هل رسّخت المنظمات الأممية والإنسانية سيكولوجيا المجازر حول العالم؟
تلجأ "إسرائيل" ومعها أميركا ودول إستعمارية غربية إلى إختراع إطار أخلاقي إنساني نفسي للمجازر بحق الشعوب، إما بشن الحروب تحت عناوين إسقاط الديكتاتوريات أو مكافحة الإرهاب أو تهديد الأمن، فيما تتصرف المنظمات الأممية مع مجازرها باستنسابية.
-
تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في ظل صمت عالمي
تحلّ ذكرى مجزرة سربرنيتشا الـ17 مع استمرار المجازر في العالم، ولا سيما في عالمنا العربي من فلسطين إلى اليمن والعراق وسوريا، وصولاً إلى المقابر الجماعية التي يعاد البحث عنها في أميركا، العائدة إلى مجزرة تولسا العنصرية. المجازر تتنقل في العالم، وبات التطرف والإرهاب واحد.
في الحادي عشر من يوليو/ تموز عام 1995، استولت وحدات من صرب البوسنة على منطقة سربرنيتسا في البوسنة والهرسك.
وفي أقل من أسبوعين، قامت هذه الوحدات بتصفية ممنهجة لأكثر من ثمانية آلاف شخص من مسلمي البوسنة (البوشناق)، في أبشع جرائم قتل جماعية على التراب الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
قبل المذبحة، أخبر قائد الوحدات الصربية راتكو ملاديتش المدنيين المذعورين بألا يخافوا، ثم شرعت قواته في مذبحة لم تتوقف لعشرة أيام.
وهناك على مقربة من المشهد، كانت تقف قواتٌ لحفظ السلام خفيفة التسليح تابعة للأمم المتحدة، ولم تحرّك ساكنا.
كل ذلك والمنظمات الأممية والإنسانية لم تستطع أن تحيل أي ملف إلى العدالة الدولية ما خلا من تعاديهم واشنطن، إضافةً إلى الاعتياد على المجازر وكأن جريمة لم تقع في عالم فقد الكثير من القيم الأخلاقية والفكرية والإنسانية.
كيف باتت سيكولوجيا المجازر راسخة؟ كيف يسكت الغرب المنادي بالحريات وحقوق الإنسان، ويسكت عن المجازر في فلسطين اليمن، ويمدّ السعودية بالسلاح ويؤيد "إسرائيل" بالمطلق؟ أين دور المنظمات الدولية وما فائدتها؟ كيف انتشرت المجازر على يد الجماعات الإرهابية وتحديداً داعش في سوريا والعراق؟
واشنطن "تُشرع" المجازر
أهالي ضحايا الإبادة في سراييفو يستذكرون في تموز /يوليو من كل عام، الأيام الدامية وتخلي الغرب عنهم وتركهم فريسة للقتل. وتعتبر سربرينيتسا مذبحة في قلب أوروبا وحلقة في مسار تاريخي لمذابح لا صوت لضحاياها ولا قوانين تحاسب مرتكبيها.
ومن فلسطين والجزائر ولبنان والعراق وسوريا واليمن إلى فيتنام وكمبوديا وكوريا، مروراً بالصومال ونيجيريا ورواندا ومالي أمثلة على نسق من شرعنة القتل وتمجيد القاتل المخلّص.
بهذا المعنى لجأت "إسرائيل" ومعها أميركا ودول إستعمارية غربية إلى اختراع إطار أخلاقي إنساني نفسي للمجازر بحق الشعوب، إما بشن الحروب تحت عناوين إسقاط الديكتاتوريات أو مكافحة الإرهاب أو تهديد الأمن.
عندما تأسست المنظمات الدولية والإنسانية، وما يسمى بالشرعية الدولية، كانت الولايات المتحدة الأميركية مكلفة بها، بذريعة الحفاظ على السلام في العالم. ولكن واشنطن نقلت تاريخها الداخلي في المجازر حتى منتصف القرن التاسع عشر. فهي التي تحضر للمجازر، وبعد التحضير إذا شاء طرف من محكمة لاهاي أو لجنة حقوق الإنسان أن يتحرك ضدها تضغط عليه من جديد.
فهذه المنظمات هي عبارة عن مؤسسات لها وظائف معينة، وهي جزء من منظومة دول.
المنظمات الدولية لم تتصرف بجدية حيال المجازر في سوريا
وهكذا سكت العالم عن مذابح ساهمت فيها واشنطن وحلفاؤها في سوريا، بعد ترويج مناخات ربطها بالإرهاب والأسلحة الكيميائية، فجرى تسهيل تجهيز جيش من السفاحين من تنظيمي النصرة وداعش، صبغا أنهار سوريا والعراق بدم المدنيين والعسكريين.
ومع ذلك، لم تتصرف المنظمات الدولية بجدية حيال المجازر التي ارتكبها تنظيم داعش في سوريا بذريعة أن الحرب لم تنته بعد، فيما كانت تتحرك هذه المنظمات دائماً وفق الأجندة السياسية للدول المانحة لها، فلم ترفع الصوت و لم يسمع لها أي اعتراض.
وكان دائماً هناك محاولة للقول إن الأمر غير واضح، كقضية الأسلحة الكيميائية التي دائماً ما تسعى هذه المنظمات لإلصاق التهمة بالدولة السورية.
في الوقت نفسه، دائماً ما توثق هذه المنظمات الجرائم وترسل بها إلى مكاتب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ولكن هذه التقارير لا تؤخذ على محمل الجد ولا تأخذ تأييداً.
لم تعرض الممنظمات الإنسانية "إسرائيل" للمسائلة
"إسرائيل" صاحبة اليد العليا في عمليات الإبادة، لم تتلق أي عقوبات على مجازرها في لبنان وغزة وغيرهما، ومرت جنازات الشهداء على مرأى ومسمع المنظمات الدولية المُطَوَّعة بعدما نسجت تل أبيب وواشنطن شبكة أمان نفسي مفادها حق الدفاع عن النفس والتخلص من المخربين.
مدير مكتب الميادين في فلسطين ناصر اللحام يعتبر في هذا السياق أن النظام العالمي "لا يوجد فيه أي صدق وأي عدالة"، وأنه قام "بخداع الحكومات العربية"، والفلسطيني هو من دفع الثمن.
وبخصوص المجازر التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي، قال اللحام، "نحن لا نعرف سوى 20% مما تفعله العصابات الصهيونية من مجازر واغتصاب وتدمير وما إلى ذلك" على الأراضي الفلسطينية. فيما يقوم الإحتلال الإسرائيلي يومياً بعمليات اعتقالات وانتهاكات وقتل وظلم بحق الفلسطينيين على مرأى العالم والمنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان، لكن لا أحد عرّض "إسرائيل" حتى اليوم للمساءلة والإدانة.