تمريرها اقتضاه الضرورة: هل تصمد حكومة هشام المشيشي؟
أعلنت الأحزاب منحها الثقة لحكومة هشام المشيشي، غير أنها عبّرت في المقابل عن تحفظها الشديد حول التركيبة، الأمر الذي يدفع للشك حول مستقبل هذه الحكومة وإمكانية استمرارها طويلاً.
-
نالت حكومة المشيشي الثقة لكن الأحزاب تبدو متحفظة على طبيعتها
منح البرلمان التونسي ثقته لحكومة هشام المشيشي، بـ 134 صوتاً من أصل 217. حكومة تمر ولكن مرورها سيكون شبيهاً بالمشي على الألغام. هي حكومة "المناورات" و"التكتيكات" الأخيرة للأحزاب السياسية التي "منحتها صوتها ولم تمنحها ثقتها"، كما جاء على لسان القيادي في حركة النهضة سمير ديلو.
بعد اعتراض كبير كانت عبرّت عنه جل الأحزاب السياسية بسبب توجه المشيشي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، تغيرت المواقف والمعطيات قبل ساعات قليلة من جلسة منح الثقة، لتعلن الأحزاب الكبرى تصويتها لصالح الحكومة.
هذا التغير سبقه اجتماع لرئيس الجمهورية قيس سعيد بممثلي الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية، أكد خلاله سعيد أنه لا مجال لتمریر الحكومة ثم إدخال تحویرات علیها بعد مدة وجیزة.
فيما تناقلت الكواليس أخباراً مفادها أن رئيس الجمهورية وعد الأحزاب المجتمعة بعدم حل البرلمان مقابل إسقاط حكومة المشّيشي، ما أعاد خلط الأوراق ودفع ببعض الأحزاب إما إلى تغيير مواقفها أو تغيير تكتيكها السياسي.
ولعل العبارة التي اختتم بها رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، في جلسة منح الثقة، بقوله: "تمت الموافقة على هذه الحكومة من قبل مجلس نواب الشعب ممثل الشعب وصاحب السيادة ومصدر السلطات في البلاد"، كان رداً على رئيس الجمهورية قيس سعيد.
حكومة اقتضتها الضرورة
ولئن أعلنت الأحزاب منحها الثقة لحكومة المشيشي، فإنها عبّرت في المقابل عن تحفظها الشديد حول التركيبة. حركة النهضة قالت إنه "رغم التحفظات على طريقة مشاورات تشكيل الحكومة وهيكلتها، فقد قرر مجلس شورى حركة النهضة منح الثقة لحكومة المشيشي تقديراً للمصلحة الوطنية".
وأعلن رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني، أن "النهضة ستعمل على إصلاح هذه الحكومة" التي تتشكل من كفاءات مستقلة غير حزبية.
وأوضح الهاروني أن "حركة النهضة لا يزال خيارها سياسياً في حكومة وحدة وطنية، باعتبارها الوحيدة القادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد".
من جهته، قال رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، إن نواب الحزب سيمنحون الثقة لحكومة هشام المشيشي ثم سيقومون بسحب الثقة من بعض وزراء السيادة، الذين قال إنه وقع تعيينهم من طرف نادية عكاشة مستشارة رئيس الجمهورية.
المتابعون للشأن السياسي وبعض النواب تحدثوا عن مناورات سياسية قامت بها الأحزاب الكبرى بما في ذلك حركة النهضة وحزب قلب تونس، لكسب الوقت والضغط لاحقاً لفرض تعديلات على حكومة المشيشي بما يستجيب لرغباتها وأهدافها السياسية التي لم تتمكن من تحقيقها.
وكان النائب عن كتلة تحيا تونس بالبرلمان وليد جلاد، أشار في مداخلته خلال جلسة منح الثقة إلى وجود نوايا لسحب الثقة من عدد من الوزراء من حكومة المشيشي بعد نيل ثقة مجلس نواب الشعب.
كما أشارت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، في مداخلتها، إلى أن المشيشي سيحظى بثقة البرلمان لكنه سيدفع الثمن غالياً، وفق قولها.
