سليم إدريس في الصفوف الأمامية لمواجهة "قسد"، بحسب ما أكده إدريس نفسه، في خطوة من شأنها أن تجنب القوات الأميركية والتركية الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة شرقي الفرات، ما سيجعل الصراع والمواجهات المباشرة هناك أمراً مقتصراً على الأذرع العسكرية الموالية لكل من الطرفين.
وعدّ مراقبون لسير المجريات السياسية والعسكرية في سوريا، إعلان رئيس حكومة الائتلاف عبدالرحمن مصطفى عن اندماج الفصائل المدعومة تركيّاً تحت قيادة واحدة، "خطوة جدية لإزاحة التنظيمات الإرهابية من خارطة الشمال السوري"، حيث جاء في الإعلان توزيع 4 فيالق في إدلب و3 فيالق شمال حلب، ما قد يؤدي إلى تنازل "النصرة" عن مناطقها من دون قتال وإذابة تشكيلها العسكري داخل "الجيش الوطني للتحرير"، تمهيداً لتسيير دوريات روسية تركية مشتركة على طريق حلب- دمشق الدولي، ضمن خطوات إعادة فتحه من جديد، وإلا فسيكون الخيار العسكري هو الخيار الثاني المتاح لإعادة فتح الطريق عبر عمليتين عسكريتين متزامنتين ينفّذهما الجيش السوري من جهتي حلب وإدلب، كما لن يكون ريف اللاذقية بعيداً عن العمليات العسكرية للجيش السوري، بحسب ما يراه المراقبون، خاصة وأن المنطقة تشكل تهديداً مباشرا لمواقع القوات السورية في ريف اللاذقية وقاعدة حميميم نتيجة صواريخ "الحزب الإسلامي التركستاني" وطائراته المسيّرة.

غياب الجولاني عن المشهد
ممر أبو الضهور مفتوح من قبل الجيش السوري بالتنسيق مع الروس منذ أكثر من 20 يوماً، من دون تسجيل دخول أي مدني إلى الآن، والمعلومات الواردة بداية كانت تشير إلى أن منع مرور المدنيين أتى نتيجة قرار وتوجيهات تركية، حيث ذكر شهود عيان من المناطق القريبة من ريف إدلب أن ليس فقط جبهة النصرة هي من منعت خروج المدنيين، وإنما أيضاً مسلحو "فيلق الشام" الذين كانت لهم اليد الطولى في هذا المنع، ما يدل على استمرار المراوغة التركية لاستغلال المدنيين بغية المتاجرة بهم كورقة ضد أوروبا، وبالتالي تحقيق إنشاء "المنطقة الآمنة" شرقي الفرات، أو فتح أنقرة لحدودها أمام تدفق اللاجئين باتجاه أوروبا لزيادة الضغط عليها في حال لم يتم تنفيذ شروط إردوغان.
ويعكس غياب الجولاني عن الساحة ونشر مواقع وتنسيقيات لفضائح "هيئة تحرير الشام" مؤخراً حول الأموال والسرقات التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، مدى التخبط الداخلي للتنظيم المسيطر على معظم مناطق إدلب وريف حلب الغربي، فيما تجتمع كل خيوط تلك التطورات بالنهاية حول محور واحد يتمثل في إعادة شرياني حلب الرئيسيين "حلب- دمشق الدولي" و"حلب- اللاذقية".

اخترنا لك