حملات إلكترونية منظمة تستفيد من كورونا لمسخ الوعي في الشرق الأوسط
الأخبار الزائفة في زمن كورونا ليست ظاهرة مألوفة، بل هي سلاح مؤثر من أسلحة الحرب.
قبل أيام قليلة، نشر إيدي كوهين، الناشط الإسرائيلي في شبكات التواصل الاجتماعي، صورة تُظهر إسرائيليين "حريديماً" تجمعوا في اعتصام في القدس المحتلة، شارحاً في تغريدته أنهم يتحدّون قرار الحكومة الإسرائيلية بحظر التجول والحجر الصحي، في إطار إجراءات احتواء فيروس كورونا المستجد.
التدقيق في الصورة يكشف أنها تعود إلى جنازة الحاخام حاييم غولدبرغ في شهر آذار/مارس 2016. يصعب التصديق أن الصورة المذكورة خدعت كوهين الذي يؤدي دوراً مدروساً في إطلالاته الإعلامية ومنشوراته في شبكات التواصل، وهو يريد لمتابعيه (ومعظمهم من الناطقين بالعربية) أن يصدّقوا أن حجم الاعتراض داخل "إسرائيل" على منع التجول كبير.
في وقت متزامن، تداول الناشطون في شبكات التواصل ومجموعات "واتسآب" خبراً زائفاً في كل الدول العربية عن إصابات بفيروس كورونا بين السجناء. الخبر نفسه بالمضمون نفسه والشكل نفسه انتشر في المنطقة العربية، على الرغم من اختلاف ظروف السجون بين الدول واختلاف حجم انتشار كورونا.
وما بين هذين الخبرين الزائفين، تصل إلى هواتفنا يوماً بعد آخر رسائل العروض الوهمية، تارة من شركة اتصالات محلية، وتارة أخرى باسم منظمة دولية، مرفقة برابط إلكتروني غالباً ما يتم تحويلك بعد النقر عليه إلى موقع غير موثوق، فتظهر أمامك مجموعة أسئلة مع نص يذكّرك بأنك ستربح فور الإجابة عليها.
مواصلة النقر على روابط الأسئلة المتلاحقة تقود إلى صفحة أخيرة تطلب منك نقرة إضافية تتيح إرسال الرابط نفسه إلى جهات الاتصال الخاصة بك، من دون أن تلحظ ذلك.
بيانات هائلة يتم جمعها مع كل نقرة إضافية على الروابط مع ازدياد عدد الضحايا، وخصوصاً أنّ النص المرفق يحاكي أيضاً الحاجات المادية المباشرة للناس.
يصعب تقنياً ملاحقة الموقع الجغرافي الذي يبث هذه الرسائل، ولكن "سلاستها" تدل على أفراد محترفين.
كما لا يمكن اتهام جهات أو حكومات معينة بالوقوف وراء هذه الهجمات من دون دليل، لكن المؤكد أننا أمام فضاء مفتوح يسهل فيه على أجهزة الاستخبارات ممارسة ألاعيبها، وأنّ الكثير من الحكومات التي قررت اعتماد سياسات "غير أخلاقية" و"غير إنسانية" في مواجهة فيروس كورونا، لا تتوانى عن أداء دور أمني هجومي لتشكيل الوعي في المناطق المضطربة في العالم، ومن بينها الشرق الأوسط.
يمكن الركون إلى تقارير أميركية كثيرة تتحدث عن "بروباغندا" صينية، بالاستناد إلى آلاف الحسابات المزيفة على تويتر، بهدف نشر أخبار تخاطب وعي الصينيين المغتربين، بعد الأضرار التي لحقت بالصين بفعل الفيروس.
فهل تراقب الدول الأخرى ذات النزعات الاستعمارية ما يجري في العالم من دون تدخل؟ وهل بمقدورنا أن نصدق أنّ من أخفوا على شعوبهم آلاف الإصابات بكورونا يتوانون عن استغلال الوباء العالمي للتأثير في المجتمعات المستهدفة بسياساتهم؟ وكيف تتطور استراتيجيات الأمن القومي في لحظات استثنائية كالتي يشهدها العالم؟
أسئلة كثيرة تصب الإجابة عنها في سلة تأكيد وجود مصالح مشتركة من تضخيم الهلع ونشر الشائعات وجمع المعلومات في أزمنة الخوف. الأخبار الزائفة في زمن الكورونا ليست ظاهرة مألوفة، بل هي سلاح مؤثر من أسلحة الحرب.