إيران في قلب "طريق الحرير" الجديد.. فأين العرب؟
قبل 5 آلاف عام، اتّخذ التجار الصينيون طريقاً عابرةً لبلدان العالم القديم لبيع الحرير الذي أتقنوا صُنعه وتطريزه، فكانت طريق الحرير واحدةً من أقدم الطُرُق الشهيرة في العالم. لكن هذه الطريق لم تنقل الحرير فقط، بل نقلت أيضاً ديانات وحضارات وثقافات بأسرها.
-
إيران في قلب "طريق الحرير" الجديد.. فأين العرب؟
تُقرِّر الصين اليوم إحياء طريق الحرير التي نمت على جانبيها الكثير من الأساطير، في مشهدٍ يُعيد تشكيل خارطة العالم.
"الحزام والطريق" هو إسم المُبادرة الصينية الضخمة التي بدأت في العام 2013 بهدف ربط 65 دولة في العالم عبر شبكة من الطُرُق البرّية والسكك الحديديّة والموانئ وخطوط أنابيب النفط والممرّات البحرية فضلاً عن شبكات الإتصالات.
تمتد الطريق الأولى من العاصمة الصينية مروراً بآسيا الوسطى، قبل أن تجتاز حدود أوروبا من إسطنبول التركية بإتجاه الأراضي الروسية لتعود مُجدّداً نحو وجهتها الأخيرة في أوروبا، على شكل حزام.
وبموازاة ذلك، تُنشئ الصين ممرّاً بحريّاً عابراً للمحيطات والقارات. هذا الممر أطول من الطريق البرية وأكثر حيويّة، نظراً لما يحويه من إمداداتٍ للطاقة فضلاً عن كونه حاملاً للتبادل التجاري.
نحن أمام "حزام وطريق" يستثنيان المنطقة العربية إذاً!
طريق حريرٍ جديدة جمعت زعماء الدول عدّة مرات في السنوات الـ 7 الأخيرة بهدف بحث إمكانيّة مرور الطريق في بلدانهم أو الإستفادة من مشاريعها التي تقدَّر كلفتها بمئات مليارات الدولارات. إلا أن استثناء المشروع الضخم للمنطقة العربية عموماً ملفتٌ، خاصةً وأنّ الصين تستورد 40% من حاجتها النفطية من الدول العربية.
وقد سعت الصين إلى تهدئة مخاوِف هذه الدول عبر عقد اتفاقيّات وتفاهُمات للمُساهمة في المشاريع الإنشائيّة على ضفاف طريق الحرير، لكنّ ذلك لا يُعدّ بديلًا بأية حالٍ مساوياً للوجود ضمن المُخطَّط الكبير نفسه.
ولعلّ أحد أبرز التحديّات في استبعاد الصين للدول العربية (الخليجية خاصة) عن مبادرة "الحزام والطريق" هو في كون شبكة الطرقات البرية، التي تنطلق من الصين مروراً بآسيا الوسطى إلى بقية أنحاء العالم، تحوِّل إيران إلى مركزٍ لوجيستي للنقل والطاقة، على حساب دول مجلس التعاون الخليجي تحديداً.
وقد كان معهد "راند" الأميركي الشهير في طليعة المُلتفتين إلى حجم التغيير الوارد في موازين القوى الإقليمية في غرب آسيا، عبر دراسةٍ أجراها حول تأثير المشروع الصيني على قطاعي النقل والتجارة.
وخلصت دراسة "راند" إلى احتمال حصول زيادةٍ في التجارة في مصر بنسبة لا تتجاوز 10%، في مقابل تأثيرٍ شبه معدوم في بقية الدول العربية، بما في ذلك دول شمال أفريقيا.
ومع أنّ الصين أعلنت مراراً أنها تريد تعزيز شراكاتها مع الدول العربية، فإن استثناء المنطقة العربية من طريق الحرير الجديد يعكس اتجاهاً لرسم اقتصادٍ دوليٍّ، بعيداً عن مشاكل المنطقة. ويتلاقى هذا الإتجاه الصيني مع التصريحات الواضِحة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإستغناء عن نفط الشرق الأوسط، وإن كانت التصريحات الرئاسية الأميركية لا تخلو من عامِل الإبتزاز، فإن هذا الواقع لا يتنافى مع مساعي الولايات المتحدة المتواصِلة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة.
وما يُعزِّز القناعة بأن الدول العربية أبرز الخاسِرين من المشروع الجديد، بالرغم من التفاهُمات والاتفاقيات الهامشية مع الصين، هو أنّ مبادرة بكين تتقاطع في أهدافها مع أهداف التنمية المُستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة؛ مع ما تمثّله هذه الأهداف من استراتيجياتٍ أمميّةٍ من مصلحة جميع دول العالم الإلتزام بها والانخراط فيها بشكلٍ تكامُلي.
أمام هذه المُعطيات، هل بمقدور الدول العربية أن تحوّل التهديد إلى فرصة؟ وهل يمكن لهذه الدول تعزيز قيمتها كمركزٍ للتجارة الدولية بدل الإعتماد على الإقتصاد النفطي فقط؟ وهل من مصلحتها مُعاداة إيران التي ستكون مركز ثقل لا يُستهان به في الرؤية الصينية؟