عندما توارى بوتين عن الأنظار

 الرئيس الروسي لم يذكر في خطابه بالاسم كلّ التحديات التي تواجهها روسيا، لكن تقارير مراكز دراساتٍ وأقوال محللين بثت أيضاً على قنوات التلفزة الرسمية، تحدثت في الآونة الأخيرة عن واقع ابتزاز روسيا. ولتفويت الفرصة على المتربصين به، يقطع الرئيس الروسي الشك باليقين عندما ظهر مترئساً اجتماعاً لكابينة الأزمة، بمشاركة ممثليه في الأقاليم.

  • عندما توارى بوتين عن الأنظار
    الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

 عندما توارى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأنظار لبضعة أيام، بعد إصابة مدير مستشفى الأمراض الوبائية دينيس بروتسينكو بالفيروس التاجي المستجد، انتشرت شائعات في شبكات التواصل الاجتماعي حول احتمال إصابة بوتين بفيروس كورونا أثناء زيارته المستشفى واحتكاكه المباشر بمديره لساعات. 

خصوم بوتين روَّجوا لهذه الشائعات، في محاولة للإيحاء بعجزه عن الإمساك بزمام الأمور في البلاد، لكن الواقع أن الرجل لم ينقطع عن أداء واجباته الرئاسية. على العكس من ذلك، فقد كثّف عمله بالتواصل المستمر عبر الإنترنت مع الحكومة ورؤساء الأقاليم، ملتزماً بمرسوم أصدر بنفسه، ويلزم الجميع بالعزل الذاتي التام.

 ولتفويت الفرصة على المتربصين به، قطع الرئيس الروسي الشك باليقين عندما ظهر مترئساً اجتماعاً لكابينة الأزمة، بمشاركة ممثليه في الأقاليم.

وقد استبق الاجتماع بإقالة عددٍ من رؤساء الأقاليم الذين فقد الثقة بهم. وقبل ذلك، أعلن القائد العام للقوات المسلحة الروسية بوتين حالة تأهبٍ قصوى لمواجهة خطر انتشار كورونا. 

وتضمن المرسوم الرئاسي ذو الصلة جملة من الإجراءات، ومنها الاستعانة بقوات الحرس الوطني الروسي لصيانة الأمن والحفاظ على سلامة المواطنين والمؤسّسات الحيوية، ولا سيما في العاصمة موسكو وعدد من المدن الكبرى.

وكان لافتاً أن الاجتماع نقل مباشرةً على الهواء، واغتنمه الرئيس لمخاطبة الأمة في ما وصفها بالمرحلة الصعبة التي تمرّ بها روسيا. وقد علقت في ذاكرة الكثيرين كلمات رنانة بدأ بها بوتين خطابه للأمة، مشبهاً التحديات التي تمر بها بأقوام أوباش: "كل شيء يمر، وهذه الغمة ستمر أيضاً. لقد مرت بلادنا مراراً باختبارات خطيرة، فقد عذبها قوم الباتشناغ*، وتعذبت على أيدي قوم القبتشاق*، لكن روسيا تمكنت منهم جميعاً".

الرئيس الروسي لم يذكر في خطابه بالاسم كلّ التحديات التي تواجهها روسيا، لكن تقارير مراكز دراساتٍ وأقوال محللين بثت أيضاً على قنوات التلفزة الرسمية، تحدثت في الآونة الأخيرة عن واقع ابتزاز روسيا، من خلال افتعال ما بات يسمى "حرب النفط"، لجرّها إلى مساومات في قضايا مصيريةٍ بالنسبة إليها، مثل انتماء القرم، والإبقاء على معاهدات خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، وأخرى مبدئيةٍ مثل دعم سوريا وإيران وفنزويلا.

 ووفق هذه التقارير، فإن الدولة العالمية العميقة وضعت سيناريو لمسرحية، وتقوم بتحريك خيوط الدمى فيها. أما الأدوار، فقد وزعت على كل من السعودية والبرازيل والنرويج في ما يخص النفط. 

وفي ما يخص الضغط الداخليّ، فهذا الدور أنيط بالجناح الليبرالي الذي لم يفقدْ تأثيره في مؤسسات الدولة، مدعوماً من بعض أقطاب طبقة الأوليغارشيا. 

وفي هذا الصدد، تم الاستناد إلى مقطع فيديو انتشر في شبكات التواصل الاجتماعي لنائب أمين سر مجلس الأمن القومي، دميتري ميديفيدف، أثناء فترة غياب بوتين عن المشهد السياسي إعلامياً. 

وقد دعا رئيس الوزراء الروسي السابق المواطنين في ذلك المقطع إلى التزام المنازل والعمل بنصائح الأطباء وإرشاداتهم في ما يتعلق بالوقاية من كورونا.

هذا الظهور المفاجئ لميدفيديف بالتزامن مع تواري بوتين، قاد البعض إلى الحديث عن عزل الرئيس الروسي، وعودة الجناح الليبرالي الذي يمثله رئيس الوزراء المقال إلى واجهة المشهد السياسي الروسي.

لكن بوتين ليس بوتين إن لم يحسب الحساب لكل صغيرة وكبيرة، بل إن بعض مواقع الإنترنت المتخصصة بنظريات المؤامرة افترضت أنه افتعل هذه المسألة لجس نبض الشارع الروسي، وكشف ما يمكن أن يحاك ضده من مؤمرات لوأدها في مهدها. 

في المحصلة، الكل في روسيا وخارجها يسلّم اليوم بأن الرئيس بوتين انتصر في معركةٍ أخرى، لكن ذلك لا يعني أبداً أن الحرب التي تشن على النهج الذي تمثله روسيا بوتين انتهت. 


* باتشناغ: قبائل رحّل من أصول تركية تكونت كقوم في القرن الثامن الميلادي، وكانت تمارس النهب والكر والفر على التخوم الجانبية لروسيا القديمة.

* قبتشاق: قوم من أصول تركية قضوا على نفوذ الباتشناغ في القرن الحادي عشر الميلادي، وحلوا محله جغرافياً وممارسةً.

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.

اخترنا لك