مواقف الأحزاب التي منحت ثقتها لحكومة هشام المشيشي، توحي بأن هذه الحكومة قد لا تصمد طويلاً في ظل تحديات تنتظرها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
يقول في هذا السياق، الإعلامي والمحلل السياسي محمد اليوسفي في تصريح لـ "الميادين نت"، إن حكومة المشيشي ستكون في وضع أشبه بـ "المشي على رمال متحركة"، على اعتبار أن الوضع السياسي العام في البلاد وأيضاً "عدم ارتياح الأحزاب السياسية لمسار تشكيلها ولهندستها وتركيبتها ولغياب برنامج واضح"، وفق تقديره.
وأضاف اليوسفي، أن السياق السياسي العام في البلاد لا يسمح في نظره، بتواصل الحكومة لسنة 2024، مشدداً على أن هذه الحكومة مطالبة بوضع أولويات واضحة لإيقاف النزيف الاقتصادي خاصة على ضوء أزمة كورونا وعلى ضوء أزمة التداين وتحديات قانون المالية المطروح.
وتابع: "أعتقد أن مرور هذه الحكومة اقتضتها الضرورة المتعلقة بالعودة المدرسية والمتعلقة بحالة الشلل التي أصابت أجهزة الدولة، وبانعدام الثقة بحكومة تصريف الأعمال وبرئيسها الياس الفخفاخ، كما اقتضتها الحسابات السياسية الضيفة وهاجس حل البرلمان"، مشيراً إلى أن الجميع متفق على أنه من المستحيل إجراء انتخابات سابقة لأوانها في ظل هذه الظروف.
واعتبر اليوسفي أن لرئيس الحكومة الجديد فرصة لمحاولة "ترويض" الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية الوازنة، لفرض هدنة بمدة محدودة في انتظار الحسم بشكل جذري في أسباب هذه الأزمة السياسية، التي قال إن أسبابها عميقة ولا يمكن أن تعالج إلا بحلول موجعة والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها.
ورجّح في ذات السياق، إمكانية الاتجاه نحو خارطة طريق تحدد موعد هذه الانتخابات، التي قال إنها قد تكون في غضون سنة أو سنة ونيف.
كما اعتبر اليوسفي أن حكومة المشيشي أشبه بحكومة تصريف أعمال أو حكومة إدارة أزمة، في انتظار أن تتوصل الأحزاب السياسية إلى تسوية أو توافق حول الحلول الناجعة لحل الأزمة السياسية، مؤكداً أن الأحزاب لديها فرصة للحسم والاشتغال على ملفات ذات أهمية كملف المحكمة الدستورية، وتنقيح القانون الانتخابي وغيرها من القوانين والتشريعات التي تهم المنظومة الديمقراطية.
واستبعد اليوسفي إمكانية أن تنجح هذه الحكومة وأن تواصل عملها لفترة طويلة لأنها في نظره حكومة "بلا لون ولا طعم ولا رائحة سياسية"، مشيراً إلى أن الوضع السياسي سيضع رئيس الحكومة هشام المشيشي بين مطرقة الأحزاب وسندان رئيس الجمهورية، وبين مطرقة البرلمان وسندان رئيس الجمهورية، وهو في نظره ما سيعقد الأمور على المشيشي "خاصة في ظل ما حصل من ارتباك في تسمية بعض الوزراء المقترحين، والهاجس الكبير من إمكانية الانحراف بالدستور وتحول المشيشي إلى وزير أول".
وأضاف أن الحكومة الجديدة مطالبة بوضع الحد الأدنى من الاستقرار وإيجاد الحلول الكفيلة لإيقاف النزيف الاقتصادي والاجتماعي، مستبعداً قدرة هذه الحكومة على معالجة الملفات الكبرى والثقيلة من قبل علاقة تونس بالمانحين الدوليين وشركة فسفاط قفصة والكامور.
وأكد المحلل السياسي أن هذه المرحلة هي مرحلة سياسية لا يمكن في تقديره "أن نعول فيها كثيراً على حكومة متكونة من إداريين، ليست لهم الدربة السياسية في معالجة ملفات تحتاج لقرارات سياسية ولشجاعة سياسية ولتحمل مسؤولية سياسية".